قضايا وآراء

اتفاق النووي يضع إيران تحت الوصاية

1300x600
أميل إلى توصيف الاتفاق النووي الإيراني أنه اتفاقٌ وضع إيران بموجبه تحت الوصاية، بغض النظر عن التوصيف الإيراني له، وأما الابتهاج الشكلي وطريقة الاحتفال الذي استقبلتنا به طهران، فهو في نهاية المطاف مجرد اتفاق مع – دول عظمى- لها مصالحها التي لا تستطيع وضعها بين يدي دولة هاجسها الحرب.

 ولعل قادم الأيام سيكشف لنا أن النووي الإيراني لم يكن يختلف كثيرا عن الاتفاق بين الدول الكبرى والعراق في السابق، الذي كان اسمه – النفط مقابل الغذاء- ولكن الأيام اثبتت أن الاتفاق كان يعني – النفط مقابل البقاء- للنظام ومن معه، فليست مهمة قضية التسمية لدى الغرب، وإنما النتيجة، ونتائج الأيام القادمة تقول إن الاتفاق وضع إيران تحت الوصاية الكاملة، تماما مع احتفاظ إيران بشعاراتها التاريخية، التي على رأسها الموت للشيطان الأكبر.

مفهوم الشراكة الذي تتوهم به إيران مع الدول الغربية هو مفهوم ارتجالي غير واقعي، فالاتفاق عمليا على المستوى الداخلي، لا يساوي قيمة الحبر الذي كُتب به؛ لأنه لا يحل الأزمة الاقتصادية، وعودة بعض المليارات إلى إيران لا تكفي لترميم صناعة النفط فقط، التي تحتاج 300 مليار دولار لتستطيع مواكبة السوق الآن، وهي الصناعة التي ستلبي حاجات الدول الغربية، وبالتالي ما دفعته إيران في أثناء العقوبات خلال السنوات الماضية، هو ثمن أكبر بكثير من المبالغ المالية التي ستصل إليها، وهو عمليا يفتح إيران بلا منازع أمام الدول الكبرى، ويضع إيران تحت وصاية طويلة الأمد، تعني للدول الغربية استمرار الرقابة الصارمة على كل صغيرة وكبيرة، وتعني لها استمرار الحركة الاقتصادية الإيرانية وسط رقابة شاملة وصارمة، وهذه وحدها ستعمل على تحويل الاقتصاد الإيراني إلى اقتصاد مرتبط كليا في فترة وجيزة، وعاجز تماما عن صناعة أي حراك اقتصادي قد يزعج الدول الكبرى.

بالنتيجة فالقيود الاقتصادية هي قيود سياسية، وخلال السنوات القليلة القادمة، ستكون السياسة الإيرانية تمشي تماما وفق العقلية والمصلحة الأمريكية، ولا مجال هنا لقيام إيران بالمساس بأمن الخليج، الذي هو أمن الاقتصاد العالمي، فليس لدى إيران ما تقدمه للغرب بديلا عن الخليج العربي، وليس صحيحا ما يتم تداوله عبر وسائل إعلام عربية تتخيل هيمنة إيرانية قادمة على المنطقة.

الأمريكان وعموم الغرب هم عمليا على الأرض يتعاملون مع دولة لها طموحات تؤثر عليهم، لذلك هم لا يمكن لهم أن يمنحوا إيران الهيمنة على مصالحهم الواضحة والمعلومة لهم في دول المنطقة، حتى لو كانت إيران ستعترف بإسرائيل وتتفاوض معها بكل شيء، فهي دولة تميل إلى العقل الامبراطوري، وتميل إلى التمدد، وهذا وحده كاف ليجعل إيران تحت سقف المصلحة الغربية المعلومة، وليس نقطة بدء في تجارب مجهولة.

عمليا، نرى أن إيران استبقت الاتفاق النووي بوقف مساعداتها العسكرية عن الفصائل المقاتلة في غزة، وعملت تحت مظلة التحالف الدولي في تكريت والرمادي وغيرها، كل هذا يشير إلى مسألة واضحة أن القوة العسكرية الإيرانية هي في نهاية المطاف قيد التوظيف، ولن تكون قوة شاذة عن المصلحة السياسية للدول الكبرى، ولن تخرج في نهاية المطاف عن جغرافيا محددة، من فوقها تسير الطائرات الغربية، وهي بالأسفل تؤدي دورا معلوما فقط.

لا قلق من مستقبل إيران على المنطقة العربية، لا قلق أبدا، وعندما تنضج الرؤية العربية والدولية لحلول الأزمة السورية، سيرى الجميع أن إيران لا تملك قرارا هناك.