مقالات مختارة

جيمي ويلز، أحد مؤسسي ويكيبيديا ومنطقه الغريب بالتعاون مع الإمارات

1300x600
كتب الستير سلون: حصل جيمي ويلز، الذي يقدم نفسه على أنه "ناشط لحرية التعبير"، الذي كان مجال تجارته في الإعلانات الإباحية، على منحة من الإمارات العربية المتحدة، قيمتها 500 ألف دولار لإنشاء مؤسسة حقوق إنسان. والآن ولأول مرة أستطيع أن أكشف عن المنطق الغريب لويلز في تبريره لقبول الأموال من نظام لا يكن لحرية التعبير سوى الازدراء.

وانتقدت على "تويتر" الأسبوع الماضي قرار المكتبة البريطانية دعوة جيمي ويلز إلى حضور الاحتفالية بالذكرى الثمانمئة للماجنا كارتا. وتساءلت: هل سيحضر معه "أصدقاءه الديكتاتوريين" من الإمارات وكازاخستان، وهما نظامان إرتبط ويلز بهما في الإعلام.

وأجاب ويلز على "تويتر"، وأنكر الادعاءات بل وإدعى أنه لا يعرف عم أتحدث، وسأل: "لماذ لا ننتقل بهذا النقاش إلى البريد الإلكتروني كي تستطيع أن توضح عن أي شيء تتحدث؟"، ولم يكن هذا سوى خدعة من ويلز حتى لا يتم نقاش أمور محرجة في الفضاء العام، (حيث اعترف لي ويلز لاحقا بأنه كانت لديه "مشاعر مختلطة" بخصوص تعامله مع كازاخستان)، وبعد عدة رسائل بريد إلكتروني، بدا واضحا أن ويلز كان يعرف تماما عن أي شيء أتحدث.

في عام 2012، منح ويلز ولأول مرة جائزة "ناشط ويكيبيديا للعام" لرجل من كازاخستان اسمه راوان كنشيخانولي. ووصفه لي في رسائل البريد الإلكتروني بأنه "ناشط ويكيبيديا كغيره من ناشطي ويكيبيديا الذين قابلتهم، وتحدث معي أنه يريد أن يعمل على إطلاق ويكيبيديا باللغة الكازاخية، على أمل أن ينشئ فرعا محليا في يوم ما، وقد تحدث عن قضايا الرقابة في كازاخستان، وكان منتقدا جدا للحكومة هناك".

كلام جميل، ولكن كنشيخانولي لم يكن ناشط ويكيبيديا عادي، إنه مستشار لدى الحكومة الكازاخية لتحسين صورتها، وقد شغل سابقا مناصب مهمة في وزارة الخارجية الكازاخية. كما أنه عمل مديرا لمكتب موسكو للتلفزيون الوطني، الذي أنشأته بنت رئيس كازاخستان، نور سلطان نزارباييف، حاكم البلاد الديكتاتوري. ومنذ ذلك الحين تم تعيين كنشيخانولي نائبا لحاكم مقاطعة كيزيلوردا، وكما وصفه تقرير إعلامي: فهو "رجل الحكومة الكازاخية حتى النخاع". 

ومع أن بحثا سريعا في "غوغل" كان ممكن أن يؤكد هذه المعلومات كلها، إلا أن ويلز ادعى عدم علمه بها، وقال: "بناء على ما كنت أعرفه في وقتها كان (منحه جائزة ناشط ويكيبيديا للعام) هو العمل الصحيح". ويضيف ويلز أن الأمر كان صدفة، بعد ذلك منحت ويكيبيديا مؤسسة كنشيخانولي 16 ألف دولار؛ كي يطور ويكيبيديا باللغة الكازاخية، التي تحتوي الآن أكثر من عشرة آلاف مقال، من خلال تقديم تدريب لمحرري ويكيبيديا باللغة الكازاخية. 

ومن الطبيعي، إذا ما أخذنا بعين الاعتبار خلفية كنشيخانولي كونه ملمعا لصورة الحكومة، أن تكون هذه النسخة من ويكيبيديا، التي أنشأها هؤلاء المحررون، تقص من المقالات أي شيء له علاقة بانتهاكات النظام لحقوق الإنسان، بما في ذلك قتل عدد من المحتجين العزل عام 2012، وتحتوي أيضا على نصوص كاملة منقولة من موسوعة الحكومة مباشرة.

