مقالات مختارة

كم مرة سيقتلون إيلان؟!

1300x600
كتب منار الرشواني: لن يكتفي قتلة إيلان كردي الحقيقيون بموته مرة واحدة. سيذكّر أحدهم بأنه "كردي"، فلا بد وأنه رغم سِني عمره التي لا تجاوز أصابع اليد الواحدة، يظل "مشروع عميل" للصهاينة، وقد كان موته وأمثاله من الأكراد خدمة من البحر للأمة العربية "النقية".

هنا، سيتشيط آخر غضبا -وقد لفت ذلك انتباهه إلى حقيقة أخرى- من دور الإعلام الغربي الصهيوني الذي نسب إيلان وذويه للجنسية السورية، من دون تمحيص وتدقيق، وفي تخلٍ وقح عن معايير المهنية التي يتحلى بها إعلام الرئيس الخالد. فصحيح أن هذا "الكردي" وذويه يتحدرون من كوباني/ عين العرب في سوريا، "لكن هل تأكد أحد أنهم ليسوا من بين مئات آلاف "المكتومين" الذين جردهم نظام حزب البعث العربي من مواطنتهم السورية منذ عقود؟!". مستنتجاً: "على الأغلب هو كائن غير سوري، حتى إن لم يكن مرشح عميل صهيوني".

إلا أن أكثرهم ذكاء سيتنبّه إلى أن مثل هذه الدفوع هي اعتراف كامل بالإدانة، لا بد وأن تعامل كأسرار أمن قومي. 

مع ذلك، فإن الاستراتيجية الناجعة، كما سيكشف، لا بد وأن تقوم أيضا، وبداية، على قتل إيلان مرة أخرى؛ بقتل طفولته. فثمة أطفال كثر يقضون في سوريا يوميا، غالبيتهم العظمى ببراميل الأسد المتفجرة، وغاز الكلور "المباح" بعد تحريم "السارين"، فلا يجب السماح بربط مأساتهم بمأساة إيلان؛ ليس كل الضحايا سواء، وليس كل المجرمين سواء، مستشهدا بقول أحدهم يوما: "ثمة دماء تثير الشفقة ودماء تثير الاشمئزاز".

سيخبر الحاضرين، بصوت خبير محترف أفنى عمره في تجريد الناس من إنسانيتهم: "انزعوا عنه طفولته؛ هو فقط كردي ابن أقلية، ونحن حماة الأقليات بما يبرر قتل أغلبية السوريين. وهو قد جاء من "كوباني" التي استباحها "داعش" وليس "المقاومة والممانعة". لكن تعلموا من الإيرانيين اليوم؛ فاحذروا ذكر فلسطين، فالهدف إبقاء الأسد بدعوى محاربة الإرهابيين الإسلاميين فحسب، وهؤلاء هم كل السوريين المعارضين".

وسيضيف: "إلى حين جعل سوريا آمنة للأقليات فقط، بل ولأجل هذا الهدف، لا بد من استغلال قضية اللاجئين السوريين للضغط على الغرب خصوصاً للقيام بدوره؛ بفتح أبوابه لهم. فهؤلاء اللاجئون في معظمهم من الأغلبية التي لا بد من موازنتها بالتهجير والتوطين في أماكن قصية ما أمكن، ليتم استبدالهم بشيعة إيرانيين وأفغان وهنود وباكستانيين".

لا يكاد يعكر مزاج الاحتفال بموت إيلان إلا سؤال من ساذج: "لكن ماذا لو ظهرت جثة طفل سوري آخر على أحد الشواطئ، تماما كجثة إيلان، لكن الطفل القتيل الجديد لم يكن ابن أقلية، وكان فارا وذويه من الموت الذي تنشره "المقاومة والممانعة؟".

ينفجر الحاضرون ضحكا؛ ويوضح الأذكى، وهو محق: "لا تقلق، سيكون العالم عندها قد اعتاد الأمر؛ تماماً كما اعتاد الصور اليومية للأطفال القتلى بالغاز والبراميل المتفجرة والصواريخ".

(عن صحيفة الغد الأردنية، 5 أيلول/ سبتمبر 2015)