قضايا وآراء

العراق.. بناء النظام الفدرالي وهدم الدولة

1300x600
لبناء أي نظام سياسي في أي بلد من البلدان في العالم، لابد أن ينسجم ذلك النظام مع طبيعة تلك الدولة ومجتمعها، لكي يحقق ذلك النظام القبول والرضا من قِبل أبناء المجتمع، ويحقق الشرعية والاندماج والاستمرارية ويستمد القوة من القوى الاجتماعية والسياسية فيه. 

فإذا لم يحقق ذلك النظام القبول والرضا العام سيعاني ذلك النظام من أزمات شتى مثل الشرعية والاندماج، وربما لن يستمر طويلا.

في العراق، وبعد عام 2003م، أسقط على العراق الموحد نظام سياسي فدرالي لا ينسجم مع واقع وطبيعة الدولة والمجتمع العراقي آنذاك، مع عدم قبوله من قِبل أغلبية التوجهات والقوى السياسية، لإنه فرض على العراق ودون الحاجة إليه أساسا، فهو نظام طبق تاريخيا على الشعوب والدول المفككة ذات المجتمعات المتصارعة فيما بينها. 

من هنا وبعد انفراط عقد الدولة العراقية بعد عام 2003م، تعمدت بعض القوى السياسية والقوى الإقليمية والاحتلال على صياغة أسس وقواعد بنيوية خاطئة لبناء العراق الجديد مثل الدستور الذي يحمل بنودا متناقضة وفضفاضة تحتمل التاويل والتفسير، ولم يرضي جميع الأطراف والذي كان من المفترض أن يكون حجر الأساس لبناء الدولة العراقية الوليدة ونظامها السياسي.

وساهمت القوى السياسية القادمة من الخارج في صياغة عقد اجتماعي جديد بين القوى السياسية والاجتماعية يحمل نظرة مسبقة لمن عليه حكم العراق، واتهام وتَحميل السنة العرب إرث وأعباء وتركة النظام السابق.

ما تحويه هذه الأسس من هشاشة وتناقض (الدستور والعقد الاجتماعي) التي بني العراق عليها جعلت بعض القوى السياسية ومن يدعمها تبني عملية سياسية على أساس موازين القوى القائمة في لحظة انتصار وهيمنة المنتصرين، وهزيمة المهزومين. 

وإن ميزان القوى هذا لا تحكمه إلا القوة ، لذا سعت وعملت القوى وبشكل دائم على تغيير ذلك الميزان لصالحها، وجعلت العراق في حالة من الفوضى الدائمة، وعدم الاستقرار المستمرين مع اتخاذ الطائفية نهجا، والاقصاء والاستهداف سبيلا، لتتمايز المكونات العراقية الرئيسية (الشيعة، السنة، الأكراد) ويزداد الاصطفاف كل إلى مكونه وطائفته.

إن هذه الحالة جعلت الدولة العراقية تنهار والمجتمع يتفكك. وأدت إلى إبراز كل مكون هويته الفرعية بعيدا عن الهوية الوطنية العراقية الجامعة، لذا فتلك القوى بنت النظام الفدرالي العراقي ورسخته مجتمعيا وجعلته مقبولا لدى العراقيين والحالة السياسية والاجتماعية فيه، ومقبولا لدى القوى داخل وخارج العملية السياسية، يحقق رضاها، للتخلص من حالة عدم الاستقرار والفوضى المستمرة، ولكن على حساب الدولة الوطنية الموحدة. 

فإذا أراد العراقيون اليوم بناء الدولة العراقية بعد تثبيت أسس النظام الفدرالي في المجتمع، لابد من صياغة عقد اجتماعي جديد يكتبه العراقيون فيما بينهم، يحدد وينظم العلاقة بينهم بشكل واضح، وبناء دستور جديد يجيب على التساؤلات ويحل المشكلات، لا أن يعقدها.