ملفات وتقارير

20 حزبا أردنيا تتبنى موقفا متشائما من قانون الانتخاب الجديد

مؤتمر حضره 20 حزبا عُقد في مقر حزب الجبهة الأردنية الموحدة - أرشيفية
شكل الموقف "المتشائم" الذي أعلن عنه 20 حزبا أردنيا من أصل 34 من مشرع قانون الانتخاب الجديد، صدمة للحكومة الأردنية التي انتقد رئيسها عبد الله النسور موقف هذه الأحزاب، مخيرا إياها بين "قانون الصوت الوحد ومشروع القانون الجديد".
 
يشار إلى أن هذه الأحزاب وعلى رأسها حزب جبهة العمل الإسلامي (الذراع السياسي لجماعة الإخوان المسلمين)، تُحمّل التشريعات الناظمة للحياة السياسية مثل قانوني الانتخاب والأحزاب والتدخلات الأمنية، مسؤولية إخفاق الأحزاب في الوصول إلى قبة البرلمان، ومسؤولية خمول الأحزاب وضعفها على الساحة السياسية.
 
وترى الأحزاب الأردنية أن "رافعة الإصلاح في الأردن تكمن في إقرار قانون انتخاب يفضي بوصول قوى حزبية إلى البرلمان، والتخلص من قانون الصوت الواحد، غير المتحول، الذي طبق عام 1993، حيث أفرز نوابا على أسس مناطقية وعشائرية، ورجال أعمال ومقاولين، وأقصى البرامج الحزبية".
 
بنود غير دستورية

من جانبه، أقرّ مسؤول الملف الوطني في حزب جبهة العمل الإسلامي، خضر بني خالد، بأن "مشروع القانون الحالي اختلف عن السابق، لكنه في الوقت ذاته عبارة عن توليفة من قانون الدوائر الوهمية والصوت الواحد والدوائر الوطنية، التي تضمنت انتخابا غير مباشر"، معتبرا ذلك "خللا دستوريا يتعارض مع المادة 67 من الدستور الأردني، التي نصت على أن يكون الانتخاب مباشرا"، بالإضافة إلى أن "مسودة القانون منحت أردنيين حقين في الانتخاب على أساس الكوتا والدوائر، وهذا يتنافى مع مبدأ المساواة بين الأردنيين".
 
وقال بني خالد لـ"عربي21" إن "البيئة السياسية طاردة للأحزاب الأردنية، حيث وضعت أمامها العراقيل، ولا تزال العقلية العرفية موجودة في التعامل اليومي مع الأحزاب التي تملك فعلا برامج تقودها للبرلمان، في حال كان هناك بيئة وتشريعات مناسبة تساعد هذه الأحزاب".
  
وشاركت الحركة الاسلامية في الانتخابات النيابية بعد عودة الحياة البرلمانية إلى الأردن، وانتهاء حقبة الأحكام العرفية عام 1989، واستطاع حزب جبهة العمل الإسلامي الفوز في 23 مقعدا في البرلمان، وحصد رئاسة مجلس النواب لثلاث دورات متتالية، لتقوم بعدها السلطات الأردنية بتغيير قانون الانتخاب، واعتماد قانون الصوت الواحد، الذي أفرز نوابا على أسس عشائرية ومناطقية.
 
وبقيت الحركة الإسلامية في الأردن تشارك في الانتخابات النيابية حتى انتخابات عام 2007، التي شهدت "عمليات تزوير واسعة"، باعتراف مدير المخابرات الأسبق محمد الذهبي، وبناء على تقرير صادر للمركز الوطني لحقوق الإنسان (جهة شبه حكومية). 

وتشترط الحركة للتراجع عن مقاطعة الانتخابات "سن قانون انتخاب ديموقراطي، وكف التدخلات الأمنية الحكومية في الانتخابات".

أحزاب "غير ناضجة"

من جهته، حمّل أستاذ العلوم السياسية في جامعة اليرموك، الدكتور أنيس الخصاونة، الأحزاب الأردنية إلى جانب التشريعات، المسؤولية في "ضعفها". 

