كتاب عربي 21

زعيمان ومقابلتان

1300x600
كانت مقابلة الرئيس هادي، التي بثتها قناة العربية الاثنين الماضي، هادئة وصادقة، لرجل ترأس دولة، ثم استقال منها، وشهد إقامة جبرية في منزله، ثم فر من العاصمة صنعاء إلى عدن، التي ما تنفس فيها حتى لاحقته مليشيا الحوثي بسلاحها، وقصفت مقر إقامته بطيران الدولة الذي تستخدمه، وتحول إلى شريد، ورئيس من المنفى الاضطراري.

على العكس منه، بدت مقابلة سلفه الرئيس صالح التي بثتها قناة "الميادين" قبل أسبوعين، إذ جددت المقابلة التأكيد أن شعب اليمن عظيم بحلمه وصبره على رئيس فرعوني كهذا، رجل حكم شعبه 33 سنة و7 أشهر، وجعل شعبه يقول عنه "الرئيس الحكيم"، فيما هو إذا تحدث عن اليمنيين قال بأن حكمهم "مثل الرقص فوق رؤوس الثعابين".. رئيس ظل يهين شعبه ويقدمه بوصفه فقراء ومعوزين وإرهابيين ومجموعة عاهات يجوز بهم التسول، كان يلبس أنيقاً حد المبالغة، ثم يتعامل مع الشعب اليمني كيدٍ مشلولة في جسده يستدر بها شفقة المانحين والخيرين في عواصم الخليج وأوروبا.

صالح الضاج بكبريائه وطغيانه بدا في مقابلته خدراً، مشتت الذهن، مختالاً، ضعيف القدرة على المراوغة، حاول استعطاف بعض أفراد الأسرة السعودية الحاكمة، مقابل إثارتهم ضد "الجناح السديري"، لكنه ما لبث أن شتم الجميع، واتهمهم بأنه طمسوا هوية شعب، دون أن يتذكر أنهم جعلوه شعباً يرفل بالنعيم والتعليم والأمان والصحة والبنية التحتية، فيما هو من طمس هوية شعب عمر حضارته أربعة آلاف سنة.. لم يكتف بقتل الشعب ولا بيع آثاره.. بل جعل اليمني مسترخصاً في كل دولة ذهب إليها.

صالح منح أمريكا حصتها من انتقاداته، واتهمها بضرب مخازن الصواريخ في فج عطان وسط صنعاء، وتحدث باعتزاز عن منجزاته التي لم يرها الشعب.

نسي صالح أن يقول للناس أنه حكم اليمن قرابة 34 سنة، لم يبنِ فيها جامعة واحدة داخل العاصمة، ولا مستشفى واحدا، ولا حديقة واحدة، ولا مكتبة واحدة، ولا مركزا للأبحاث العلمية، فإذا كانت تلك العاصمة، فكيف ببقية المحافظات... جردة حساب صغيرة مع صالح ستفضحه على الملأ.. كل الموجود من منجزات كان على نفقة دول الخليج والأوروبيين والآسيويين.. أما هو فقد بنى عائلة متسلطة وجيشاً لحماية العائلة.

من يصدق أن صالح حكم وغادر ولا تزال الطاقة الكهربائية للعاصمة 80 ميجاوات، فيما الحرم المكي 1300 ميجاوات، ومعظم محاكم اليمن تعمل في عقارات مستأجرة، منظرها يستنقص من هيبة القضاء والتشريعات فيها متراجعة وضعيفة خاصة في القضاء التجاري، والبنية التحتية متراجعة في كل المجالات، وهذا ما نفر المستثمرين.

مقابلة صالح مع "الميادين" مارس فيها غواية الكذب والمراوغة، واتهم الرياض بأنها كانت عائقاً شاهقاً أمام الوحدة، وكأنه وحّد البلد وفق أسس ومضامين جعلته منصة انطلاق نحو مستقبل مشرق، وعهد ميمون، وهو الذي فجّر في البلاد حرباً بعد أربع سنوات من وحدته.

مقابلة الرئيس هادي مع قناة "العربية" بدت عفوية، حتى وهي تفضح اتفاقاً سرياً بين صالح والحوثي مكون من عشر نقاط لتقاسم السلطة وفق استنساخ التجربة الإيرانية "ولاية الفقيه"، على أن يتم إلغاء الأحزاب والتجربة الديمقراطية، وتعميد أحمد علي عبد الله صالح مرجعيةً سياسية وعبدالملك الحوثي مرجعية دينية روحية، وقال هادي إنه اتصل بالحوثي، وقال له اتفاقك مع صالح لن يقبل به كل الشعب اليمني.

وفي معظم ما أوردته المقابلة، بدا هادي صادقاً ونقياً، على العكس من صالح الذي ظل مختالاً فخوراً، مشبعاً بالمراوغة والدماء إلى آخر نفس، حيث لم يدع جريمة أو وسيلة ترهق الشعب وتضاعف من معاناته إلا وكان سباقاً لها.. صالح صاحب عقلية جبارة إلا أنها تستخدم في مجال الشر فقط.

لم يخفِ الرئيس هادي حصار الحوثيين لمنزله وقصفه 24 ساعة متواصلة، قتلوا فيها 13 من أفراد حراسته، وجرحوا 47 آخرين، وحين التقيته في الأول من حزيران/ يونيو الجاري، قال إنهم قتلوا أيضاً ثلاثة من أحفاده، وكشف إن الحوثيين أرادوا البقاء عليه لاستثمار "شرعيته" واستصدار قرارات تمكنهم من مفاصل الدولة.

لم تترك الجماعة الحوثية وسيلة للجريمة لم تقترفها، ومثلها وبها يجترح صالح السيئات ويقترف الكبائر من الأثم.. 

نعم.. صالح يرتكب بالجماعة الحوثية الموبقات منذ أن استخدمها قفازات حديدة لإخفاء جرائمه اللاأخلاقية.. حتى وصلت إلى مرحلة تسميم آبار المياه، وقصف سيارات الإسعاف، ومنع المساعدات الأممية من الوصول إلى المحتاجين في مدن عدن وتعز والضالع.

صالح كان رئيساً تفرغ عقوداً طويلة لبناء عائلته، وجيش يحمي عائلته، وترك الشعب يفرح بفتات يعدها عليه نعمة من ولي النعم.