مقالات مختارة

بعد حادثة منى!

1300x600
كتب حسين شبكشي: مع قراءة هذه السطور يكون موسم الحج لهذا العام قد شارف على الانتهاء، والحديث الأهم هو عن حادثة تدافع الحجاج في منطقة منى، التي ذهب ضحيتها عدد كبير منهم.

كان اللافت هو "توظيف" الحادثة بشكل فوري لأهداف سياسية واضحة جدا، سواء أكان ذلك من قبل أعضاء في تنظيم جماعة الإخوان المسلمين أو إيران وأبواقها في المنطقة.

وطبعا لكل من هذين الطرفين أهدافه، فلا يمكن أخذ تعليقاتهم على الحدث بأي نوع من الجدارة ولا الاحترام ولا المصداقية، ولكن السعودية صرحت رسميا بأنها شكلت لجنة لمعرفة أسباب الحادث وهل هو "طبيعي" نتيجة تدافع الحجاج المفاجئ أم وراءه "شبهة" تحريك أفواج بعكس اتجاه الحجاج؟

هذا ما سيتبين مع الانتهاء من التحقيق وتفاصيل النتائج المتعلقة به. ولكن المهم هو الاستفادة القصوى من هذه الحادثة الأليمة وتطبيق معنى الحج "لمن استطاع إليه سبيلا" بمعنى عصري وجديد،

فتكون معاني الاستطاعة هنا اليوم ليس لها علاقة فقط بمفهوم القدرة الجسمانية والصحية ولا القدرة المالية، ولكن لا بد أن تشمل "الوعي" بالواجبات والشروط والمناسك ومراعاة مفاهيم السلامة والنظام، وذلك عبر دورات استباقية للحجاج في بلادهم قبل قدومهم لأداء مناسك الحج، وفقط من يجتاز هذه الدورات بنجاح له الحق في السفر لأداء المناسك.

هذا مطبق فعلا في ماليزيا منذ زمن ليس بالقصير، ومطبق بفعالية ونجاح. ولعل أكبر دليل على التأثير الإيجابي لما قامت به ماليزيا هو أن حجاجها الأقل مشكلات والأكثر التزاما بالتعليمات خلال موسم الحج، لأن تنوع الثقافات وعدم الإلمام المسبق بالمطلوب والمفروض من العوامل المسببة للمشكلات خلال موسم الحج.

هناك أيضا مفتاح آخر للحل من خلال النظر في الفترة الزمنية لأداء كل منسك من مناسك الحج العظيمة، فمع التوسع المكاني الذي جرى الاهتمام به عبر الأزمنة يكون من البديهي جدا الاهتمام بالتوسع الزماني لها،

ومن البديهي جدا القول إن حلا كهذا من شأنه أن يخفف المعاناة ويقلل من احتمالية زهق الأرواح.
السعودية ليست بحاجة لشهادة بخصوص ما تقدمه من خدمات وتسهيلات وإجراءات لخدمة الحج والحجاج تأتي في مقدمة خططها التنموية وتجند لذلك كافة قدراتها المالية والبشرية، وهي تسعى بشكل دوري ومؤسسي مستمر في تطوير الأداء وتحسين ما يقدم من خدمات.

وهذه الواقعة ستكون فرصة جادة لمحاسبة من قصّر وتطوير ما يستحق أن يطوّر.

تبقى ضرورة التركيز على من يستغل هذه الحادثة الأليمة لأسباب سياسية وانتقامية لا علاقة لها البتة بالصالح العام المطلوب لأنهم يشاركون في جرم أعظم وهو الفتنة.

عموما، هذه الحادثة كانت سببا في مراجعة دقيقة لخطط الحج ومعرفة مكامن الخلل فيها، ولكن الأهم أنها فرصة لمعرفة العدو الشامت وإدراك الفرق الحقيقي بينه وبين الصديق الناصح. رب ضارة نافعة.

رحم الله من توفاه، ومنّ بالشفاء على كل مصاب.

(عن صحيفة الشرق الأوسط اللندنية 27 أيلول/ سبتمبر 2015)