بورتريه

الابن الضال.. لن يعيش طويلا في جلباب دمشق وطهران (بورتريه)

بري الوجه الناعم لـ"حزب الله" أو الجانب العلماني في "شيعة لبنان" ـ عربي21
دائما ما كان يوصف برجل سوريا في لبنان، يقاتل ويحاصر، نيابة عن دمشق، بداء بالفلسطينيين في حرب المخيمات الدموية بين عامي 1985 و1988، التي اضطر فيها سكان مخيمات لبنان ومن بينها "برج البراجنة" إلى أكل الكلاب والقطط وحتى الفئران، بمشاركة اللواء السادس في الجيش اللبناني و"قوات الكتائب" والجنرال ميشيل عون.

ويقاتل نيابة عن دمشق، في حرب إقليم التفاح الملتهبة مع "حزب الله" في عام 1986، كما أنه يقاتل عنها السنة الخارجين عن خط دمشق بتصفية ما تبقى من حركة الناصريين المستقلين "المرابطون" في العام 1985، بعد هزيمتهم في "حرب المخيمات".

لكن الرجل انتقل إلى الجبهة الأخرى، وإن كان بشكل جزئي، أو بدوام إضافي بعد اندلاع الأحداث في سوريا، فهو لم يقف إلى جانب النظام بالكامل كما فعل "حزب الله"، ومواقفه جميعها كانت من باب "رفع العتب" ورد "زيارة المجاملة".

يقارن كثيرون بينه وبين رئيس الوزراء العراقي الأسبق إياد علاوي، وتحديدا في الموقف من الهيمنة الإيرانية، ولكنّه يجد صعوبة في لعب دور مختلف بشكل كامل عن إيران التي تمول حركته ماليا.. فهو تحالف مع حافظ الأسد ومع بشار الأسد من بعده، ذلك التحالف المقرون بالخوف الذي سرعان ما قاده إلى التورط أكثر في المحور الإيراني. ولكن يحسب له أنه تمكن من حماية موقعه، وموقع حركته في تركيبة لبنانية معقدة وحساسة، وكثيرا ما تفوق على غيره في التكتيك واللعب على جميع الأطراف، لضمان بقائه ضمن دائرة القرار اللبناني.

حتى قيل إنه عاق أو ابن ضال ألقى حجرا في بئر طالما شرب منها الماء وطالما وفرت له الدعم المادي والمعنوي!

ولد نبيه مصطفى بري، لأحد وجهاء بلدة تبنين الجنوبية، في مدينة فريتاون عاصمة سيراليون عام 1938 على غرار العديد من شيعة جنوب لبنان الذين هاجروا إلى أفريقيا وأمريكا وضاحية بيروت الجنوبية، بحثا عن سبل البقاء بعد إنشاء "إسرائيل" عام 1948.

 تلقى علومه الابتدائية والمتوسطة والثانوية متنقلا بين مدارس بلدته تبنين وبنت جبيل والكلية الجعفرية، في صور والمقاصد والحكمة في بيروت.

كان نبيه بري ماهرا في السباحة كما هو الآن، وفي صغره مارس بعض الرياضات، لكنه لم يحترفها مثل "الملاكمة"، وهوي الشعر، ونظم بعضا منه وكان يكرس وقته للقراءة والكتابة وتدوين الخواطر، وكان رجلا طليق اللسان، لاذعا في انتقاده وسخريته.

حصل على شهادة البكالوريوس من كلية الحقوق في الجامعة اللبنانية، ونال إجازة في الحقوق عام 1963، ثم أكمل دراساته العليا في الحقوق في جامعة السوربون في باريس.

منذ شبابه عرف بحماسته، فقاد العديد من النشاطات والتظاهرات الطلابية حين كان رئيسا للاتحاد الوطني للطلبة اللبنانيين، كما أن اسمه لمع خلال ممارسته مهنة المحاماة.

في أواسط الستينيات تعرف المحامي نبيه على الإمام موسى الصدر وسرعان ما نشأت بينهما علاقة ود، حتى بات بري أحد أبرز مساعديه في مجالات عدة خاصة في المجال السياسي.

وساعد الصدر في تحركه ومطالبته بإنشاء "المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى" ثم انتسب إلى "حركة المحرومين" التي أسسها الصدر، وبدأ مشواره مع الصدر.

كان الصدر ينظر إلى بري في ذلك الوقت على أنّه "أحد المفاتيح الأساسية" فكان يكلفه بالمهام الصعبة.

انضم إلى حركة "أفواج المقاومة اللبنانية " التي ستعرف فيما بعد باسمها المختصر "حركة أمل" التي أسسها الصدر عام 1970. 