وقال الخصاونة لـ"عربي21" إن "الأحزاب الأردنية ما زالت غير ناضجة سياسيا، باستثناء حزب جبهة العمل الإسلامي، ولم تأت هذه الأحزاب نتيجة تجارب تراكمية، ما أفقدها النضج والتعمق والتجذر والمشاركة والضغط على الحكومة، وجاء هذا نتيجة انقطاع  ثلاثة عقود من الزمن، عندما كانت الأحزاب محظورة في الأردن، ما أحدث فجوة كبيرة جعلت جيلين تقريبا لا يعرفون معنى الحياة السياسية، لتبدأ الحياة السياسية في الأردن من الصفر، وعلى استحياء".
 
وأضاف الخصاونة: "أغلب الحزبيين مسكونون بالخوف والوجل من الحكومة وأجهزتها وأدواتها، وهذا مُبرر لأن العمل الحزبي كان يصنف في الماضي جريمة يعاقب عليها القانون لسنوات طويلة، لذا نحن بحاجة لمزيد من الوقت كي يكون للأحزاب كينوية  وهوية".

ووجه الخصاونة نقدا داخليا للأحزاب التي لا تراعي الأسس الديمقراطية في اختيار الأمين العام، قائلا إنها "سهلة الاختراق، حيث شهدت أحزاب عديدة انشقاقات كان للحكومة يد في بعض منها، وكان آخرها الانشقاق في جماعة الإخوان المسلمين، الأكثر تنظيما ونضوجا، على الرغم من قوة وتماسك الجماعة، إلا أن الحكومة استطاعت من خلال أطراف محسوبة عليها إحداث انشقاق، وترخيص جماعة أخرى في وقت قياسي"، على حد قوله.
 
ولا يبرّئ أستاذ العلوم السياسية طرف الحكومات الأردنية من مسؤولية ضعف الأحزاب وعدم قدرتها على المشاركة في الحياة البرلمانية، حيث قال إن "الدولة الأردنية لا ترغب بوجود الأحزاب في البرلمان، فما نسمعه من تصريحات على التلفاز يختلف عن الواقع، تصريحات الحكومات الأردنية موجهة للغرب وللديموقراطيين الذين يتحدثون عن حقوق الإنسان، لكن في الحقيقة النظام الأردني يريد ديموقراطية ولا يسعى لها، كونه يرى أنها شيء يمكن أن يهدد كيانه واستقراره". 

وتابع بأن النظام الأردني "يتحدث عن الديموقراطية، ولكن عمليا ليس هناك ما يدل أو يساعد على تهيئة الأجواء والسياقات المناسبة؛ لذا الأحزاب في الأردن واجهة ديكورية لأغراض التسويق الخارجي"، وفق تعبيره.
 
استطلاع يظهر تأييدا لمشروع القانون
 
على عكس ما تقوله الأحزاب، أظهر استطلاع للرأي أجراء مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية (جهة شبه حكومية) حول مشروع القانون، أن "83 في المئة من الأردنيين يؤيدون مشروع القانون الجديد، بينما يؤيد 71 في المئة القائمة المفتوحة، بينما رأى 29 في المئة اختصار القائمة على الأحزاب فقط".

وأعرب 60 في المئة عن اعتقادهم بأن مشروع القانون "سيؤدي إلى تعزيز الحياة الحزبية في الأردن، بينما 58 بالمائة يعتقدون بأنه سيزيد من تمثيل الأحزاب في مجلس النواب".

20 حزبا تطالب بتعديل مشروع القانون

وجاء الاستطلاع بعد مؤتمر حضره 20 حزبا، عُقد في مقر حزب الجبهة الأردنية الموحدة، طالبت فيه "بضرورة أن يعتمد قانون الانتخاب على النظام المختلط، بحيث يتضمن القوائم العامة أو الوطنية التي يرتبط تشكيلها بالأحزاب السياسية بشكل حصري".
 
ورأى أمين عام حزب الجبهة الأردنية الموحدة، طلال ماضي، في حديث لـ"عربي21" أن "مشروع القانون قائم على الفلسفة ذاتها التي قامت عليها القوانين السابقة، وهي إعطاء التمثيل الاجتماعي الأولوية على التمثيل البرامجي والسياسي".
 
