مقالات مختارة

بروفا الحرب الأهلية في تركيا

1300x600
كتب محمود أوفر: كنت أعتقد أن العنف والإرهاب سيتوقفان خلال فترة عيد الأضحى المبارك على الأقل، بسبب الألف عام التي عشناها معا على هذه الأرض. لكنني كنت واهما، فلم تتوقف الهجمات الإرهابية في شرناق، ولم تتوقف لغة الكراهية في السياسة والإعلام... كما أنها لم تسكت الأسلحة أو تغلق فوهات المدافع، وتكلم المتكلمون أيضا بالكراهية والبغضاء.

وقد كان من تمام المنطق أن يتكلم الكتّاب عن قدوم العيد وبركته، لكنهم حين كتبوا لم يخفوا بين سطورهم نشر العداء باسم الانتقاد. فقد كانوا أول من بدأ بصنع الكراهية ونشرها ثم رميها على غيرهم واتّهامهم بها محاولين إخراج أنفسهم من الموقف.

الإرهاب يشيع لغة الكراهية

كلنا نعرف كيف وصل الأمر إلى هذه النقطة. فبعد عدم حصولهم على ما يريدون من صناديق الاقتراع بدأوا بمحاولة الحصول عليه من خلال تحريكهم للشوارع أو عن طريق الانقلاب عسكريا، وقد بدأوا أولا بلغة الكراهية عن طريق ترويجهم لفكرة "الديكتاتورية"، ثم أدخلوا حزب العمال الكردستاني وحزب الشعوب الديموقراطي على الخط مشعلين بذلك نار الفتنة.

وقد لمّح لهذا رجل أعمال الكيان الموازي المحب لحلم "دولة الجنوب"، في تشرين الأول/ أكتوبر من عام 2013، حين قال: "ستنتهي عملية السلام وستبدأ المواجهة من جديد" وقد حدث ما قال، فأعلنت منظمة اتحاد المجتمعات الكردية التابعة لحزب العمال الكردستاني في العاشر من تموز/ يوليو 2015 عن "حرب الثورةالشعبية"، معلنة بذلك بداية العمليات الإرهابية ومحوّلة المنطقة إلى بحيرة دماء.

ورغم هذه الحقيقة الناصعة، فإن كلا من حزب العمال الكردستاني وحزب الشعوب الديموقراطي وصحيفة "جمهورية" والتنظيم الموازي، لا يزال مصرّا على الادعاء بأن حزب العدالة والتنمية هو من بدأ المواجهة.

لا شك أنها عملية تشويه مشتركة. وأصداء هذه العملية شوهدت بشكل صادم في مدينة جيزرة. فقد أجروا بروفا حرب أهلية في المدينة.. وغذّوا الناس لفترة طويلة على البغضاء والكراهية، ليخرجوا لنا مشهدا محزنا ومظهرا معتما للمستقبل. 

تخبّط الإرهاب وتناقض أقواله

لقد كانت المقابلات التي أجراها التلفزيون الهولندي في تلك الأيام العصيبة مع بعض من حفروا الخنادق ودخلوا المعارك أمرا تؤخذ منه دروس كثيرة وعبر. وهذا ما قالته امرأة مسلحة كانت قد غطّت وجهها:
"أنا لا أحمل أي خوف من حكومة الدولة التركية. فالحكومة التركية هي من بدأت الحرب الأهلية. والأعداء يهاجموننا بشكل متواصل كما رأيتم في مدينة جيزرة. ولو أننا لم نحفر هذه الخنادق لما استطعنا حماية أنفسنا. فالعدو يحاول الضغط علينا دائما".

ورغم أن تصريحات المرأة الأخرى التي لم تغط وجهها كانت عكس ما قالته سابقتها، فإن نظرات الكراهية لم تتغير: "نحن نعاني –طبعا- من الأحكام العرفية هنا. وأنا وقفت احتراما لذاك العلم التركي، تلوت القسم وأنشدت النشيد الوطني. فلا اعتراض لنا على كل ذلك... ونحن أساسا مستعدون للتعايش تحت هذا العلم. فكل ما نريده هو الديموقراطية. ليس غيرها".

في حديثنا عن قاعدة شعبية تصوّت الغالبية العظمى منها لحزب الشعوب الديموقراطي، فإن البعض منهم يعلن عن عدائه للدولة التركية، ويكتفي البعض الآخر بالتصريح بأنه لا مشكلة لديه مع العَلم أو مع النشيد الوطني.

فوضى عارمة

من الواضح أن حزب العمال الكردستاني أقحم الناس في فوضى عارمة يصعب الخروج منها. فقد أرغم هذا الشعب على هذه المواجهة رغم تأكّده من أن الديموقراطية أمر لا يُطلب ولا ينال بالقنابل ولا بالأسلحة. ولأن المجتمع الكردي واع تجاه هذا الأمر، فقد قام حزب العمال الكردستاني في دعوته إلى التمرد وحمل السلاح.

لكن يبقى الأمر المحزن فعلا، هو دعم حزب الشعوب الديموقراطي الصريح لهذه السياسة، وهو الحزب الذي قطع أشواطا في مجال التحول لحزب تركي وحصل على أصوات لا بأس بها في الانتخابات الأخيرة.

وباختصار، فإن اللغة السياسية السلبية لحزب الشعوب الديموقراطي، هي ما حوّل مدينة جزرة إلى عدو للجمهورية التركية. وإرجاع الأمر إلى مساره الصحيح أمر غيبي، مجهول.

(عن صحيفة "صباح" التركية- ترجمة خاصة لـ"عربي21")