وحدث ما لم يكن بالحسبان؛ فقد اختفى الصدر أثناء زيارته إلى ليبيا أواخر السبعينيات، فاضطرت "أمل" إلى تسليم رئاستها لبري، ولم تخف الحركة مواقفها المعادية بشكل سافر للرئيس الراحل ياسر عرفات وتفضيلها سوريا في إدارة الساحة اللبنانية.

وبقي بري وفيا لأبرز مبادئ الإمام الصدر ومنها: "إسرائيل شر مطلق" و"على الشيعة الذين جرى تهميشهم لفترة طويلة أن يلعبوا دورا رئيسيا". 

نظم "انتفاضة" شباط/ فبراير عام 1984 ضد الرئيس اللبناني أمين الجميل الموالي حينها للولايات المتحدة، وعمل على إفشال اتفاق 17 أيار بين الحكومة اللبنانية و"إسرائيل".

شغل ابتداء من عام 1984 عدة مناصب وزارية في حكومات رشيد كرامي وسليم الحص وعمر كرامي ورشيد الصلح، وترأس منذ عام 1992 لغاية اليوم لائحة "التنمية والتحرير"التي فازت بجميع أعضائها في الانتخابات النيابية التي جرت في الأعوام: 1992، و1996، و2000، و2005 ،و2009.

أمسك بري برئاسة مجلس النواب منذ عام 1992 وحتى اليوم، بعد تخلي حسين الحسيني عن رئاسة المجلس.

وعمل على تهميش المسيحيين المعادين لسوريا، إضافة إلى أنه شكل إحدى أدوات الضغط على رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري الذي كانت تكن له دمشق مشاعر معادية، ولا تشعر بالارتياح معه بسبب كبر حجمه المالي والدولي. 

يتهمه معارضوه بأنه جمع ثروة مع أعضاء عائلته ومساعديه المقربين على حساب الدولة، وبأنه مارس المحسوبية على نطاق واسع. 

عانى نبيه بري كثيرا في السنوات الأخيرة من تسريبات تصريحاته في الجلسات والاجتماعات السرية، فقد أورد موقع "ويكيليكس" أن "رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري بدا مسرورا لقيام الجيش الإسرائيلي بقصف مواقع حزب الله في العام 2006". 

ونقلت وثيقة سرية نشرها "ويكيليكس" أن بري، أحد حلفاء حزب الله، بدا مسرورا لقيام الجيش الإسرائيلي بقصف مواقع الحزب في عام 2006، واصفا العمليات بأنها "مثل العسل.. قليله مفيد لكن الإكثار منه ضار"..

إلا أن المكتب الإعلامي لرئيس مجلس النواب سارع إلى الرد على هذه الأنباء، وقال في بيان إن "حركة أمل (برئاسة بري) كانت وستبقى شريكا كاملا وأساسيا للمقاومة ولحزب الله تحديدا".

وقد "وصف نبيه بري خطاب للرئيس السوري بشار الأسد بأنه أحمق" وقال إن "بري قايض تجميد المحكمة الدولية بفتح المجلس النيابي وقال إن نصرالله مصاب بهاجس (بارانويا)".

بري يرى نفسه رقما أساسيا وصعبا في المعادلة السياسية في لبنان.

أبدى الكثير من المواقف في سوريا وعن الاتفاق النووي بين إيران والغرب، ودعا إلى الحوار بين السعودية وإيران لحل الأزمة السورية وإلى "طاولة حوار داخلية بين الإخوة السوريين أنفسهم.. إلى "ميني" أو "ميكرو" طائفي سوري أو أي صيغة تضمن الحل السلمي للأزمة".

نبيه بري لم يرث الزعامة من عائلته، هو جنرال سياسي، أو جنرال مدني أفرزته الحرب الأهلية اللبنانية، كما أنها أفرزت غيره مثل سمير جعجع ووليد جنبلاط.

هو "الوجه الناعم" لـ"حزب الله"، أو الجانب العلماني في "شيعة لبنان" النفعي والميكافيلي والجانب الحداثي العلماني في بيئة مقسومة طائفيا وعرقيا ومذهبيا حتى التخمة.

لن يخرج بري من جلباب الطائفة التي وضعته في رئاسة مجلس النواب لخمس دورات حتى الآن، ولن يقوى أبدا على "كسر العظم" أو القطيعة مع طهران ودمشق، فهل تثمر معهما سياسة إمساك العصا من المنتصف ومواصلة الغزل غير الصريح مع السعودية!

في لبنان يستبدل السياسيون عادة بالابتعاد كلية عن المشهد رغما عنهم، أو بالاغتيال، وفي الحالين فإن الخيار بيد الآخرين. وبري قلق وفقا لتصريحات صدرت حديثا من الاغتيال، فطهران ودمشق لن تسمحا بالعيش خارج جلبابهما.