وقال ماضي إن مسودة مشروع القانون "قاصرة لتكون قانونا عصريا يلبي طموح الأحزاب"، داعيا إلى "وجود  ثقافة عامة في الدولة الأردنية لتشجع على قيام الحياة الحزبية، وتطور الحياة السياسية، وإيجاد بيئة حاضنة للحياة الحزبية، كما أرادها الملك عبد الله الثاني في الورقة النقاشية الخامسة التي طرحها حول الإصلاح في الأردن، التي دعا فيها لتطوير الحياة الحزبية، وصولا لحكومات برلمانية على أساس حزبي كتلوي".
 
إما قانون الصوت الواحد أو القانون الجديد
 
بدوره، انتقد رئيس الوزارء الأردني، عبد الله النسور، في لقاء جمعه مع أحزاب وسطية (مقربة من الحكومة) موقف 20 حزبا من القانون، موجها سؤالا للأحزاب الرافضة للقانون، فيما إذا كانت قبل إعلان موقفها قد استفتت قواعدها حول مشروع القانون، أم إن الموقف كان لقياداتها فقط؟
 
وقال النسور إن "تخصيص مقاعد للأحزاب السياسية أمر مجاف للحقيقة"، وقال إن "الأحزاب ليست فئة محرومة، وإن المقاعد لا تكون بالتثبيت، بل بأوراق الاقتراع".
 
وكان المجلس العالي لتفسير الدستور في الأردن، أفتى بـ"عدم دستورية القوائم الحزبية في الانتخابات النيابية".

وأكد عضو اللجنة المركزي في حزب الوحدة الشعبية، عمار هلسه، أن "الأحزاب لا تسعى لكوتا حزبية، إنما لقانون انتخاب تقدمي ديموقراطي يشكل بيئة خصبة تشجع الناخب على اختيار مرشح حزبي، ما يؤدي إلى تطور ونمو الحياة الحزبية في الأردن".

ورأى هلسه في حديث لـ"عربي21" أن "مسودة القانون الجديد تختلف عن قانون الانتخاب الذي عمل فيه عام 1989، حيث لم يعتمد القانون في حينها على النسبية، حيث كانت القوائم عبارة عن ائتلافات، أما مسودة المشروع الحالي ليست كافية لخلق إصلاح سياسي متلائم مع ما تعلق عليه الناس من آمال".
 
وقال هلسه: "لا إصلاح سياسي في الأردن دون أحزاب سياسية"، مؤكدا أن "الأحزاب الأردنية تملك برامج، ولديها رؤية سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية متكاملة، لكنه لم يفتح لها المجال لتحقيق برامجها". 

قرار المقاطعة أو المشاركة معلق

وعلقت أحزاب أردنية مناهضة لمشروع القانون موقفها من المشاركة أو المقاطعة لحين إقرار القانون بشكله النهائي من مجلس النواب الأردني، وإحالته إلى لجنته القانونية. 

وأكد حزب الوحدة الشعبية الذي قاطع الانتخابات السابقة، أن الموقف سيتضح في حين إقرار القانون.
 
بينما أكد مسؤول الملف الوطني في حزب جبهة العمل الإسلامي أن موقف الحركة الإسلامية من المشاركة في الانتخابات "مرهون بتشاور الحزب مع قواعده، بحسب الأسس الديمقراطية في الحزب، وأنه سيتم بعد دراسة القانون".
 
وكان حزب جبهة العمل الإسلامي استهجن في تصريح صحفي قيام الحكومة بعقد مؤتمر مع الأحزاب السياسية خلال الأيام الماضية، حول "دور الأحزاب السياسية في الحياة البرلمانية".

 ورأى الحزب أن "هذا الحوار قد جاء في الوقت الضائع، بعدما قامت الحكومة بإرسال مشروع قانون الانتخاب إلى مجلس النواب، وكان الأصل أن يصار إلى حوار أولي (ومعمّق) مع الأحزاب السياسية والاستماع إلى وجهات نظرهم في مشروع القانون، ثم إرساله إلى المجلس".