قضايا وآراء

بين الزعيم والعميل

1300x600
في السنوات الثلاث الماضية شاءت الأقدار أن يمر علي مصر ثلاث رؤساء للجمهورية؛ الدكتور محمد مرسي الرئيس الوحيد الحقيقي لمصر؛ والسيد عدلي منصور الذي اصبح مادة دسمة للتندر من اليوم الأول لوجوده وتحول إلي نموذج مثالي لماريونت في يد السلطة؛ ثم بعد ذلك جاء ممثل أصحاب السلطة والثروة من الطبقة الحاكمة في مصر وهو عار مصر الخالد السيسي.

والعار ليس في أنه اغتصب السلطة بالسطو المسلح مع مجموعة من المارقين الفسدة ولكن العار أن وجدا تأييدا شعبيا لهذا العميل الذي لم يترك سبيلا لإثبات عمالته إلا وطرقه؛ ولكن عمليات القصف النيراني العنيف لقدرات العقل الجمعي المصري علي مدي عشرات الأعوام أدت إلي انهيار العقل وتحول الكثير إلي حالة نموذجية من الهياج الجماهيري الذي يندفع بغير وعي أو بوعي معلب إلي التحرك في اتجاهات تتناقض مع المنطق ونجد جزءا معتبرا من المصريين يجد فيه مخلصا.

إن الدكتور محمد مرسي ممثلا حقيقيا عن الشعب فهو ينتمي إليهم ومنهم؛ وهنا لانناقش قدرات سياسية أو زعامة سياسية لأنها تدخل في إطار الرأي والذي أري أن دكتور مرسي يمتلكهما؛ ولكن حالة الجنون الإعلامي بتشويه الرجل قادرة علي تدمير احتمال بناء صورة ذهنية لذلك؛ عكس ما حدث مع العميل المتواضع فكريا وعقليا المسمي السيسي والذي جعل منه سحرة الإعلام بطلا مغوارا لا يشق له غبار.

عام من المحاولات المتتالية لبناء مصر بعده عام من تدمير ما بدأ علي طريق إعادة بناء مصر؛ ثم عام ثالث طويل مليء بالفشل ومليء بالقتل.

استطاع السيسي أن يجمع حوله كافة المنتفعين أو من يريدوا أن يكونوا منتفعين؛ ورأينا رموزا تنهار وأساتذة في العلوم السياسية يلوون الحقائق بل والمفاهيم من أجل الزعيم الملهم؛ ورأينا أنهارا من الدماء ورأينا أطرافا لمصر تتمزق؛ فمن الشرق ما يحدث في سيناء يقع في دائرة الإبادة العرقية والتقارير الصادرة عن حجم الاعتداءات هناك يخعلك تتسائل ماذا يمكن أن يفعله الجيش الإسرائيلي لو احتل سيناء أكثر من ذلك؛ بل تدفعك إلي مقارنة حالة سيناء في سبعينيات القرن الماضي وهي تحت الاحتلال الصهيوني وبين حالتها الأن تحت الاحتلال مما يسمي نفسه الجيش المصري.

تحول من يسمي نفسه رئيسا للجمهورية إلي حالة وإلي مادة للسخرية وكما فشلت كل محاولات تشوية الرئيس الحقيقي الدكتور محمد مرسي في تدمير شعبيته التي حصل عليها؛ فشلت أيضا كل محاولات صناعة زعيم لشخص لا يمتلك أدني مقومات تجعله أهلا لهذه المكانة بالرغم من المحاولات المضنية لفعل ذلك وملايين وربما عشرات ومئات الملايين من أجل ذلك.

الرئيس الحقيقي الدكتور مرسي كان وحده وسط مؤسسات لا تنتمي للمجتمع تعمل علي فصل نفسها لحماية سلطتها وحماية سيطرتها علي الثروة؛ بينما العميل المتماهي مع منظومة الفساد المؤسسي يعمل بدعم شبه كامل منها ولكنه يغوص بقدميه في الفشل ولا يستطيع التحرك سنتيمترا واحدا إلي الأمام.

اليوم يحاكم العميل الزعيم ويستخدم كل أدوات الفساد التي بنتها الدولة المصرية لتحقيق غرضه؛ فهو يعلم أن استمرار وجود دكتور مرسي هو أحد مظاهر إحساسه بالدونية والفشل؛ ليس فقط من أجل مفهوم الشرعية  فما يسمي رئيس الجمهورية وحاشية الفساد لا تعبا بهذا ولا تري إلا شرعية السلاح كما أفتانا أحد الفلاسفة الصغار في جيش الفلاسفة والأطباء وقال في خطبة أمام أطفال المدارس أننا نحكم بالشرعية المسلحة.

إن إزاحة الزعيم الدكتور مرسي أحد وسائل العميل لمحاولة إزالة الوجه الأخر الذي يراه الناس دائما في مقابله الوجه الفاسد القاتل الخائن؛ إنها محاولة منه لإفراغ موقع الزعيم ليحاول محاولته البائسة الجديدة لاحتلال هذا الموقع الذي لا يملك أيا من مقوماته. وهي أحد أهداف الطبقة الحاكمة في كسر أي أمل للمجتمع المصري في أن يستعيد سلطته وترسيخ صورة ذهنية قاسية أن أي محاولة لانتزاع السلطة من تلك الطبقة المجرمة سيكون عقابها الموت.

سيحكم اليوم علي الدكتور مرسي من كل مكونات الدولة العميقة معلنة انتصارها المرحلي في معركة جديدة خلال الحرب الأهلية الممتدة لمئات السنين بين الطبقة الحاكمة والشعب المصري؛ مئات السنين من وأد محاولات التحرر من الاستبداد خاضت قوي الشعب الحية معارك طويلة من أجل انتصارها وتحقيق حريتها أمام الطغمة الحاكمة القاتلة التي أودت بحياة ملايين المصريين في حروب مسرحية أو إفقار متعمد وتدمير ممنهج لكل مقومات الحياة في مصر؛ وكان الدكتور مرسي أحد أهم نقاط الانتصار المجتمع المصري في المعركة الأخيرة لذا وجب عليهم تدميرها.

لن يضير الزعيم الدكتور مرسي أن يلقي ربه شهيدا علي العهد؛ ولن يضير مئات الآلاف من المصريين المشردين والمعتقلين والمهجرين أن يزيد شهداءهم واحدا؛ فقد أصبح للثورة المصرية الآن زعيم سواءا عاش سجينا أو مات شهيدا وستكون دماءه مع دماء الشهداء الذين سبقوه والشهداء الذين سيلحقون به عارا علي كل من ظلمه وظلم مصر وساعد في إعادتها إلي عصور الظلام.

عاش الزعيم محمد مرسي حيا وشهيدا.