مقالات مختارة

ائتلافات تركيا "المستحيلة.. الممكنة"

1300x600
كتب ألبار غورموش: بعد تبيّن عدم إمكانية تأسيس حزب واحد لحكومة بمفرده في تركيا، بدأت حسابات تأسيس الحكومة الائتلافية تتكاثف وتتضارب بقوة، وأغلب سيناريوهات الحكومات الائتلافية المُتحدّث عنها توصَف بأنها "مستحيلة"، ولكن أود أن أُذكّر الجميع بأن جميع الحكومات الائتلافية التي تم تأسيسها في تركيا إلى غاية الآن كلّها كانت "مستحيلة".

الانتخابات انتهت وأصبحنا نتحدّث عن سيناريوهات الحكومات الائتلافية. جميع السيناريوهات الموجودة على الطاولة تُوصف بأنها "مستحيلة" أكثر من أنها "ممكنة". وبعد ذكر توقّعات الحكومات الائتلافية التي من الممكن أن تؤسّس، فإننا على الفور نبدأ باستعمال تعبيري "ولكن كيف؟" و"لكن لماذا؟"، ومن هنا نسقط في احتمالية الاستحالة لتأسيس أي حكومة ائتلافية من خلال تحالف الأحزاب السياسية البرلمانية الموجودة.

ولكن في اعتقادي لا يوجد شيء اسمه مستحيل في السياسة التركية، فهناك الكثير من الأحزاب المستحيل ائتلافها، لكنها تحالفت وأسّست حكومة تحالف، وأنا من خلال هذه المقالة، أود أن أسلّط الضوء على هذه الحكومات..

الائتلاف الحكومي المُشكّل بين حزب الشعب الجمهوري وحزب العدالة عام 1961

 بعد الانقلاب العسكري الذي تم تنفيذه بتاريخ 27 أيار/ مايو 1960 خرج حزب الشعب الجمهوري كحزب أغلبية، وحاز حزب العدالة، الذي كان يُعتبر امتدادا للحزب الديموقراطي الذي انقلب عليه الجيش، على المرتبة الثانية في أول انتخابات تُجرى بعد الانقلاب العسكري عام 1961. 

ولكن عدد نواب حزب الشعب الجمهوري لم يكن يسمح له بتشكيل حكومة بمفرده، ولكن لأنه حزب أغلبية فقد قام رئيس الانقلاب في ذلك العهد "جمال جورسال" بتكليف زعيمه "عصمت إينونو" بتأسيس حكومة ائتلافية بتاريخ 10 تشرين الثاني/ نوفمبر 1961.

وكان إينونو يريد الاتحاد مع حزب العدالة وتأسيس حكومة ائتلافية في أسرع وقت ممكن لكسر الانقلاب العسكري وتأثيره على العملية السياسية. للوهلة الأولى يبدو أنه من "المستحيل" تأسيس حكومة ائتلافية تجمع بين الحزبين، وذلك لأنه لم يمض سوى شهرين على إعدام رئيس الوزراء الأسبق عدنان مندريس، وكان أنصار حزب العدالة يعتقدون بأن عصمت إينونو هو صاحب اليد الكُبرى في التخطيط للانقلاب والدعوة إليه.. الأحاسيس الحزبية والأيدولوجية كانت بهذا الشكل و"حقائق الدولة" أيضا كانت تبيّن وجود العديد من الضباط داخل الجيش ممن يخشون إرجاع الإدارة للحكم المدني بسبب احتمالية المحاكمة والمرافعة القانونية لهم من قبل هذا الحكم.

وفي ظل هذه الأحوال المتضاربة من التوتّر الحزبي والقلق العسكري ولتسريع إنهاء عملية التضارب، فقد قام إينونو بالالتقاء بزعيم حزب العدالة، والذي كان هو أيضا مثل إينونو ضابطا عسكريا، "راغب غوموش بالا".

وغوموش؛ كان معارضا تماما لهذا التحالف، وقال لإينونو إنه من المستحيل لقيادة حزب العدالة قبول مثل هذا الأمر، وبالفعل قامت قيادة الحزب بالاجتماع والخروج برأي يقضي برفض التحالف مع حزب الشعب الجمهوري "الداعم للانقلاب العسكري".

