مقالات مختارة

أبو تريكة

1300x600
لماذا أحب الناس لاعب النادي الأهلي والمنتخب الوطني محمد أبوتريكة؟ ولماذا تضامن معه معظم المصريين في محنته الأخيرة وعبروا عن استيائهم من قرار التحفظ على أمواله نتيجة مساهمته في شركة قيل إنها تدعم الإخوان؟

المؤكد أن شعبية أبوتريكة جارفة ولن ينتقص منها محاولات البعض تحويل أي خلاف سياسي إلى فرصة لتدمير كل ما هو مشرق في ذاكرة الناس، وخاصة مشاعر الحب المستحقة التي أعطاها ملايين المصريين إلى لاعب فذ كرويا وأخلاقيا.

نسي البعض أو تناسى أن أبوتركية كان مصدر سعادة ملايين المصريين على مدار سنوات حكم مبارك، حين عانت البلاد من الجمود والفساد، ولم يكن مسموحا بأن يكون هناك نجم في السياسة أو في العلم، (لأنه يمكن أن يتكلم في السياسة كأحمد زويل مثلا)، أو داعية شاب مؤثر، لأن المطلوب أن يكون الشاب الوحيد هو «الوريث الشاب».

أبوتريكة كان أصغر من أن يكون شابا يمثل خطرا على الوريث، ولم يكن عضوا في جماعة الإخوان المسلمين ولا في أي حزب سياسي آخر، وكان بعيدا عن العمل الحزبي والسياسي، وأبدى الرجل بعض الآراء التي كانت تدل على أنه ليس مع نظام مبارك، واكتفى بإعلان تعاطف إنساني مع غزة بعد العدوان الإسرائيلي على القطاع في 2009، حين رفع قميصه الرياضي ليرى الناس جملة: متعاطف مع غزة، وفي عز مشتمة السباب المخجلة بين جزء كبير من الإعلام المصري والجزائري، نأى أبوتريكة بنفسه عن هذا المستنقع وأعلن بعد نجاح الجزائر العربية في الوصول إلى كأس العالم، أنه سيشجعها في موقف قومي نبيل.

ليس غريبا أن يشن صناع الكراهية والتحريض في مصر حملة عليه، وليس غريبا أن يتمسك الناس بحبهم له حتى لو تخلى عنه بعض زملائه؛ لأن أخطر ما يمكن أن تثيره قضية أبوتريكة ليس ما قاله المستشار محفوظ صابر، وزير العدل: «إن لاعب الأهلي السابق شخصية محبوبة لدى المواطنين، ولكنه ليس فوق القانون، وإن وسائل الإعلام وراء الضجة التي حدثت بسبب قرار التحفظ على أمواله».

صحيح أن أبوتريكة ليس فوق القانون، ولا يعني تاريخه المشرف ولا حب الناس له أن يقبل أحد أن يكون فوق القانون، إنما أخطر ما يمكن أن يتعرض له أبوتريكة وغيره أن يحاكم بسبب آرائه ومعتقداته السياسية، مهما كانت، لأننا بذلك نكون انتقلنا إلى مرحلة خطرة، يحاسب فيها الناس على توجههم الفكري وآرائهم السياسية، لا على تحريضهم على العنف أو ارتكابهم أعمالاً مخالفة للقانون.

القضية لم يكبرها الإعلام، كما قال وزير العدل، إنما هي صدمت الكثيرين وستعمق شروخا كثيرة في المجتمع المصري، يصر أهل الحكم على ألا يروها، فحتى لو كانت آراء أبوتريكة مؤيدة للإخوان أو متعاطفة معهم أو معارضة للسلطة، فهو أمر غير مجرم وفق الدستور والقانون، لأن هناك مثل أبوتريكة ملايين المصريين يعارضون المسار الحالي، تقابلهم أغلبية من المصريين تؤيده، والأوائل ليسوا في غالبيتهم الساحقة أعضاء في تنظيم الإخوان، والآخرون ليسوا فلولاً ولا فاسدين كما تروج الدعاية الإخوانية.

وإذا أراد هذا البلد أن يتقدم خطوة للأمام، فإنه يحتاج أن يتعايش فيه الأغلبية والأقلية معا تحت مظلة الدستور والقانون، وهو أمر لن تحققه محاكمة أبوتريكة أو غيره على آرائه السياسية.

سأظل محبا ومتضامنا مع أبوتريكة اللاعب الفذ رياضيا وأخلاقيا، وعندي ثقة كبيرة في استقلال وعدالة القضاء المصري العريق، الذى أخرس ألسنة كثيرة بحكمه على مبارك، وأثبت أنه قضاء أدلة ودفوع لا يؤثر فيه الصراخ السياسي.



(نقلا عن صحيفة المصري اليوم)