مقالات مختارة

شيعة السِّيستاني وشيعة خامنئي

1300x600
أختلف مع مَن يُطبق، في ما يكتب، أمور السِّياسة على المذهب والدِّين، وفق ولاء المراجع الدِّينية ومَن يقلدونهم من الناس، فهذا لا يفرق بين شيعي أو سُني أو صوفي يرتبط تقليده الفقهي أو العقائدي أو الطَّرائقي خارج الحدود، وحزب سياسي مرجعيته خارج الحدود أيضا. نجد الإسلام السِّياسي وحده لا يميز بين الوطنية على أساس السياسة والأُممية على أساس المذهب، فصارت أفكار المودودي (ت1979) الهندي أساسا في ثقافة «الإخوان المسلمين» المصريين، حتى ظهرت مستنسخة عند قطب (أعدم 1966)، والحال نفسها بالنسبة لتوجهات آية الله الخميني (ت1989)، صارت مرتكزا في فكر الإسلام السياسي الشيعي.

ما يخص عبور المذهب حدود القوميات والأوطان نأتي بمثل سطوة الشيخ جعفر الكبير (ت1812)، جد آل كاشف الغطاء، على ملوك إيران وتوسع تقليده هناك، وهو العربي من عشائر الحِلة (انظر: العبقات العنبرية في طبقات الجعفرية)، وكذلك الحال مع تلميذه الشيخ العربي أحمد زين الدين الأحسائي (ت1826) وحضوره بإيران، مؤسس الجماعة المعروفة بالشيخية من الإمامية، وانتشرت أفكاره وما زالت عن طريق علماء إيرانيين (انظر: الأحسائي، رسائل الحكمة). هذا، ولم يكن السيد أحمد جد الخميني (ت1989) المباشر إلا هنديا، وكان يُعرف بأحمد الهندي، نزح من كشمير إلى النجف، وطلبه جماعة من خمين إيران ليقيم بين ظهرانيهم (هويدي، إيران من الداخل، عن آية الله مرتضى المعروف بسنديده شقيق الخميني).

لم يكن الشيعة شاذين عن بقية المذاهب، في عبور القومية والوطنية عند التقليد الفقهي. لكنَّ مع محاولات إخضاع المذهب للسياسة أعطى تصورا معاكسا، فبوجود مَن قدموا أنفسهم مراجع محسوبين على الولي الفقيه مباشرة، وفتحوا مكاتب بالنَّجف، بدعم من السُّلطة المتمثلة بحزب الدعوة الإسلامية لأنهم كانوا من الدعاة، جعل هناك مَن يميز، في شيعة العراق، مصطلحا جديدا بعنوان «شيعة خامنئي»، أي الذين يقلدون هؤلاء المراجع، كمحمد كاظم الحائري ومحمود الشَّاهرودي (عضو مجمع تشخيص مصلحة النظام بإيران)، فعادة يحتكم هؤلاء ومقلدوهم بولي الأمر، وولي الأمر رئيس دولة أجنبية.

مقابل هؤلاء ومقلديهم، وهم عادة من وسط الإسلام السياسي، يمكن فرز ما يُسمَّى مجازا بشيعة السِّيستاني، نسبة إلى آية الله السيد علي السِّيستاني، أبرز المراجع غير السياسيين بالنَّجف، يمثل مدرسة النَّجف مقابل ولاية الفقيه. غير أن بعض الكُتاب والباحثين لا يميز بين قومية وتحدر السِّيستاني ومرجعيته الدِّينية، التي هي امتداد للمرجعية النَّجفية، التي كان آية الله السَّيد أبو القاسم الخوئي (ت1992) زعيمها، وبالاتجاه نفسه.

ما يحدث اليوم، في واقع الأمر، بين سياسيين يتبعون مراجع دين هم بدورهم تابعون إلى مرجعية الخامنئي، مرشد الدَّولة الإسلامية، وبين شيعة يقلدون المرجع السِّيستاني (إيراني) والمراجع الثلاثة الآخرين: آيات الله: إسحاق فياض (أفغاني) وبشير النَّجفي (باكستاني) ومحمد سعيد الحكيم (عراقي)، إلا أن هؤلاء الأربعة لا يخلطون بين السياسة والدين، وإذا حصل تدخل فهذا ما تفرضه الحال، ولم يظهروا دعما لتنظيم حزبي خارج الحدود، وليس لديهم نشاط سياسي بقدر ما تأتي تأكيداتهم على ما يفرضه الوضع من تدخل لصالح مقلديهم، وبما أن صالح المقلدين يتفرع من صالح العراق، نجدهم يتحدثون عن الشعب العراقي.

إن ما حصل تجاه الأزمة السُّورية، والاندفاع للدفاع عن نظام الأسد، لا يخص شيعة السِّيستاني بقدر ما يخص شيعة خامنئي السِّياسيين، فقد دعت إليه مليشيات تأتمر بمرجعها سياسيا، سواء كان مباشرة أو عن مراجع فروع له داخل العراق. لقد اتضح الفارق بين موقف السِّيستاني ومقلديه وموقف خامنئي ومقلديه، خلال التظاهرات التي عمت بغداد، والمحافظات ذات الأغلبية الشِّيعية.

ففي الوقت الذي أعلنت مرجعية السِّيستاني تأييد التظاهرات والإصلاحات والتحقيق في قضية الموصل، أعلنت مرجعية خامنئي، ضمنا، موقفا مضادا، لأنها موجهة ضد شيعتها السياسيين، فهم لم يطرقوا باب السِّيستاني بالنَّجف، إنما طرقوا باب خامنئي بطهران.

لذا على الذين يتناولون الشَّأن العراقي، الشِّيعي بالذات، التمييز بين شيعة تطالب بحقوقها المعاشية ووقف الاستهتار بثروات الدولة وسلطتها، وشيعة حزبية أظهرت غضبها من تلك المطالبات ولاذت بالولي الفقيه، ومَن يريد التمييز بين الشِّيعتين عليه النَّظر في الشّعارات المرفوعة في الاحتجاجات، فلا وجود للطائفية فيها، وهذا ما يفرق بين الشيعتين، بغض النَّظر عن قومية أو أُصول المراجع، لأن مرجع الفقه لا يتخطى الحدود الوطنية في مركب السياسة، بينما مرجع السِّياسة يرى نفسه سلطانا أينما وجد مقلدين وأحزابا تابعة. فيمكن التَّمييز، ولو كان مجازا، بين شيعة السِّيستاني وهم سواد شيعة العراق، وشيعة خامنئي وهم الأحزاب والمليشيات.



(نقلا عن صحيفة الاتحاد الإماراتية)