ويتجاهل ويلز هذا قائلا: "مثل غيرها من اللغات الصغيرة، هناك جوانب مضيئة، وهناك مشاكل، ولدى (الموسوعة) مجتمع مستقل جدا، وأنا أدعمهم". ذلك المجتمع "المستقل جدا" تدعمه مؤسسة كنشيخانولي للتدريب "ويكيبيليم"، التي وصلتها منحة سخية من الحكومة الكازاخية، مستقلة جدا، أليس كذلك؟

ولذلك، فإن قبول ويلز للمنحة الإماراتية صعبة التصديق، ويقول: "ذهبت هناك للحديث في مؤتمر تعليمي، وأخبروني بأنهم سيمنحوني جائزة في اليوم التالي. ولم أكن مستعدا لأمر كهذا، وكان علي اتخاذ قرار سريع أظنه كان ذكيا للغاية".

ويقول ويلز إنه استشار محامية حقوق الإنسان الإسرائيلية أوريت كوبيل، التي تعامل معها سابقا، وسألها: "إن كان لديها استعداد أن تعينه على استخدام تلك الأموال للعمل ضدهم". 

ويضيف ويلز: "نعم كان بإمكاني رفض الأموال، ولكن لماذا أعيد الأموال إلى أناس بشعين؟ كي يستطيعون استخدامها لبناء المزيد من السجون؟"

واضح أن ويلز رجل ذكي، ولذلك فإما أن يكون توضيحه هو مجرد كذبة كبيرة، أو أنه ذكي ولكنه ساذج في الوقت ذاته. فحرمان حكومة الإمارات من 500 ألف دولار لن يوقفها عن "بناء سجون"، ولن تسمح له "بالعمل ضدهم". فالناتج المحلي الإجمالي هو نصف تريليون دولار، ومصاريف الحكومة تبلغ مئة مليار دولار. وإن لم يدرك ويلز أن السبب الوحيد الذي يمكن أن يدفع الإمارات لدفع أموال لمؤسسة حقوق الإنسان هو التغطية على سمعتها الدولية، فهو بالتأكيد ليس بالغ الذكاء.

ففي بريطانيا وحدها لو أخذنا مركز الشرق الأوسط في لندن "سكول أوف أيكونومكس"، فهو يمول بالكامل تقريبا من الإمارات، ويعاني من مشكلة رقابة يطبقها على الأكاديميين، أو عدد من الجامعات البريطانية المهمة، التي يقدم لها أبناء الشيخ زايد المنح. أو كيف دعت الإمارات مؤسسات ثقافية عملاقة مثل اللوفر وغاغينهام والمتحف البريطاني لفتح فروع لها في أبو ظبي. أو إن شئت فانظر إلى منظمات حقوق الإنسان المزورة التي أنشأتها الإمارات، التي منحت الإمارات الدولة رقم 14 في حقوق الإنسان في العالم. من الطبيعي أن يكون "ناشطو حرية التعبير" على دراية بهذه الأمور، وينبغي عليهم عدم المشاركة بها، ولكن ليس جيمي ويلز.

وفي الوقع فإن ويلز ليس ناشط حرية التعبير الوحيد المرتبط بالإمارات. فقد استلم مؤسس الإنترنت تيم بيرنرز لي أيضا نصف مليون دولار منحة لأسباب غير معروفة. والغريب في الأمر أنه وقبل ذلك بيوم، تحدث خلال خطاب له عن أهمية إبقاء الإنترنت مجالا حرا للجميع. وتوجد في الإمارات قوانين "جريمة الإنترنت" الصارمة، وتعني أن مجرد تغريدة أو فيديو ساخر قد يؤديان بالشخص إلى السجن لمدة خمس سنوات. 

هناك مكان واحد لنصف المليون دولار التي منحت لويلز أو لبرنرز لي، وهو إعادتها إلى أبناء زايد. لن تستطيع استخدامها ضدهم، ولكن ما سيؤذيهم هو قطع علاقات تساعد الإمارات على مسج سجلها السيئ في حقوق الإنسان. ويدعي ويلز أنه يعمل في "الدبلوماسية الهادئة" في نشاطه لأجل حرية التعبير، ولكن ما يمارسه هنا هو الدعاية الصارخة.. يجب إعادة الأموال حالا.

نقلا عن موقع "ميدل إيست مونيتور" ترجمته "عربي21".