مقالات مختارة

أُختُنا أُم الشهيد

1300x600
كتب سالم اليامي: في لقاء تلفزيوني دعاني إليه إخوة كرام في إحدى قنواتنا المحلية الوطنية التي تسعى إلى التئام اللحمة، وتعزيز المشاعر والتوجهات الوطنية، للحديث حول البيان الذي أصدرته الزميلة والأخت الكاتبة الصحفية والشاعرة والقاصة، السيدة كوثر الأربش، في أعقاب استشهاد ابنها محمد العيسى، وابني أختها عبدالجليل، ومحمد الأربش.

كانت دعوة كريمة من القناة وموقفا محرجا ومليئا بالحزن والشجن والتأثر، ذلك أن هذا اللقاء يأتي بعد يوم واحد من الحادث الفاشل والغاشم الذي استهدف المصلين في مسجد الإمام الحسين بحي العنود في الدمام، وراح ضحيته الشهيد محمد وأبناء خالته محمد وعبد الجليل.

كما أنه يأتي في الوقت الذي لا تزال دماء المصلين من شهداء مسجد الخليفة علي بن أبي طالب في القديح في محافظة القطيف، لا تزال طازجة وحاضرة في الذاكرة والذهن والوجدان.

بصدق شديد أمام النفس وأمام الله وأمام الناس، وجدت نفسي في حالة من التأثر الشديد سيطرت على كل حواسي، وأصبحت الدمعة أيسر عليَّ من الكلمة، خاصة بعد أن استحضرت البيان الشجاع والعاقل والفطن من السيدة كوثر، حول فاجعة فقدها شباب الأسرة وشباب الوطن، وكم كنت في قمة التأثر وأختنا كوثر تتسامى على جرحها بقوة غير مألوفة، وبصبر وأناة أغبط وطني ونفسي عليها، وهي تتمثل قلب المرأة والأم السعودية في الجانبين الخاسرين للأحبة والأبناء.

كوثر كانت وهي تصرخ لتوقظ مشاعرنا وأحاسيسنا إنسانة و مواطنة، وأم قبل أن تكون منتمية لهذا الفريق أو لذاك المعتقد، كوثر التي كتبت القصة والشعر، وأنجبت الأبناء دعتنا جميعا "رجالا ونساء" في هذا الوطن، لنكون مواطنين صالحين لأنفسنا ولأرضنا ولبلادنا، وحذرتنا بما أوجع قلبها الكبير من ألم الفقد ومحنة الموت من ألا نكون وقودا للفتنة، وألا نقدم الوطن لقمة سائغة لدعاة الفتنة والتخريب والإقصاء.

كانت العبرة تسد كل منافذ الحديث عندي، وهذه المرأة الموتورة في فلذة كبدها تصرخ من داخل معسكر، يتوهم بعض من يرابط فيه كما هو الحال لدى بعض المرابطين في المعسكر الآخر بأنه مغاير ومخالف لتقول: أنا مواطنة أنا سعودية أنا أفتدي وطني ومستقبله بزهرة الفؤاد الطاهرة، ولكن احذروا لا يذهب أحد منكم يا أهلي إلى حافة الهاوية، ولا يذهب الفريقان الواهمان بالوطن ومستقبله وأحلام الأطفال الأبرياء فيه إلى المجهول.

السؤال الذي طُرح في ثنايا الحديث حول الدروس والفوائد التي يمكن أن تستخلص من البيان، ومن الموقف المتميز والشفاف والمؤثر للسيدة كوثر حول كل ما جرى ويجري في ثنايا الوطن، لم أجد له إجابة خيراً مما ورد في البيان الضافي والوطني بامتياز، وهو أن يقوم كل سعودي وسعودية بالدور المطلوب منه لمواجهة هذه المحن، إضافة إلى الدور الرسمي، بأن ننظف عقولنا ونصفي أفكارنا وبيوتنا ومنتدياتنا وكتاباتنا، والمواد التي نقرأها قديمة كانت أم حديثة من كل عناصر وشُبه التلوث الطائفي البغيض.

كوثر الإنسانة السعودية أيقونة للإنسان فينا، للوعي، لحب الأرض للتضحية، للشفافية، للصدق الإنساني الواعي مع النفس ومع الذات والمعتقد والمحيط الصغير القريب، ومع المجموع الشامل والسفينة الكبيرة التي تقل الطامحين لمستقبل أفضل وحياة أفضل.

كوثر هي ابنة الوطن دون تلون وانتماءات، وهي ابنة وأخت وأم كل الصادقين والصادقات في هذه الأرض الطاهرة التي تعلم البشرية الحب والصدق والصفاء، وإن طرأ أمر غير مألوف فيها وعلى عاداتها فهو مؤقت وعرضي وزائل لا محالة، ولن تقبل هذه الأرض ولها من الأبناء والبنات مثل كوثر بالزبد ولن يستقر على سراط الوطن إلا ما ينفع الناس لا غير.

أجدد العزاء الصادق لأختنا في مصابنا الجلل، نعم مصابنا وليس مصابها فقط، وأسأل الله أن يربط على قلبها ويلهمها هي وأسرتها والوطن بأسرته الكبيرة الصبر والسلوان، وأن يلهم الجميع اليقظة والحذر من مخططات الداخل العمياء، وحروب الخارج الحاقدة، التي لا يهمها أن يكون الضحية من هذا الفريق، أو أن يكون الفاعل والمجرم من الفريق المقابل، بقدر ما تسعى بحرص وتحيّط وتمويل لشحن الحرب الخفية بين السعوديين، وعلى السعوديين، على وحدتهم وتماسكهم، وتعايشهم، لينقضوا بقتل كل منهم الآخر، في مشهد بدائي مقيت، ويخربون بيوتهم بأيديهم، هي حرب على الناس وعلى المشاعر وعلى القلوب وعلى الأوطان؟

نسأل الله النجاة منها، فإنه لا يدركها إلا ذوو القلوب الكبيرة والحظوظ العظيمة.

(عن صحيفة اليوم السعودية 5 حزيران/ يونيو 2015)