ملفات وتقارير

بن لادن "المدير" والأمني الحريص.. شدد على ضرب أمريكا

بدا بن لادن مهتما في الإدارة وشديدا في الاحترازات الأمنية
"التركيز على ضرب الولايات المتحدة، وتوحيد جهود أجنحة تنظيم القاعدة لذلك، والاستفادة من ثورات الربيع العربي وتوجيهها "، كانت أهم الأمور التي يعمل عليها زعيم التنظيم والأب الروحي له، أسامة بن لادن، في الفترة الأخيرة من حياته، وكشفت عنها الاستخبارات الأمريكية.

وأظهرت الوثائق التي نشرت بعنوان "رف كتب أسامة بن لادن"، التدابير الأمنية العالية التي كان يتخذها أسامة بن لادن، بالإضافة إلى متابعته شخصيا منتسبي التنظيم وتركيزه على البيانات المرفقة "للمجاهدين"، فضلا عن أفكاره التكتيكية واهتمامه بالشكل العام للتنظيم.

وكان مكتب مدير المخابرات الوطنية الأمريكية كشف عن وثائق جديدة، توصلت إليها مخابرات البحرية الأمريكية عند اغتيالها الزعيم السابق لتنظيم القاعدة أسامة بن لادن في العملية التي تم تنفيذها في أبوت أباد بباكستان في أيار/ مايو 2011.

"أمريكا أولا"


وأفادت الوثائق بأن بن لادن كان يدعو أنصاره إلى "مواصلة التركيز على شن هجمات على الولايات المتحدة".

وكتب بن لادن في واحدة من هذه الوثائق التي عثر عليها في منزله في أبوت أباد أن "الأولوية يجب أن تكون قتل ومقاتلة الأمريكيين وممثليهم".

وأظهرت رسالة بتاريخ تموز/ يوليو 2010 كانت بين المواد التي نشرتها المخابرات الامريكية أن بن لادن ضغط على تنظيم القاعدة في اليمن وهو من أكثر الأجنحة نشاطا لتحقيق السلام مع الحكومة والتركيز على "أمريكا".

وكان رأي بن لادن هو أن تنظيم القاعدة في جزيرة العرب يجب أن يوقع هدنة مع السلطات اليمنية أو يتوصل لترتيب مناسب تترك بموجبه السلطات اليمنية التنظيم وشأنه "مقابل التركيز على أمريكا".

"استثمار" الربيع العربي وتوجييه

وفي حديثه عن ثورات الربيع العربي، وسقوط "طاغية" تونس، وإسقاط المصريين "أكبر وأعتى وكلاء الكفر العالمي في المنطقة"، قال بن لادن: "فالحدث هائل وعظيم جدا والواقع والتاريخ يظهران أنه سيشمل معظم العالم الإسلامي والأمور بفضل الله تسير بقوة نحو انفلات ديار الإسلام من الهيمنة الأمريكية".

وأضاف بن لادن في الوثيقة المنشورة أن "قلق أمريكا من سلسلة الثوارت في المنطقة كبير جدا، وقد عبرت عنه وزيرة الخارجية بقولها: نخشى أن تقع المنطقة بأيدي الإسلاميين المسلحين. كان هذا قبل أن تصل الأوضاع إلى ما وصلت إليه بعد أن انطلقت ثورة مصر، فمصر هي بوابة السد، وسقوطها سقوط باقي الطواغيت في المنطقة وبداية عهد جديد للأمة بأسرها".

وتابع بأن "هذا الواجب العظيم واجب التوجيه والإرشاد المرتبط بمصير أمتنا إلى الآن لا يجد من يسده بتوجيه واعٍ منضبط بكامل قواعد الشريعة، وقد سبق أن طالبت في خطاباتي بأن ينتدب الصادقون في الأمة من أنفسهم عددا من العلماء والحكماء ويشكلوا مجلس شورى يتابع قضايا الأمة ويقدم لها التوجيه والرأي والمشورة".

"لكن بعد مرور هذه المدة ودخول الأمة في هذه المرحلة المصيرية أصبح لازماً علينا أن نقوم نحن بهذا الواجب ونسد بقدر استطاعتنا هذا الثغر العظيم الذي أصبح من أوجب الواجبات بعد الإيمان لتتحرر الأمة بإذن الله ويعود للدين مجده"، على حد تعبير بن لادن.

الخروج من أفغانستان.. والإعلام المبرمج

وفي نفس الوثيقة التي تحدث بها عن ثورات الربيع العربي، قال بن لادن إنه "لا يصح بحال أن نبقى منهمكين في جبهة أفغانستان سعياً على أن يكون تحرير الأمة من قِبلها، فجبهة أفغانستان قد آتت ثمارها بكسر هيبة الكفر العالمي، ولا نعني بذلك أن نوقف الجهاد فيها، وإنما نعني أن تكون جل جهودنا منصرفة إلى الاتجاه الذي يظهر أو يغلب على الظن أنه هو السبيل لتحرير الأمة، وكما ذكرت، المؤشرات قوية من الواقع والتاريخ أن ثورة الشعوب المسلمة إن أضيئت بإدراك حقيقة التوحيد هي الطريق لإعادة الخلافة بإذن الله".

