قضايا وآراء

حول مصطلح "السلمية" والتنازع حوله

1300x600
نسجل هذه النقاط، لفك ذلك الاشتباك وإيقاف التنازع:

1- كرد فعل على عمليات إراقة الدماء، التي استدرج لها البعض، والخوف من أن توضع الجماعة في خانة الإرهاب – رغم أنها ترفضه طوال عمرها – كان هذا الإفراط في الحديث عن السلمية، وبطريقة كانت تتعارض مع مشاعر الثوار والدماء والأرواح التي أُزهقت في المذابح، فكون ذلك لدى الثوار رد فعل شديد لهذه التصريحات، مما احتاج الأمر لضبط المصطلح، وأصبح الحديث يدور في جو من التوتر الشديد وتحميل الأمور فوق ما لا تحتمله.

ودخلت عناصر مغرضة وأخرى لها مواقف مشبوهة وشارك البعض بحسن نية تحركه المشاعر والعواطف في تجاوز الحدود واللياقة وما تعودنا عليه في أدب الدعوة.

ونتج عن ذلك اهتزاز الثقة فيما بيننا، والتنازع، وتداخل المصطلحات والتعبيرات ...، وأصبحت كلمة السلمية، مصطلحا يحتاج إلى توضيح.

2- "السلمية" تعني رفض العنف وإراقة الدماء وإيذاء الأبرياء، وليس أن "السلمية " مضادة للثورة أو أنها استسلام أو تفريط في دماء الشهداء، وليس أنها ضد القوة بمعناها الواسع الشامل، والعدل دائما تحميه القوة، لكن الضابط الشرعي هو كيف تستخدم القوة؟ ومتى؟ وموازنة النتائج قبل الإقدام عليها.

فثورتنا سلمية، وسنحقق بإذن الله كل مظاهر الثورة الإيجابية البناءة، وليس الثورة المخربة الهوجاء، وسنواجه الانقلاب المجرم الفاسد بكل قوة حتى يسقط وننقذ الوطن منه.

3- "القوة" كمبدأ لا تعني التخريب ولا تعني استهداف إراقة الدماء، ولا تعني المواجهة المفتوحة دون حسابات وتقدير للموقف، ولا تعني ترك الإعداد الصحيح أو إلغاء باقي منظومة العمل.

القوة لها ضوابط وشروط ذكرها الإمام البنا، ولا بد فيها من الإعداد الصحيح والكيفية المناسبة على قدر الهدف المطلوب، واعتبر الإمام البنا أن استخدامها هو آخر الوسائل إذا انسدت جميع الوسائل الأخرى.

بل إن إعداد القوة متروك للواقع والظروف، فقد يكون الأمر ممكنا أو واجبا، وقد يكون ضرر ذلك أكبر من نفعه، فيتم تأجيل الأمر والصبر على الواقع حتى يتغير أو العمل على تغييره.
 
4- هناك فترات قد تتلازم فيها الثورة السلمية الشعبية مع القوة والإعداد الصحيح لها، ونسجل هنا بعض الأمور التاريخية لنزيل أيضا الحساسية عند البعض من كلمة "القوة وامتلاكها".

أ- في عام 1936 نالت مصر استقلالها المزعوم عن انجلترا وفق معاهدة أنهت الحماية الإنجليزية، وجعلت فاروق ملكا على مصر والسودان، لكن مع وجود قاعدة عسكرية للجيش الإنجليزى وتسهيلات لقواته ...، وكل ذلك كان على الورق، فالاستقلال الحقيقي لم يتم والتبعية ما زالت قائمة والتدخل في الشؤون الداخلية كما هو (وهذا اليوم هو واقع كثير من الحكومات سياسيا).

وفى عام 1940 قام الإمام البنا بتكوين "النظام الخاص" وإعداده لمعركة الاستقلال التام، ولحماية الدعوة إذا فرضت الظروف ذلك عليها، ولم تدخل الجماعة أية معارك إلا في عام 1948 ضد العصابات الصهيونية، وفى عام 1951 ضد القوات الإنجليزية في منطقة القناة.

فالإعداد شيء واستخدام القوة شيء آخر، ويخضع لعدة ضوابط أهمها الجانب الشرعي.

ب- الجهاد الأفغاني، والذي باركه العالم الإسلامي ووقف معه، كانت بدايته أولا من المجاهدين ضد الحكومة الأفغانية العميلة والتي ارتبطت بمعاهدة مع الاتحاد السوفيتي ثم استنجدت بقواته لحمايتها فدخل الجيش الروسي أفغانستان، وكانت معركة التحرير.
 
جـ- الشعب السوري وطليعته الثائرة، وما يحدث له، لا يمكن أن نتركه لهذه الإبادة الواسعة من هذا النظام المجرم وسط تواطؤ دولي اكتفى بالتصريحات.
 
ألا يصبح من حقها الدفاع بالقوة – إن استطاعت – عن نفسها، لكن كيف؟ هذا هو المطلوب. وما حدث من تدخل لقوى أجنبية مغرضة هو الذي أوصلنا لهذا الوضع الحالي، وليس رد الاعتداء.
 
د- وما يحدث في اليمن من انقلاب للحوثيين والحرس الجمهوري التابع لعلي صالح، فعندما توفرت وسائل القوة والدفع، قاموا بمواجهة هذا الانقلاب، وشارك في المقاومة الشعبية أبناء الحركة الإسلامية مع الآخرين، فهل كان يريد البعض منهم الاستسلام لهذا الواقع؟

هـ- إذا انحازت قطاعات مؤثرة من الجيش إلى الثورة، وانتقلت من جانب المعتدى الظالم، إلى جانب رد العدوان والدفاع عن الحق والشرعية، وتأتمر بأوامر الشرعية، فهل هذا خروج على خط الثورة وخط السلمية، وهل تتبرأ منهم الثورة وتواجههم أيضا، وهم جزء من الشعب.

س- نسمع من يرفع راية السلمية ولا شيء غير السلمية، ثم يقول: مع بقاء حق الدفاع المشروع للأفراد عن النفس والعرض.
 
أليست هذه قوة، وكيف يكون ذلك الدفاع المشروع مع المفهوم الذي يلصقه البعض بالسلمية.

5- لا نسرع في إطلاق الأحكام إذا صدر تصريح من هذا أو ذاك، لقد أباح الفقهاء في حالات الاضطرار والإكراه النطق حتى بكلمة الكفر ...، وما يقوله البعض ليس بكفر، فلا بد أن نتبين أولا خلفيات ذلك ...، والمداراة والتورية في مواجهة واقع شديد التعقيد لها مكانها وأحكامها.. وقد يرى آخرون ما لا نراه في تجنب أمور ضررها شديد في تلك المرحلة، وكل مكان له ظروفه الخاصة به، وهناك في أي صراع بين جهتين ما يسمى بتوزيع الأدوار أو اختلاف الرؤى لكن داخل إطار واحد.
 
فيكون هناك المتشددون والمعتدلون، وكله يصب في إناء واحد ولا يخرج عن إطار الأهداف.

6- تعودنا ألا نناقش خططنا ومسائلنا الداخلية عبر وسائل الإعلام المفتوح، وأن نتبين قبل أن نصدر الأحكام، والنصيحة – إذا أخطأ أحد – لها مساراتها الهادئة، والإعلام المفتوح له ضوابطه وأهدافه التي تحققها الرسالة الإعلامية وليس مجالا لكل شيء.

نسأل الله التوفيق والسداد، وأن يجمع القوب، ويوحد الصفوف، وأن ينصر ثورة الشرعية.