مقالات مختارة

لن يبقى لأمريكا صاحب

1300x600
من المضحك أن يأتي الإجهاز المعنوي على "الفرقة 30" السورية التي دربتها واشنطن لمحاربة "داعش"، على يد الخصم الألد لهذا التنظيم المتطرف، "جبهة النصرة". فجماعة أبي محمد الجولاني كان يمكنها استيعاب هذه المجموعة الصغيرة التي بالكاد تشكل نقطة في بحر المتحاربين السوريين، ولا يحسب لها حساب في مقاييس الجنون الضارب أطنابه في بلاد الشام. 

فلو تجاهلتها لكانت تجنبت استدراج الأمريكيين إلى شن غارات عليها وقت تسعى هذه الجبهة إلى تحسين صورتها المشوهة بأصولها "القاعدية" في بازار المزايدات الجارية، بحثا عن معارضة سورية معتدلة، لتسويقها في أي تسوية محتملة. 

لكن رسالة "النصرة" وصلت إلى من يعنيهم الأمر، أي عموم المعارضة السورية التي طفح كيلها بالأمريكيين، وتذبذب مواقفهم في قضيتها. لا أحد في سوريا اليوم بات يصدق أمريكا. ويكسب كل من يصرخ في وجوه الأمريكيين ويتحداهم.

حتى الأكراد في سوريا صدقوا أنهم شأن إخوتهم في كردستان العراق، فتيان أمريكا المدللون، وتصرفوا على هذا الأساس، آملين في قيام كيانهم الموعود من الجزيرة إلى عفرين... إلى أن صعقتهم صدمة التدخل التركي برضا أمريكي؛ فصارت المنطقة الآمنة التي تتطلع إليها أنقرة في شمال سوريا، لا منطقة خالية من "داعش"، بل من وجودهم ومن وحدات حمايتهم. وواشنطن في سرها تضحك عليهم وعلى طموحاتهم وعلى الفخ الذي أسقط الأتراك أنفسهم فيه.

أما النظام في دمشق، فظن أن الحرب على "داعش" رافد سيصب في نهر ما يقول إنها حربه على الإرهاب. وإذ بهذه الحرب الأمريكية تعزز وجود "داعش" في سوريا والعراق، ويصير هو ليس فقط بين نارين، بل أيضا ورقة ابتزاز في جعبة الأصدقاء على طاولة المفاوضات في مواجهة من يفترض أنهم أعداء.

هكذا في كل المنطقة لا أحد يعرف من هو صديق الأمريكي. تخوض واشنطن "حوارا استراتيجيا" مع مصر، وتواصل في الوقت ذاته مغازلة "الإخوان"، لتثير ارتياب الطرفين معا. تفاوض عدوتها ايران، فتثير غضب حليفتها الأقرب السعودية التي ترمي نفسها في أحضان "الملحدين" روسيا والصين، لئلا تجد نفسها مقطوعة من شجرة، بينما طهران تظل تهتف "الموت لأمريكا"؛ كي لا تخسر صدقيتها "الثورية"، وخشية أن تخذلها واشنطن عند أول مفترق كما اعتادت أن تفعل. 

حتى إسرائيل ذاتها ليست راضية عن البيت الأبيض، ولا تزال تشعر بخيانة العاشق للمعشوق، وكل الهدايا التي أغدقت عليها بعد الاتفاق النووي لم تعد الهيام بينهما إلى سابق عهده.

من الآن، والى حين خروج أوباما من البيت الأبيض، قد لا يبقى لواشنطن صاحب واحد في المنطقة، فهل هذه هي السياسة أم إنه عمى الغرور والتكبر؟



(نقلا عن صحيفة النهار اللبنانية)