بورتريه

سعود الفيصل .. رحيل رجل المهمات الصعبة (بورتريه)

بورتريه وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل - عربي21
كثيرا ما استثمر فصاحته العربية، وحفظه لقصائد من الشعر العربي القديم في الرد على الغمز واللمز والتلميح والتصريح السياسي ضد بلاده في المؤتمرات الصحفية ووسائل الإعلام؛ متنقلا من العربية الفصحى إلى الإنجليزية أو الفرنسية، فقد أتقن الرجل ست لغات بالإضافة إلى العربية، هي الإنجليزية والفرنسية والإيطالية والألمانية والسبانية والعبرية.

كان أقدم زير خارجية في العالم قبل تقاعده من المنصب قبل أشهر قليلة؛ مهندس العلاقات السعودية الخارجية ورجل المهام الصعبة طيلة أربعين عاما مضت.

هو ابن الملك فيصل بن عبد العزيز، الملك العربي الذي اتخذ قرارا تاريخيا بوقف تصدير النفط إلى أمريكا بعد حرب تشرين 1973، وصاحب المقولتين الشهيرتين: "عشنا، وعاش أجدادنا على التمر واللبن، وسنعود لهما"، و"أي نقطة بترول ستذهب إلى إسرائيل، ستجعلني أقطع البترول عنكم" مخاطبا رئيس شركة التابلاين الأمريكية.

منذ نحو عشر سنوات وهو عرضة لإشاعات الاستقالة أو الوفاة، آخرها كانت في أيار/ مايو الماضي. لا يغلف كلامه بورق السلوفان، ولا ينمق تصريحاته بشيء من الدبلوماسية رغم أنه زعيمها دون منافس.
ويبدو أحيانا مباشرا وهجوميا وهو يتربع على عرش وكرسي الدبلوماسي والسياسي الأقدم في العالم.

 الأمير سعود الفيصل بن عبد العزيز آل سعود، المولود عام 1940 في الطائف، جلس على مقعد وزارة الخارجية في المملكة العربية السعودية منذ عام 1975، وعاصر في هذا المنصب أربعة ملوك من العائلة الحاكمة في البلاد.

 حصل على شهادة البكالوريوس في الاقتصاد من جامعة برنستون بولاية نيوجيرسي بالولايات المتحدة عام 1963، والتحق بوزارة البترول والثروة المعدنية مستشارا اقتصاديا لها، وانتقل بعدها إلى المؤسسة العامة للبترول والمعادن- بترومين، وأصبح مسؤولا عن مكتب العلاقات البترولية الذي يشرف على تنسيق العلاقة بين الوزارة وبترومين.

 عين نائبا لمحافظ بترومين لشؤون التخطيط في عام 1970. وفي عام 1971 عين وكيلا لوزارة البترول والثروة المعدنية. وفي عام 1975 صدر مرسوم ملكي بتعيينه وزيرا للخارجية بعد شغور المنصب بوفاة والده الملك فيصل الذي كان وزيرا للخارجية وهو ملك على البلاد.

وبعد تسلم الملك سلمان بن عبدالعزيز الحكم خلفا للمك عبدالله، أصدر العاهل السعودي، أمرا ملكيا بتشكيل مجلس الوزراء، في واحد من أكبر التغييرات الوزارية في تاريخ المملكة، وأقال بموجبه ستة وزراء، لكن سعود الفيصل احتفظ بمنصبه.

 تثبيته في منصبه في العهد الجديد ربما جاء ردا على إشاعات إقالته، وهي إشاعات تعود عليها الفيصل طيلة أربعين عاما من عمله الدبلوماسي، وهو ما دفع مدير الإدارة الإعلامية بوزارة الخارجية السفير أسامة نقلي إلى الكتابة على صفحته على "تويتر": "منذ عشر سنوات وأنا أنفي تارة خبر وفاة سعود الفيصل وأخرى خبر استقالته.. لا أصحاب الإشاعات سئموا ولا أنا يئست". وتابع نقلي: "لا أعرف من أين يأتي تويتر بهذه الشائعات! كان الفيصل بوصلة الدبلوماسية السعودية وراسم خطوطها الرئيسة، ومنذ أن تولى وزارة الخارجية ركز على دعم القضايا العربية والإسلامية في المحافل الدولية، وخاصة القضية الفلسطينية التي تعد أم القضايا العربية والإسلامية، التي أولاها اهتماما خاصا".

 الفيصل لم يكن يجامل في موقعه الرسمي، ويقول ما يرى وما يشاهد، فهو لا يوارب ولا يختبئ خلف الدبلوماسية أمام التوسع الإيراني في المنطقة العربية مثلا، وتلخص عباراته المختزلة رؤيته: "إيران هي جزء من المشكلة وليست جزءا من الحل". ويضيف: "إذا كانت إيران تريد أن تسهم في حل المشاكل في سوريا، فعليها أن تسحب قواتها منها، والشيء نفسه ينطبق على مناطق أخرى سواء في اليمن أم العراق أم أي مكان". ويقول: "نرى إيران تتدخل في سوريا وفي لبنان وفي اليمن وفي العراق، والله أعلم أين أيضا، وهذا يجب أن يتوقف إن كانت إيران ترغب في أن تكون جزءا من الحل في المنطقة، لا أن تكون جزءا من المشكلة". ودعا إيران إلى وقف تدخلاتها في الشؤون العربية، دون أن يتخوف من وصف ما تقوم به إيران في العراق بـ"الاحتلال".

 الفيصل يقترب في رؤيته للمشهد العربي مما يشاع حاليا عن بناء محور رباعي للتصدي للسيطرة الإيرانية على أجزاء من الوطن العربي، تكون خطوته الأولى إسقاط النظام في دمشق لتفكيك القوى العسكرية لإيران وحزب الله في سوريا، وكذلك لمواجهة التنظيمات المتطرفة التي فتحت لها أبواب سوريا بكل الأشكال، من جانب النظام وحلفائه الذين آثروا دخول التنظيمات لتدمير سوريا وإنهاك واستنزاف المعارضة السياسية المعتدلة والتنظيمات المسلحة التي تقاتل النظام وحلفاءه، وأيضا لإيجاد ذريعة للتدخل الخارجي، وتبرير التقسيم والفرز الطائفي.

 الفيصل الذي حمل على كاهله 75 عاما وحالة صحية متعبة، لم يكن يتوقف كثيرا عند حدود الدبلوماسية حين يتعلق الأمر باحتلال عواصم عربية، ولم يكن أداؤه أو عدم الرضا عنه السبب في إعفائه من منصبه في 29 نيسان/ إبريل الماضي، وإنما جاء  بناء على طلبه شخصيا لتدهور صحته، لكن الملك سلمان لم يكن يريد إبعاده عن الواجهة السياسية، لذلك وبحسب الأوامر الملكية ونظرا للخبرة والمكانة التي يحظى بها الرجل، فقد أصدر أمرا آخر بتعيين الفيصل "وزير دولة وعضوا بمجلس الوزراء، ومستشارا، ومبعوثا خاصا لخادم الحرمين الشريفين، ومشرفا على الشؤون الخارجية".

 وبعد أقل من أربعة أشهر فقط من ترجله عن منصب وزير الخارجية السعودية، أعلن مساء الخميس، عن وفاته عن عمر يناهز الـ75 عاما. 

 مع رحيله تغلق حقبة هامة في السياسة الخارجية السعودية، ويختفي وجه طالما كان حاضرا في الواجهة السياسية العربية في جميع المفاصل الصعبة.