مقالات مختارة

أوقفوا خطاب الكراهية

1300x600
كتب محمد المختار الفال: تقسيم المنطقة على أساس ديني طائفي إثني مشروع قديم وضع خطوطه واستنبت جذوره الاستعمار وترك قابليته للتفعيل قائمة.. ولم تنجح الدولة الوطنية في النظام العربي في انتزاع أسبابه لهشاشة هذا النظام.. وحديثا أحيا هذا المشروع المفكر الأمريكي برنارد لويس؛ تمهيدا طبيعيا لقبول فكرة الدولة الإسرائيلية القائمة على أساس ديني.. وفي السنوات الأخيرة ظهر المشروع مرة أخرى في ثوب "نظرية الفوضى الخلاقة" التي عمل على بلورتها الأمريكي دوجلاس فايت وارتبطت باسم وزيرة الخارجية الأمريكية كونداليزا رايس..

وما يجري اليوم هو تطبيق عملي للمشروع، بغض النظر عن المسميات أو اللافتات المرفوعة.. ومن المؤسف أن تكون سياسة إحدى دول المنطقة الأداة التي تساعد على تنفيذ المشروع أو تحقيق أهدافه، حتى وإن ظلت تعلن صباح مساء أنها ما سعت لاكتساب القوة إلا لمقاومة المشروع الصهيوني ونصرة المستضعفين الذين اغتصبت أرضهم وشردوا من ديارهم (!!).

إن ما نشاهده اليوم في سوريا والعراق من إثارة النعرات العرقية والتمايز الطائفي يشكل البرهان والدليل القاطع على أن موجة الكراهية وفتح مخزون الأحقاد سيقود إلى تدمير المنطقة وإهدار طاقاتها وإفقار شعوبها، وتغذية نيران الحروب الأهلية التي لن يستطيع أحد إطفاءها إذا عمت الأرجاء ولم يتداركها العقلاء..

إن هذه الفوضى التي يريد أصحابها تحقيق الأهداف الخاصة تجد غذاءها ودعمها في أخطاء السياسيين الطائفيين، الذين جاءت بهم حماقة بوش الابن حين سلم العراق إلى فئة فقدت بصيرة التاريخ وغابت عنها دروسه، فظنت، في لحظة النشوة، أن الظرف سيمكنها من القفز على الواقع وتجاوز الحقائق لتؤسس مشروعا طائفيا يتجاهل جزءا مهما من النسيج العراقي الثري بتنوع أطياف مجتمعه.

وهناك أخطاء، بل خطايا الخطاب الثقافي والديني، في المنطقة بصفة عامة، حين لم يتمكن من الفصل ما بين الخلافات السياسية ــ وإن تذرعت بلافتات طائفية ــ وبين الاختلافات المذهبية وتباين وجهات النظر في الكثير من القضايا الوطنية.. إن خطاب الكراهية المتنامي في المنابر ووسائل التواصل الاجتماعي يفسد ما تعمل الدولة لإصلاحه على مستوى الحقوق والواجبات.. وقد تسللت المجموعات الإرهابية تحت مظلة الخطاب المتوتر واللغة المشحونة والتركيز على عيوب ونقائص المختلف، لتغري بعض السفهاء قليلي العلم والدين والخبرة ليكونوا وقود نارها الموجهة إلى الجميع.. وإذا لم يعالج هذا الخطاب الباث للكراهية، فأخشى أن يتزايد التباغض وسوء الفهم وشحن النفوس، وهو الأمر الذي لن يستفيد منه إلا من يريد أن يرى شعوب هذه المنطقة ودولها وقد دخلت في صراع مدمر يحرق الأخضر واليابس.

 (عن صحيفة "عكاظ" السعودية- الأحد 24 أيار/ مايو 2015)