قضايا وآراء

شهادة صحفي على أبواب الأقصى

1300x600
قبل سنوات من الآن أذكر أنني توجهت مع عائلتي للصلاة في المسجد الأقصى، وحينها منعوا الرجال ممن هم دون سن الأربعين عاما من الدخول الى الأقصى وسمحوا للنساء، وهكذا بقيت أنا مع من رافقني من أبنائي خارج الأسوار، ولكنني متأزر ببطاقة الصحفي التي بحوزتي قلت للزملاء الممنوعين مثلي سوف أحاول أن أدخل بواسطة هذه البطاقة، فكما أعلم أنه في كل الدول الديموقراطية والمتنورة يحترمون مثل هذه البطاقات، وفقط في الديكتاتوريات ودول الأبرتهايد لا تحترم، ولما وصلت الحاجز الأول في باب الأسباط بجانب مركز الشرطة الإحتلالي وأردت العبور من الحاجز الإحتلالي هناك استوقفني اثنان من عناصر الإحتلال كانا واقفين هناك ، فاظهرت لهما البطاقة وقلت لهما: إنني صحفي، فتفوه أحدهما وهو الضابط المسؤول بكلمة سيئة أحببت أن أنزه بصركم وسمعكم عنها، ومنعني من الدخول، فعدت أدراجي الى حيث زملائي ينظرون إليَّ ويبتسمون كأنهم يقولون: ألم نقل لك إن هؤلاء لا يعرفون لهذه القيم معنى؟ ألم نقل لك إن هؤلاء أقرب الى العنجهية والبلطجية منهم إلى أي معنى من تلك المعاني التي تعرفها وتحترمها؟ 

مرت السنون وكنت قد توجهت إلى الأقصى للصلاة فيه ذات يوم، وكانت الحواجز الإحتلالية تملأ أبوابه وقد منعوا من هم دون سن الخمسين من الدخول الى الأقصى، ولما كنت قد تعديت الخمسين بأشهر قليلة أظهرت بطاقة التعريف خاصتي أمام عناصر الاحتلال التي تقف على بوابات الاقصى متأكدا أن لا مانع يمنعني من الدخول، ولكني نسيت هذه المرة أن أنتزع بطاقة الصحفي من داخلها، فلما رآها عناصر الاحتلال سألوني هل أنت صحفي؟ قلت متفاجئا من نسياني بطاقة "التهمة" أمامهم: نعم، فقال الضابط : إذا ممنوع الدخول، فتوجهت إلى باب آخر وانتزعت بطاقة الصحفي من بطاقة التعريف وهذه المرة دخلت بحكم جيلي دون سؤال. 

ودار في خلدي يومها السؤال التالي وهو: ماذا الذي تنوي قوات الاحتلال فعله  داخل الأقصى؟ أي جريمة تنوي القيام بها بعيدا عن أعين الصحافة؟ وإلا لماذا تمنع الصحفيين من الدخول الى إلاقصى؟ ثم دارت في خلدي أحاديث تقول إن هذه التصرفات لا يقدم عليها سوى السارق أو الذي ينوي أن يقدم على جريمة يخشى أن يطلع الناس عليها ، ولذلك فهو سلفا يهيء لنفسه الأجواء كل الأجواء كي ينفذ هذه الجريمة بعيدا عن أعين الإعلام وبالتالي بعيدا عن أعين الناس. 

ولا شك أن هذا فعل من لا يملك حقا في المكان ويعلم يقينا أنه لا يملك هذا الحق، ولذلك فإنه يسعى إلى السيطرة والتملك في مكان ليس له فيه مكان، وفي جو ليس له فيه هواء، وفي مسجد ليس له فيه هيكل مزعوم، وعليه فلا بد من فقء عين الإعلام حتى ينفذ جريمته بعيدا عن رقابة الصحافة والأمم.

تذكرت هاتين الحادثتين وأنا أرى كيف تستدعي سلطة الاحتلال اليوم الإعلاميين والصحفيين الذين ينقلون الحدث من الأقصى المبارك وتسلمهم أوامر إبعاد عن المسجد الأقصى. 

ولما كان الإعلام اليوم ليس مقتصرا على الكاميرا المهنية التي يحملها الصحفي فقد بات كل هاتف خليوي ذكي كاميرا تنقل الحدث كما تنقلها كاميرا الفيديو، فقد باتت قوات الاحتلال تلاحق كل من يحمل هاتفه الذكي وتمنعه من تصوير جرائمهم في  الأقصى، وقد كنت شاهدا على أحدها عندما لاحق عنصر احتلالي أحد الشباب الذي كان يصور عبر هاتفه الذكي في المسجد الأقصى المبارك واعتدى عليه ضربا مبرحا وسرق هاتفه الذكي الذي كان قد صور فيه الحدث منه، ولم يفعل الشاب شيئا رغم كيل الشتائم الهابطة له من الشرطي والمسبات القذرة ومن ثم الإعتداء عليه، إلا أن الشاب كان يقول لهذا العنصر الإحتلالي لن أقول لك شيئا ولن أرد عليك أبدا فالكل مسجل، هذه الجمل التي كان يكررها ربما أغاظت هذا العنصر الاحتلالي إلى حد الهجوم الوحشي عليه وإلحاق الأذى به، وقد رأيت ذلك عندما التقيت به في عيادة الأقصى في ذلك اليوم يعاني من الرضوض والكسور والدماء تنزف من وجهه. 

بنيامين نتنياهو يقف على رأس الهرم  الذي يقر هذه السياسات في الأقصى المبارك، ويقف على رأس الهرم الذي يعتدي على المسجد الأقصى المبارك، وهو الذي حول الإقتحامات اليومية والإعتداء على المصلين المسلمين من النساء والرجال والأولاد الى سياسة يومية وهو الذي يمنع المسلمين من حرية العبادة، وهو الذي يمنع الصحفيين من ممارسة دورهم في المسجد الأقصى يتحدث عن حرية العبادة في مكان لا مكان له فيه، وفي أجواء لا نسيم له فيها، وفي مسجد لا هيكل مزعوم له فيه. 

إنه الإحتلال الخطر الأكبر على المسجد الأقصى المبارك وكل الاعتداءات مما ذكرت، ومما لم أذكر في هذه العجالة ما هي إلا مظاهر وأدوات لهذا الاحتلال ستزول يوم أن يزول الإحتلال عن المسجد الأقصى.