كتب

أزمة التنظيمات الإسلامية أم أزمة الإنسان العربي؟

غلاف الكتاب لـ د. جاسم سلطان - عربي21
بجسارة غير معهودة في الأوساط الإسلامية، يتصدى هذا الكتاب لتحليل ودراسة نظام الأفكار المنتج لجماعة الإخوان المسلمين أكبر الجماعات الإسلامية وأوسعها انتشارا، وبشكل مباشر يقرر أن "التصور الذي رسمه حسن البنا (المؤسس) لا يمكن أن يقود إلاّ إلى الحالة التي تعانيها الحالة الإسلامية التنظيمية اليوم، بإيجابياتها وسلبياتها..". 

مؤلف كتاب "أزمة التنظيمات الإسلامية.. الإخوان نموذجا" الدكتور جاسم سلطان، قيادي إخواني سابق، "كان من المجموعة التي أخذت قرار حل التنظيم في قطر بعد مراجعات وتفكر طويل امتد سنين، وكان عضوا في التنظيم الدولي للجماعة، واحتك بقيادة العمل الإسلامي في العالم كله..
مختص في التخطيط الاستراتيجي، ومشروعه الذي بعمل عليه حاليا هو نهضة الأمة".

تقوم فكرة الكتاب المركزية على أن أزمة الإخوان المسلمين التنظيمية حاليا نتاج طبيعي لنظام الأفكار "المعيقة" الذي انبثق منه مشروع الإخوان السياسي والفكري والدعوي، والذي لا يمكن أن يكون نتاجه إلا كذلك، فتلك المقدمات تفضي إلى النتائج الواقعة والمشاهدة. 

 أفرد المؤلف الفصل الأول للحديث عن الأفكار المربكة والمعيقة في مستواها العام تحت عنوان: "تحديات أمام الفكر الإسلامي.. قضايا السطح"، وغاص في الفصل الثاني في أعماق الأفكار المعيقة الثاوية في بنية التنظيمات الإسلامية، مركزا على الإخوان كنموذج، ثم خصص الحديث لتشريح تلك الأفكار بشكل معمق وتفصيلي في فكر المؤسسين (البنا وقطب). 

جملة الأفكار المربكة والمعيقة

يتساءل المؤلف في مقدماته عن الأسباب الكامنة وراء وصول الحالة الإسلامية الحركية إلى الطريق المسدود المرة بعد الأخرى، لافتا إلى أن من الناس من "يسأل: ما وجه الإشكال في أفكار هذه الحركات، ولماذا لا تنجح؟ الجواب كما يراه مؤلف الكتاب يكمن في البنية الفكرية لتلك الحركات، لذا فهو يعد قارئ كتابه بأنه سيسلط الضوء "على أهم الإشكالات في فكر الحركات الإسلامية التي تحول بينها وبين أن تكون رافعة اجتماعية للتقدم..".

اعتبر المؤلف تلك الإشكالات "أحجار عثرة في طريق تقدم الأمة والتي إن لم نجد لها حلا، فالمخرج مما نحن فيه سيكون صعبا.. وحتى يقوم بتفكيك تلك الإشكالات تسلسل في تحليلها ودراستها "فدراسة الأفكار العامة والمقولات المنتشرة على السطح، ستقودنا إلى تلك البنى التنظيمية التي تتحرك بهذه الأفكار والتنظيمات، وأفكارها ستقودنا إلى مؤسسيها أو رجل الأيديولوجيا".
  
في مستوى الأفكار العامة والمقولات المنتشرة على السطح، تناول الكتاب بالتحليل جملة من الأفكار السائدة، التي تشكل موانع تقعد بالحركات الإسلامية عن بلوغ ما تصبو إلى تحقيقه، فظاهرة (التشظي) التي أوجدت حواجز بين "الإسلاميين والمسلمين"، والتي أفضت إلى انزواء فكرة المسلم في مقابل الإسلامي.

 ثم توسعت دوائر "ظاهرة التشظي"، لتطال الحالة الإسلامية برمتها، إذ "لم يعد يكفي أن يكون الإنسان إسلاميا ليتم التعامل معه، بل مطلوب منه أن يحدد أهو إخواني أم تبليغي أم سلفي أم صوفي أم جهادي أم تحريري؟ فالأخويات الخاصة أصبحت هي أساس العلاقة الطبيعية وليس مطلق الشهادتين، والسؤال الكبير  الذي تحتاج الأمة إلى أن تقف أمامه طويلا هو: كيف يمكن أن نستعيد الإسلام ويصبح عندنا تصور واحد للفظ "المسلم" ويصبح كافيا في التعريف، وكافيا لنيل حقوق الأخوة العقدية؟ تلك هي أولى المعضلات وأقساها وأصعبها" وفقا لمؤلف الكتاب.

ترواحت تلك الأفكار المعيقة بين العناوين التالية: قصور فهم الإسلاميين لموضوع الاختلاف، لا يوجد نظام إسلامي شامل (ناجز) وإنما منظور شامل، التحرر من فكرة "التمكن من المجتمع" إلى فضاء تمكين المجتمع وتطويره، مهمة الدين البلاغ وليست السيطرة، الحرص على هداية العالم وليس هلاكه، سؤال الدولة وعلاقتها بالدين، الخلافة بين المخيال والواقع.