بعد ذلك، طلب إينونو من غوموش بالا، السماح له بالاجتماع المباشر مع قيادة حزب العدالة، وسمح له غوموش بالا بذلك. عندما دخل إينونو إلى مكان اجتماع قيادة حزب العدالة استقبله أعضاء الحزب بالتظاهرات المندّدة له وبشعارات "ارحل يا قاتل"، لكن على الرغم من هذا كلّه استطاع إينونو، بعد خطابه الذي استمر لساعة، إقناع أعضاء الحزب بالانضمام لحكومة ائتلافية. وعلى الرغم من ذلك فقد رفض راغب غوموش الانضمام لحكومة الائتلاف، وتأسّست حكومة الائتلاف بين حزب العدالة وحزب الشعب الجمهوري دون انضمام غوموش بالا، زعيم حزب العدالة، لها.

الائتلاف الحكومي المُشكّل بين حزب السلامة القومية وحزب الشعب الجمهوري عام 1974

من جديد استطاع حزب الشعب الجمهوري أن يكون حزب الأغلبية في الانتخابات البرلمانية التي تمّت بتاريخ 14 تشرين الأول/ أكتوبر 1973، حيث أصبح لديه 185 نائبا برلمانيا، ولكن هذا العدد كان لا يكفيه لتأسيس حكومة بمفرده.. في المرتبة الثانية كان فاز حزب العدالة بقيادة "سليمان دميرال" وفي المرتبة الثالثة كان حزب السلامة القومية بقيادة "نجم الدين أربكان".

بسبب اختلاف أيدولوجية الأحزاب الموجودة على الساحة كان تأسيس حكومة ائتلافية بينهم "مستحيلا". ولكن أريد أن أُذكّر بأنه لا يوجد شيء مستحيل في تركيا، وتجربة 1961 أكبر دليل، والجميع في ذلك الحين، حتى المجانين، كانوا يستبعدون تحالف حزب الشعب الجمهوري "اليساري" وحزب السلامة القومية "الإسلامي". ولكن رئيس الحزب الجمهوري، في ذلك الحين، بولنت أجاويد، المُكلّف بتأسيس الحكومة، قام بهزيمة هذا الاستبعاد، وقرّر التحالف مع حزب السلامة القومية. كان "الوهم التاريخي" يدّعي أنه من "المستحيل" تحالف الإسلاميين واليساريين تحت لواء حكومة ائتلافية، ولكن استطاع بولنت أجاويد ونجم الدين أربكان هزيمة هذ الوهم وقاما بالتحالف وتأسيس حكومة ائتلافية.

استمر التحالف بينهم ثمانية شهور، ولكن بعد ذلك، عندما قرّر بولنت أجاويد التحّرك لخارج البلاد لإجراء جولاته الدبلوماسية مع الدول الأخرى كرئيس حكومة جديدة، وعلى الرغم من وجوب إعطائه وكالة الحكومة لمساعده نجم الدين أربكان، فإنه ومن باب عدم ثقته به قام بإعطاء الوكالة لمساعده في الحزب أورهان أيوب أوغلو، الأمر الذي جعل أربكان على الفور يستقيل. وفي أعقاب هذه الحادثة كان لا بد للحكومة الائتلافية من أن تنهار وتتفكّك.

الائتلاف المُشكّل بين حزب الطريق الصحيح والحزب الشعبي الديموقراطي عام 1991

استطاع سليمان دميرال، الذي أسّس حزبا جديدا عام 1984 باسم حزب الطريق الصحيح، أن يكوّن الأغلبية بعد انتخابات عام 1991، وحصل الحزب الشعبي الديموقراطي الاجتماعي بقيادة "أردال إينو" على المرتبة الثالثة.

