قضايا وآراء

من ربيع الحرية إلي خريف الماضي

1300x600
بعد أن أفلت شمس الدكتاتوريات وأذن لشمس الحرية أن تشرق وتسطع؛ هكذا تراءى لشعوب الربيع العربي بعد سقوط أعتى أنظمة الدكتاتورية في المنطقة  –تونس ومصر وليبيا– وترنح النظام السوري، ووقوع اللاعب على رؤوس الأفاعي في اليمن.

 كانت الشعارات براقة والأحلام وردية لأنها نابعة من قلوب صافية ونقية، وعقول بسيطة التفكير لم تنضج بعد، ولم تعترك الحياة، ولم تتلوث في دهاليز السياسة، لأنها عقول شابة فتية تحلم بالحرية السياسية والعدالة الاجتماعية، تتوق إلى حرية التفكير والتعبير، وكسر قيود الإبداع، وإزالة  الزنازين التي تحول دون الانطلاق والانعتاق.

 فعلا إنها ثورة الشباب الحالم  بامتياز، وربيع الأمنيات والحلم والبراءة، والغفلة والبساطة لا يسقطان الظلم، ولا يقيمان الدول، ولا بهما تتحقق الأحلام.

كان ربيعنا مؤقت ولم يصمد أمام رياح الخريف العاتية التي عادت بها ريح صرصر، نفخت فيها وذكت جذوتها، وأشعل قبسها قوى محلية، وإقليمية ودولية لم تبخل عليها بالوقود واللهب، والحطب زادت أورها وقوت لهيبها  وأضرمت لفحها لتلهتم كل شيء. هذه الرياح الملتهبة العاصفة كانت لها عدة وجوه وصور وأهداف تشكلها، وتلونها  بحسب حاجتها، وبحسب موقدها والنافخ فيها ومصدرها  وموطنها ومنبعها من الذين  أجادوا  توظيف زهور الربيع على طول امتداده الجغرافي، فحولت الزهور إلى شوك والنبات إلى قنابل والشجر إلى أشلاء متفحمة، والحجر المنظم غالى  دمار وركام باستعمال معاول الهدم  ونيران الغضب  وجحيم الانتقام .

 فهيأت الظروف التي تخدم الغرض من قطع المياه، وإلقاء الحجر في القنوات، وتغيير مجارى الحياة التي تسقي الربيع، لتقضى عليه بأجمل ما فيه من تنوع الأزهار والأشجار. فبدل أن يكون عامل إثراء وتنوع وجمال وبهاء لتكتمل الصورة الجامعة الشاملة لحقيقة الربيع، تحول إلى عامل صدام  وصراع وعدم ثقة بإثارة الفتن بين مكوناته داخل كل حديقة، وأشعلت الصراع بين كل المكونات التي التحقت بركب البراعم الثائرة الشابة وأخذت معها زمام المبادرة، وتصدرت المشهد، إلا أن هناك من كلت أعينهم عن رؤية المستقبل إلا من خلال ماضيهم  واختاروا العيش في أكنافه، ولأنهم هم الماضي وذهاب الماضي يعني ذهابهم، قرروا البقاء وقالوا للربيع إرحل فنحن نعشق الخريف.

استنكروا على هذا الربيع الوجود على هذه الرقعة من الأرض، واستكبروا  على شعوبها أن تتمتع بالعيش في هذا الجو الطلق وتحت ظلال أشجاره الوارفة، فعملوا على إشعال الفتن وإثارة  النعرات وبث الخلافات بين كل المكونات، وزرع الانشقاقات وتبنى سياسة الأرض المحروقة التي لا تبقى ولا تذر، وأعلنوها حربا لا هوادة بها ليعيدوا الأمر إلى ما كان عليه، ليعيدوها  أرضا جرداء لا حياة فيها ولا زرع  ولا ماء  ولا أمل، بل أعادوا  وجهة البوصلة لكي تعود أدراجها إلى الترحم على الماضي الأليم، والبكاء علي سنين الدمار والخراب، والأمل في عودتها والتغني بها على أنها من أيام الماضي الذي بادر في الاطلال بوحهه المقيت، وإن حاول أن يخفيه ويضيف عليه بعض التغييرات التي زادته قبحا إلى قبحه القديم .