قضايا وآراء

اللهو الخفي السوري

1300x600
كأنها أقسمت قائلة: "تاللّه لأكيدن أصنامكم بعد أن تولوا مدبرين".

لم ينتهِ بعد مسلسل وسام الحرة، الإذاعي، لم ينته أطول مسلسل كوميدي سوري وعربي، متواصل من حوالي 2000 حلقة! وهو مسلسل يحتاج إلى دراسة سياسية وتحليل اجتماعي، اختار له معجبوه عنوانا، في بحار الـ"يوتيوب"، هو: "اتصالات الحرة وسام ضد شبيحة النظام"، لكل حلقة حوالي نصف مليون إعجاب، وأحيانا مليون، ولو تبنت إحدى الفضائيات هذه الحلقات مع بعض الصور الكاريكاتورية والكرتون والانيمشن والمونتاج والموسيقى التصويرية، لصارت منافسة لـ"يوتيوب" المصري، الذي يصل عدد معجبيه إلى مليونين، مع ملاحظة الفارق بين  شعبي مصر وسورية من  حيث السكان، وأن "اللهو الخفي السوري" يعمل وحده.

عندما غزت أمريكا العراق أصدر قادة الغزو "شدة" أو "كوتشينة" عليها صور حكام العراق المطلوبين، أما وسام فهي ضحية غزو انقلاب الثامن من آذار، وإذا كان لها "شدة" كوتشينة، فستكون من ألفي ورقة، عليها صور نخبة المجتمع السوري "السلطاني" من فنانين ومطربين ورجال دين ودنيا، صفقوا وطبلوا لسيد البراميل والألغام البحرية، أما العقوبة التي أنزلتها بهم فهي تعريضهم للأشعة السينية.

وسام الحرة اسمها الفني، أما اسمها فهو، ميسون بيرقدار، وهي ابنة شام السيف والياسمين، هاجرت إلى ألمانيا في أوائل التسعينيات، وذكرت في مقابلة قديمة، وربما يتيمة، أنها هاجرت عروسا إلى ألمانيا، وأن سؤالا ديكارتيا خالجها، وهو: لماذا تحتل صور الرئيس الديمقراطي المنتخب الخالد الفضاء العام المنهوب!

هي إحدى شخصيات الثورة السورية البارزات، مثلها مثل فيصل قاسم، وماهر شرف الدين، بل لعلها تختلف عنهم أنها بدأت من الصفر مثل هادي العبد الله ... يمكنها أن تذكّرنا بالتراث السردي العربي، بحروب دليلة ومكائد الزيبق، والزيبق هنا هو النظام، وهو ألف زيبق وزيبق، وقد تذكّر بالشفاء بنت عبد الله التي تروي كتب التاريخ، أن عمرا ولّاها شيئا من أمر السوق والحسبة، وربما سيكون ظلما لها إذا شبهناها بباسم يوسف، الذي كان يعمل حسب الطلب، وفي خدمته ملايين الدولارات، وفريق مؤلف من كتائب إعلامية وصحفية، وأقوى الفضائيات، وأرفع الأجور، أو قد تذكّر بالفارسة المصرية، بنت النيل، آيات عرابي .. وربما تذكر بشخصيات من التراث الغربي مثل أرسين لوبين، أو روبين هود، أو زورو المقنع ... وهم أبطال غربيون ولصوص "ظرفاء"، كانوا يسرقون الأغنياء، ولعلهم صورٌ من أصل هو روبنسون كروز، فالبطل الغربي الرمز غالبا لصٌ شريفٌ، ولا يكون بطلا إلا بالمال ومن خلاله.  وسام لا تسرق أحدا، لعلها  تغش النجم الفني أو السياسي، ثم تضعه وجه لوجه أمام حقيقته، الحرب خدعة. 

وجه الشبه هنا أن ضحاياها من أصحاب النفوذ والأسنان والأنياب والشهرة.. استطاعت هذه الخنساء تعريتهم، و"الدعس على رقابهم"، وجعلت دواليبهم على الأرض، وهناك سرٌ لا يعرفه أحد أن ميسون لها فضائل وبطولات ثورية ميدانية وإعلامية وإخبارية، قد تفضي بها يوما على برامج تلفزيونية مثل برنامج بلا حدود أو غيره.. وأنها على غيرتها الشديدة على شعبها الشهيد الشريد، لم تغفل عن مصر لحظة واحدة، فهو الإقليم الجنوبي، ولها كمائن ومعارك عدة اصطادت فيها شخصيات مصرية مثل علي جمعة وعمرو أديب ووائل الإبراشي، وجعلتهم يستجمرون كالنساء. 