كان الحزب الشعبي الديموقراطي الاجتماعي يُعد أحد أفرع حزب الشعب الجمهوري، أما حزب الطريق الصحيح فهو حزب العدالة نفسه الذي كان يُشكّل امتدادا للحزب الديموقراطي. وكان الحزبان في اختلاف أيديولوجي عميق وعداوة تاريخية لدودة، والحاضر لتلك الفترة كان من "المستحيل" أن يظن بأن الحزبين يمكن لهما أن يتّحدا تحت مظلة حكومة ائتلافية، حيث كان أنصار الحزب الشعبي الديموقراطي الاجتماعي يتّهمون أنصار حزب الطريق الصحيح "بالتشدد اليميني" وكان أنصار حزب الطريق الصحيح يتهمون أنصار الحزب الشعبي الديموقراطي الاجتماعي "بالتشدّد اليساري".

ولكنّ هذين العدوّين كان لهما خصم مشترك، وهو "حزب الوطن الأم" الذي استطاع أن يسيطر على الحكم بمفرده لمدة تسعة أعوام، وكان لا بد لهذين العدوّين أن يجتمعا ليستطيعا إبعاد حزب الوطن الأم، وبالفعل تحالفا وأسّسا حكومة الائتلاف "المستحيلة".

هذا الائتلاف الحكومي عُد من أطول الائتلافات الحكومية، في تاريخ السياسة التركية عمرا، حيث تمكّن من الاستمرار لمدة أربعة أعوام كاملة.

الائتلاف الحكومي بين حزب الطريق الصحيح وحزب الرفاه عام 1996

استطاع حزب الرفاه بقيادة "نجم الدين أربكان" الحصول على لقب "حزب الأغلبية"، في انتخابات عام 1995. وكان هناك الكثير من الأحزاب التي حصلت على المراتب الثانية والثالثة والرابعة.. ولم يكن هناك أي عاقل يعطي احتمالا لأن يقوم أي من الأحزاب الأخرى بالتحالف مع حزب الرفاه "الإسلامي" وتأسيس حكومة ائتلافية، وذلك لأن أغلب الأحزاب كانت تحمل أفكارا علمانية ويسارية وكانت تحرّم على أنصارها التعامل مع حزب ذي خلفة إسلامية يريد تطبيق الشريعة في البلاد.

وعلى الرغم من مظهرها وخطاباتها التي توحي بعلمانيّتها واستحالة تحالفها مع حزب له خلفية إسلامية، فإن "تانسو تشيلير" رئيسة حزب الطريق الصحيح قامت بقبول إمكانية التحالف مع حزب الرفاه لتأسيس حكومة ائتلافية.

الوضع كان غريبا جدا، حيث إن تشيلير قبل قبولها بالتحالف لم َتدَع أي نوع من أنواع الهجوم الإعلامي إلا ونفّذته ضد أربكان، كما أن أربكان أيضا وردّا على هذه الهجمات الثقيلة كان يشن هجمات أثقل منها وكان من الصعب عليه إعلان قبوله بالتحالف مع تشيلير من أجل تأسيس حكومة ائتلافية.

ويقول الموكّل في ذلك العهد من قبل أربكان لإجراء مشاورات تأسيس الحكومة الائتلافية مع حزب الطريق الصحيح "غورجان داغداش" بخصوص هذا الشأن الحرج، إن "مهمة التشاور مع حزب الطريق الصحيح، كُلّفت بها من قبل المرحوم نجم الدين أربكان بشكل مباشر حيث قال لي: اذهب واهتم بموضوع المشاورات. ولكن أنا اعترضت على ذلك وقلت: يا معلمي هذه المرأة لم تترك أي هجوم إعلامي إلا ونفّذته ضدّنا وضد شخصكم، كما أنها قادت حملتها الانتخابية من خلال التهجّم على حزبنا وفكرِه، كيف يمكن لهذا أن يحدث؟ قال لي: من أجل المصالح العامة لشعبنا، النسيان سيكون جيدا بعض الشيء" (غورجان داغ داش، روتا خبر، 12 مايو 2015).

وبهذا الشكل تم تأسيس أكثر الحكومات الائتلافية التركية "استحالة" بتاريخ 28 حزيران/ يونيو 1996، واستمر عمرها لمدة عام كامل، وكان يمكن أن تستمر أكثر لولا "الانقلاب العسكري".

(عن "الجزيرة ترك"- ترجمة وإعداد: تركيا بوست، خاص لعربي21)