وقال إنه يجب أن نسعى في زيادة الانتشار الإعلامي المبرمج والموجه، وأن تكون جهودنا في توجيه الأمة مدروسة ومستقرة على خطة محددة نتشاور جميعا عليها، حيث إن المرحلة مهمة جداً وخطيرة ولا تحتمل التباين الظاهر بين توجيهاتنا.

وأوضح أن خطوات المرحلة القادمة هي الآتية:

1 ــ مرحلة التدافع مع النظام، وهي مرحلة الأخذ على أيدي الشعوب وتشجيع تمردها على الحكام وذكر أنه واجب شرعي فنركز سهامنا على إسقاط الحكام دون إدخال أي مسائل خلافية؟

2 ــ مرحلة ما بعد إسقاط الحاكم وهي مرحلة التوعية وتصحيح المفاهيم.

الاهتمام بالموارد البشرية للتنظيم


وأظهرت الوثائق حرص أسامة بن لادن على معرفة أدق التفاصيل حول الأعضاء المنتمين للتنظيم، وتوجيههم بحسب معاييره الخاصة.

وتبدأ استمارة التجنيد في التنظيم، بحسب ما تظهر الوثائق بطلب البيانات الشخصية: "رجاء تعبئة الاستمارة بالمعلومات المطلوبة بشكل دقيق ونزيه. اكتبوا بخط واضح ومقروء الاسم واللقب والعمر والوضع الاجتماعي.. وهل ترغبون في تنفيذ عملية استشهادية؟".

وتظهر الوثائق ومعظمها مذكرات داخلية أو مسودات لخطب لم تلق، اهتمام بن لادن في الإدارة.
ويدعو إلى تدريب الأكثر اندفاعا، ومن يملكون أقوى القناعات الدينية وخصوصا أصحاب الشهادات الجامعية في أماكن آمنة في باكستان.

وتشدد المذكرة: "يجب التحلي بالورع والصبر"، مشيدة بتكتم من نفذوا اعتداءات 1998 ضد السفارة الأمريكية في نيروبي.

وتضيف: "كل شخص يبدي مللا أو لا ينهي المهام الموكلة إليه ويغضب بسرعة، يجب سحبه من المهام الخارجية. لقد بقي إخواننا في المنزل بكينيا لمدة تسعة أشهر".

الاحتياطات الأمنية

في رسالة حملت تاريخ 26 أيلول/ سبتمبر 2010، يعطي بن لادن أوامر دقيقة حتى تتمكن زوجته من الانضمام اليه دون مخاطر أمنية قد تنجم عن الإهمال.

وكتب بن لادن في رسالته: "قبل وصول أم حمزة إلى هنا يجب أن تتخلص من كل شيء بما في ذلك الملابس والكتب، وكل ما كانت تملكه في إيران" قبل أن يوضح أنه "تم تطوير شرائح (إلكترونية) مؤخرا للتجسس، وهي دقيقة إلى الحد الذي يمكن من إخفائها بسهولة في حقنة".

ويضيف: "وبما أنه لا يمكننا الوثوق بالإيرانيين فإنه من الممكن زرع شريحة في بعض الأغراض التي تأتون بها معكم".

وفي رسالة أخرى لا تحمل تاريخا، لخص بن لادن فلسفته في المجال الأمني قائلا: "ستسير الأمور على ما يرام طالما التزمنا بالتعليمات".

ويؤكد أن "الإجراءات الأمنية في وضعنا يجب أن تطبق بشكل دائم من دون أدنى هامش للخطأ".

نجل بن لادن وانضمامه "للمجاهدين"

وفي إحدى الوثائق، تظهر رسالة من من حمزة إلى والده أسامة، تظهر رغبة الولد في لقاء أبيه، كما أنها تشير إلى رغبة حمزة في الانضمام إلى المجاهدين، وهو الأمر الذي منعه العذر.

وتتحدث الوثائق عن شاب يصف نفسه بأنه "صلب مثل الفولاذ" ومستعد للالتحاق بوالده وصولا إلى "النصر أو الشهادة". كما أنها تكشف كيف كان قادة القاعدة يسعون لإيصاله إلى مكان والده.

وكتب حمزة في تموز/ يوليو 2009 عندما كان في الإقامة الجبرية في إيران، إن "ما يحزنني فعلا هو أن كتائب المجاهدين تتحرك وأنا لم ألتحق بها".

وأضاف: "أخاف أن أمضي شبابي وراء القضبان". وتابع: "أبي العزيز، أعلن لك أنني على غرار آخرين، سنسلك بمشيئة الله الطريق نفسه طريق الجهاد".

ويصف حمزة الذي لم يكن قد التقى والده الهارب منذ ثمانية أعوام "آلام الفراق" في سن الـ13 والأمل برؤيته من جديد. ويقول: "قلت لنا إلى اللقاء ورحلنا. كما لو أنه كبدنا انتزع وبقي هناك".