مقالات مختارة

لأجل ماذا يموت الأبناء الأكراد؟

1300x600
كتب كمال أوزتورك: يجب أن يكون هناك ظلم كبير قد وقع، ومشكلة معقدة جدا تسبّبت بأن يقوم الأكراد بإرسال أبنائهم إلى الموت مرة أخرى، أليس كذلك؟

حلم الدولة الكردية

حين تعرّفت على الابن الكردي الملقب "هوكير Hogir" في مخيم "زاب Zap" التابع لحزب العمال الكردستاني كان في الرابعة عشر من عمره وكان هذا في عام 1996، وفي ذلك التاريخ كان مجرد لفظ كلمة "كردي" ممنوع.

وكان أبناء الأكراد الذين لا يستطيعون التحدث بلغتهم الأم يعتبرون مجرمين. فمات Hogir والكثير من الأطفال مثله لأجل حلم الدولة الكردية التي يريدون من خلالها التحدث بلغتهم الأم بحريّة. آلاف الأطفال فقدوا حياتهم لأجل ذلك، ثم تغيّر كل شيء، وحصل أبناء الأكراد على حقوق أكثر من مجرد التحدث بلغتهم. كالمدارس الخاصة بهم، والقنوات الناطقة بالكردية والصحف والأسماء الكردية والكثير مثل ذلك.

ثم أعلن أوجلان أنهم يرغبون بالتعايش مع الأتراك وأن الصراع المسلّح قد انتهى. ومنذ ذلك اليوم فهم الجميع أنهم لن يصارعوا بعد ذلك لأجل اقتطاع جزء من الأرض وإنشاء دولة كردية مستقلة. أي أن حلم الدولة الكردية الذي كانوا يموتون لأجله قد انتهى حينها.

منذ ذلك اليوم صمتت الأسلحة واتّجه الجميع نحو الديمقراطية وزادت حريات الأكراد.

لماذا مات الشاب الكردي في دوغوبيازيت؟

لكن لماذا قام شاب كردي بوضع قنبلة في إحدى الشاحنات وتفجير شارع في دوغوبيازيت أمس؟ لأجل ماذا قام هذا الشاب بقتل رجال الأمن والمدنيين أمام أعين عائلته في منتصف الشارع؟ لقد تحدثت مع مسؤولي حزب الشعوب الديمقراطي القديمين والجديدين وسألتهم: ما الذي لم تفعله حكومة حزب العدالة والتنمية وتسبّب بعودة الصراع المسلح من جديد؟ فيجب أن يكون السبب الذي يجعل شابا يضحّي بحياته لأجله مهما وخطيرا جدا، أليس كذلك؟

لقد قرأت جميع بيانات قادة حزبي الشعوب الديمقراطي والعمال الكردستاني وبحثت عن أجوبة هذه الأسئلة بين سطورها، ولكنني لم أجد سببا مقنعا أو مشكلة كبيرة تستحق القتل والموت لأجلها.

يقول بعض نواب حزب الشعوب الديمقراطي: "في الحقيقة لم يَعُد هناك الكثير، بقيت بضع مشاكل ينبغي تجاوزها فقط".. ألا وهي التعليم باللغة الكردية ونظام المحافظات وموضوع العفو...

هل من مشكلات أخرى؟ صدقوا أنهم لم يعثروا على مشاكل أخرى ليذكروها.

فبعد أن أُعطيت كل هذه الحقوق واتجه الجميع نحو الديمقراطية والحرية،ألم تكن باقي المشاكل ستحل بنفس الطريقة؟ يقول نائب لحزب الشعوب الديمقراطي في البرلمان: "نعم".

إذن، فلماذا يموت الناس؟ أيعقل أن يموت شاب لأنه يطالب بتقوية نظام المحافظات والترخيص بالتعليم باللغة الكردية فقط؟ أيعقل أن يُقتل رجال الأمن الشباب لأجل قضايا كهذه؟ هل المشكلة في خارج تركيا وليس في داخلها؟

إذا أُغلقت الطُرق في طلب الحقوق، ولم يعد أمام الإنسان أي طريق يسلكه فإنه يختار الموت ويضحي بحياته. فهل الطريق السياسي لبحث الشباب الأكراد عن حقوقهم مفتوح؟ لقد أصبح عدد نواب حزب الشعوب الديمقراطي 80 بعد أن كانوا 20، فهل بإمكانهم أن يجتهدوا أكثر ويصلوا إلى 180 و 280؟
 
يجيب أحد مسؤولي الحزب: "نعم، بإمكاننا فعل ذلك". فبما أن الطرق لم تغلق أمامهم فلأجل ماذا يُقتل هؤلاء الشباب ويَقتلون؟

يجيب أحد النواب السابقين لحزب الشعوب الديمقراطي: "نحن أيضا لدينا بعض الأخطاء ولم نتمكّن من استخدام السياسة في طريق السلام بشكل صحيح".

إذن، فالمشكلة ليست في داخل تركيا بل في مكان آخر وهناك هدف آخر للقتل والموت. يقول أحد نواب حزب العدالة والتنمية الذي بدأ مسيرة السلام: "ترى، هل مشروع الهلال الكردي في شمال سوريا هو الذي أعاد الحلم للأكراد وجعلهم يفكرون بـ(لماذا نترك السلاح؟ ولننشئ دولتنا الخاصة بنا)".

ويقول أحد نواب حزب الشعوب الديمقراطي السابقين: "هل حسبتم مدى تأثير الدول الخارجية على حزب العمال الكردستاني لأجل مصالحها الخاصة؟".

اسألوا سؤال الأمهات

إن كانت الأمهات التركيات يكتبن قصائد الرثاء في أبناء الأكراد القتلى وإن كانت الأمهات الكرديات يقلن: "لا تأخذوا أبنائي إلى الجبل"؛ فهذا يعني أنه ليست هناك مشكلة بين الشعب وأن هؤلاء الأبناء يموتون لأجل هدف وحلم آخر.

ودون صراخ وبكل هدوء اسألوا هذا السؤال الذي يدور في أذهان الأمهات: "لماذا يموت أولادي؟ ولأجل ماذا يَقتلون أبناء أمهات أخريات؟".

ثقوا بأنه لا أحد سيتمكّن من إعطائكم جوابا مقنعا لهذا السؤال.

(عن صحيفة "يني شفق" التركية، ترجمة وتحرير تركيا بوست، خاص لـ"عربي21")