وسام، بطلةٌ سوريا في المنفى، ورمزٌ سوريٌ لم يصدر باسمه طابع، ولم يمنح وساما ولا جائزة، والأوسمة تمنحها الشعوب آجلا،  الحوارات التي أجرتها ذكية، وتنم عن موهبة في المبارزة بالكلمات، وإتقان اللهجات، ونصب المصائد لنجوم وفنانين منحهم الشعب قلبه، فردوا عليه بمباركة القتل والاتهام بالمؤامرة، وهي حوارات (+ 18)، فهي غالبا تنتهي بغليظ القول، وكان أغلظ الأقوال والكلمات شتائم دريد لحام لها بعد وقوع غوار الطوشي الذي دوخ حارة "كل من إيدو إلو" في كمينها، وتبيّن لنا أنه "تكميل" بعض حواراتها مكشوفة، يعني أنها "اتجاه معاكس" حر، بين شبيح ثقافي أو فني أو سياسي، ومواطنة سورية.

وسام تعمل ربة بيت، وأسرتها مكونة من عشرين مليون نسمة، أكثر أو أقل قليلا، ساعدها في نجاحها في أغرب مسلسلات الفضح "التسلسلي" المعنوي، أنها أنثى، و"إن كيدهن عظيم"، وهو كيد حميد، فالحرب خدعة كما سبق القول، وهي تقول أنها لم تر ذكيا بين خصومها من رجال النظام وحريمه، فالجميع أغبياء، لكن أغبى مسؤول خاطبته، هو  مندوب النظام في الأمم المتحدة، الذي أكل خمس مقالب على غفلة! 
 
إنها بنت الشام، فتاة غسان أو فتاة عثمان، من ملة إبراهيم عليه السلام، الذي كان يهوى عبادة ربه وتكسير الأصنام، ثم يعلق فأسه في رقبة الصنم الكبير : " قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِن كَانُوا يَنطِقُونَ".

"مبارزات وسام مع اللئام" تجعلك تحبس الأنفاس، فهي تقسو أو تحنو حسب الهدف والحال، مثال ذلك موقفها من أجوبة الموسيقار أبو الزوز، الذي رأفت به وتركته في حال سبيله، وقالت له "أذهب أنت حر"، وهي تتمتع ببداهة سياسية، رائدة، حواراتها تستعمل لغرضين، هما  إغاظة العدو وشفاء الصديق،  وهي وثائق مبثوثة في الـ"يوتيوب" يمكن الرجوع  إليها واستخدامها في المحاكم الدولية أو الوطنية  الأخلاقية لاحقا. استطاع بعض الخصوم كشفها، مثل مفتي حلب، فهو من القلائل الذين نجوا من الوقوع في الحفرة نفسها مرتين، وإن كانت حجته باهتة، وخشبية، فجعلته جذاذا، يبدو أنّ النظام حذرهم منها، ووبخ كثيرا من نخبته على وقوعهم في شراكها..

استثنت حتى الآن الاتصال بكبيرهم: "لعلهم إليه يرجعون"؟! لا أعتقد أنها  أوقعت أدباء، وكتابا وصحافيين، أحدهم رئيس تحرير صحيفة عربية معروفة، لكني تمنيت لو أنها اتصلت بشخصية هي قرة عين لي وللسوريين، ومرهم، و"ناهي"، لكني سمعت أن إحدى الحلقات القادمة ستكون مع الأمين القطري المساعد حسين باراك أوباما الذي قيل أنه درب السوريين خمسين سوريا على حرب الخليفة البغدادي الذي ستحاربه أمريكا ثلاثين سنة على الأقل!. أما الحلقة المنتظرة فستكون مع شخصية لطيفة جدا، وستكون للذكرى..

الحلقة المنتظرة ستكون عبرة لمن اعتبر، وقصة تكتب بالإبر، على آماق البصر. فانتظروا أني معكم من  المنتظرين.