قضايا وآراء

جماعات العنف والاستثمار الغربي الأمثل في الصراع السياسي

1300x600
السياسات الغربية سياسات مركبة ومعقدة تدور في فلك خدمة مصالحها، وتستبيح في سبيل ذلك كل شئ. ولهذا لا غرابة إذا وجدناها تقف مع الشيء ونقيضه في وقت واحد، فلا وجود لمنطق الأسود والأبيض في السياسة، هناك مناطق رمادية كثيرة، ومن هو عدو اليوم قد يكون صديق الغد. 

ومن المهم على الدول العربية وفي طليعتها دول التحالف العربي الجديد إدراك لعبة التوازنات التي تديرها السياسات الغربية، فهاهم الآن يمنحون الشرعية للمليشيات الشعبية في العراق  تحت مبرر مواجهة داعش في المدن السنية مع أن المصادر الإعلامية الأمريكية أكدت  أن واشنطن كانت تشاهد استعدادت داعش على أطراف الرمادي قبل السيطرة عليها، وكان لديها معلومات استخبارية حول استهداف داعش للمدينة، ومع ذلك لم تشن أي هجمات جوية ضدها قبل بدء المعركة، وتركت مهمة القتال للقوات العراقية.

وفي الجهة الجنوبية من جزيرة العرب، بات الجميع يدرك دور السياسات الأمريكية في توفير الغطاء للتمدد الحوثي في اليمن للقضاء على مراكز القوة القبيلة للتيار الإسلامي السني المعتدل، وتحت مبرر الحرب على الإرهاب رغم المواقف العلنية في إدانة هذا التمدد. 

ومن دلائل هذا التعاون السري الغارة الجوية الأخيرة لطائرة أمريكية من دون طيار، قصفت مواقع المقاومة الشعبية الموالية للرئيس هادي تحت مبرر أن المستهدفين عناصر من القاعدة انخرطوا في المقاومة الشعبية، وهذا ما يجعل المراقبين يؤكدون  أن واشنطن تخدم الحوثيين بذلك.

ولم يعد خافيا الجهود الشديدة التي تمارسها أمريكا لإيقاف مساندة قوات التحالف العربي لقوات الشرعية في اليمن، والضغوط التي يمارسونها على الحكومة لحضور مؤتمر جنيف قبل تطبيق الحوثيين لقررات مجلس الأمن السابقة بالانسحاب من المدن وتسليم أسلحة الدولة. 

إن على دول التحالف أن تدرك أبعاد هذه السياسات وألاعيب التوازنات، وتمتلك استراتيجيتها المستقلة لموجهة التمدد الإيراني الداعشي، و لا تعتمد على المساندات الدولية التي لها أهدافها الظاهرة والخفية في تحقيق توازنات، و لا تضع في حسابها غير مصالحها هي فقط. 

وخلاصة القول إن عدم الانتباه لاستراتيجيات الدول الفاعلة في الصراع السياسي يحولنا إلى أدوات لتحقيق استراتيجية الآخرين ومصالحهم، ولو على حساب مصالحنا، وبما يفضي إلى خدمة الأطراف التي تهدد المصالح المستقبلية لدول المنطقة. 

ومن الضروري أن نستفيد من دروس الماضي، وكيف ساهمنا بقصد أو دون قصد في توفير مبررات التمدد الإيراني في العراق واليمن، وكيف نجحت استراتيجيات الآخرين في إيجاد شرخ كبير في المعسكر السني، وصراع بيني داخلي في الوقت الذي التحمت فيه كل التيارات الشيعية مع بعضها في سياق مشروع واحد ولخدمة أهداف موحدة. 

ومن مخاطر عدم التنبه لهذا الاستراتيجيات احتمالات تمدد حركات العنف الإيراني الداعشي في دول  عربية كثيرة في الوقت الذي تنشغل فيه هذه الدول بمحاربة تيارات الإعتدال والوسطية، وتعمل على توسيع الشرخ الداخلي بين الشعوب والأنظمة. 

إن ظاهرة التلاعب بأوراق العنف تتصاعد بصورة خطيرة، والتعويل على المساندة الخارجية غير مجد دون الإدراك العميق لاستراتجيات المصالح الدولية والقدرة على نسج خيوط المصالح في هذا المحيط المضطرب مع الحفاظ على جميع التوازنات.