 التنظيمات الإسلامية وأفكارها

لماذا بدأ الكتاب بتحليل الأفكار المعيقة ودراستها، وأجّل الحديث عن فكرة التنظيم الإسلامي؟ وفقا للمؤلف فإن ذلك يرجع إلى أن "الأفكار المعيقة نتاج الفكر التنظيمي في الغالب وهي أدواته لعمليات الاستقطاب والبحث عن الأنصار"، مؤكدا أن التنظيمات الإسلامية تنافح بشدة عن الأفكار السابقة.

سعى المؤلف في الفصل الثاني من كتابه إلى استكشاف دور التنظيمات الإسلامية بجملة أفكارها المعيقة: هل كان يصب في دائرة تقدم الأمة أم تخلفها، وهل استطاعت تلك التنظيمات تقديم حلول ناجعة أم كانت جزءا من المشكل القائم؟

لا يصعب على قارئ الكتاب الوصول إلى نتيجة مفادها أن وجود التنظيمات الإسلامية بحمولتها الفكرية "المربكة والمعيقة" ساهمت في تعميق حالة تخلف الأمة، لأنها جزء من المشكل وليس حلا له، فأفكار الكتاب تتابع، ومعالجاته تتضافر لإثبات ذلك، والعنوان الأبرز في ذلك كله، فشل شعار "الإسلام هو الحل" لأنه يقوم على أمنيات حالمة، حينما تصطدم بالواقع ومشكلاته وعقباته، يظهر إفلاس وعجز النظم الإسلامية "المدعاة" عن الإجابة على "أسئلة الواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي والمحلي والدولي والأخلاقي..".

ويهتم المؤلف في معالجاته بإبراز خلو وفاض التنظيمات الإسلامية القائمة من أية رؤية للخروج من الأزمات المستحكمة في المجتمعات الإسلامية، "فهذا ما يقوله المنظرون، وما تقوله المنابر، وما يردده الأفراد "الإسلام هو الحل" لكن حينما تصل الجماعات إلى الحكم تفشل في إيجاد تعاقد يصون وحدة الوطن، وتفشل في التنمية، وتفشل في الحريات، ولا يرى الناس نظما جاهزة، ولا قدرة على نحتها، بل يرون تخبطا يُحال على نقص الخبرة لا على خطأ الفكرة، فيأتي غيرهم ويقيم الدعوى نفسها ليقول للجماهير: هؤلاء لم يطبقوا الفكرة بطريقة صحيحة "نحن مختلفون" وتصدق الجماهير ثم تُعاد الكرة بالمنوال ذاته..".

كما يركز المؤلف في هذا الفصل على تشخيص العقل التنظيمي، وتتبع إفرازاته داخل التنظيمات وفي المجتمع، فالعقل التنظيمي غالبا ما يفر إلى "المعجزة" في استنزال النصر ومغالبة الأعداء، وهو ما ينقل مستوى العمل من التنظيم إلى الطائفة، ويحول العمل الخيري إلى واجهات للاستقطاب والتجنيد، وينتج جملة "الأخوات الضيقة" التي تحل محل الأخوة الإيمانية الجامعة. 

ما يروم المؤلف قوله بعبارات محددة، إن التنظيمات الإسلامية بما يشيع في أوساطها من أفكار معيقة، لا تنجو منها مقولات وأفكار المؤسسين (البنا وقطب) تحتاج إلى مراجعة عميقة وجادة وجريئة، فهي إن بقيت على حالها لن تكون قادرة على العبور بالحركات الإسلامية ومن ورائها الأمة إلى المستقبل، بل ستبقى مكبلة في أغلالها التنظيمية بأبعادها الفكرية المربكة التي صنعتها وما زالت تتقوقع فيها.

نقد النقد ومراجعة المراجعة

برؤية تقويمية ناقدة، اعتبر الباحث في الفكر الإسلامي، إبراهيم العسعس المهتم بالدراسات النهضوية، معالجة الدكتور جاسم سلطان لأزمة التنظيمات الإسلامية تتمحور في دائرة العموميات، فلئن كانت التنظيمات الإسلامية في بنيتها المركزية تقوم على دعاوى عريضة وعامة، فإن نقد الدكتور جاسم لم يخرج عن ذلك الإطار العام.

وأوضح العسعس في حديثه لـ"عربي21" أنه مع موافقته على مجمل نقد الدكتور في كتابه، إلا إنه يرى أن التشخيص الدقيق لأزمة التنظيمات الإسلامية، يكمن في أزمة الإنسان العربي، فالأزمة لا تختص بحالة التنظيمات الإسلامية، فغالب القوى والتنظيمات في منطقتنا مصابة بالعلل والأمراض الشائعة في التنظيمات الإسلامية، ما يفضي إلى القول بأن أزمتنا كامنة في إنسان المنطقة، الذي سينقل أزماته وعلله إلى كل شأن يمارسه ويواقعه.

 وقلل العسعس من خطورة ما يقال حول عجز التنظيمات الإسلامية عن إنجاز نظم سياسية واقتصادية واجتماعية تفصيلية قابلة للتطبيق، لأن غالب القوى الثورية في العالم لم تكن لديها تصورات مكتملة وناجزة، وإنما أبدعت أنظمتها تحت ضغط الحاجة والتحدي، فالحركات الإسلامية كغيرها قادرة على إبداع ما تحتاجه وتفرضه عليها تحديات الواقع وضغوطه.