كتاب عربي 21

كله تمام يا أفندم!

1300x600
هذه خلاصة كتيب تسيير الأعمال في الكيان المتهالك المنهار الذي نسميه مجازا (الدولة المصرية).
ليس مهما ما حدث، المهم النتيجة!

لا بد أن تكون نتيجة أي حدث أو حادثة أو أزمة أو كارثة (كله تمام يا أفندم)!

بإمكانك أن تفعل وأن تقول وأن تقدم ما شئت من مقدمات، المهم في النهاية أن تصل إلى تلك النتيجة المريحة للجميع، وإذا سولت لك نفسك أن تقول الحقيقة التي لا ترضي أهل الحكم فانتظر الصواعق الحارقة.

ظل عبدالناصر يطمئن الناس، ويؤكد لهم أننا نصنع الطائرات النفاثة والصواريخ العابرة للأحلام، وفي النهاية سحقتنا إسرائيل في عدة ساعات.

وكذلك فعل السادات، وحاول أن يثبت للداخل والخارج أنه رجل مصر القوي الذي يستطيع تثبيت كل المتغيرات، وتغيير كل الثوابت الراسيات، حتى قتل في النهاية في يوم زينته، وبين جنوده، بعد أن ورثنا دولة خربة تحكم فيها سلفه ثلاثين عاما.

مبارك.. أعمته كلمة (كله تمام يا أفندم) عن جميع عيوب حكمه، حتى تضاعفت كورم سرطاني لا فائدة من علاجه.

واليوم.. أصبحت هذه الجملة فلسفة حكم، ومنهاج دولة، فلا يمكن أن تقصر الدولة، ولا يمكن أن يخطئ المسؤول.

لن أحاول إقناعك بأضرار الفوسفات في الماء، ولن أحاول أن أتهم أحدا بترويج قناعات معينة، ولن أحاول أن أقنعك بأن ما يحدث سببه حكم العسكر، ولكن سأحاول أن أتابع ردود أفعال الدولة على ما حدث، لكي تتأكد بنفسك أننا نعيش في "خرابة"، وأن هذه الأبواق التي تقنعك بأن الدولة في خطر ليست أكثر من صدى لصوت الهراء، فالدولة قد هدمت بالفعل، ويكفينا ستين عاما من الحكم العسكري لكي تتآكل المؤسسات.

الخبر كما ورد في اليوم الأول كانت خلاصته (صندل تابع للقوات المسلحة – واخد بالك؟ – غرق في النيل بعد اصطدامه بكوبري دندرة، وفي رواية أخرى انقلابه أسفل كوبري دندرة، وذلك بمحافظة قنا).

بعد قليل بدأت الأخبار تغير الصياغة، وأصبحت تتحدث عن الصندل (سيناء) الذي كان يقل حمولة لشركة النصر للتعدين، أي أنه تابع لشركة السكر.

بعد الحادث المروع سكت الجميع إلا مواقع التواصل الاجتماعي، ولولا الضجة التي أثارها الناس لما نطق أحد.

مع الضغط ... بدأت الصحف تتحدث عن العواقب الصحية والبيئية للموضوع!

 هل من خبراء؟

لا يوجد خبراء، فقد أصاب الخرس الجميع، وإذا وجد.. تشم رائحة التوجه السياسي في التحليل فورا، فترى متحدثا يتحدث عن عظمة الدولة، وعن استحالة أن يرتكب الجيش خطأ بنقل هذه الحمولة الخطيرة في النيل، ثم يبدأ بإعطاءك بعض المعلومات العلمية!!!

المعلومات التي تتحدث عن أخطار الفوسفات منطقية، ولكن ينقصها كثير من المعلومات عما حدث.
والحقيقية المرة.. أن الدولة تكتمت على الأمر، وما زلنا حتى اليوم لا نعرف أي معلومات دقيقة عما حدث.

صحيح أننا في دولة يحكمها دستور يتحدث عن حرية تداول المعلومات، ولكن الواقع أقوى من أي جملة في أي دستور، والدبابة في الشارع تدوس على سائر الدساتير، نحن في عصر العضلات، نحن في زمن استعراض القوة!

لقد كان أداء الدولة المصرية في هذه الأزمة يدعو إلى الثورة، فكانت جميع التصريحات تقول بكل وضوح (كله تمام يا أفندم)، بينما الناس في الواقع في رعب شديد، في أمر يتعلق بأهم ما في حياتهم، وما زالوا حتى اليوم في حالة نقص معلوماتي فاضح فادح.

الدكتور خالد فهمي وزير البيئة تصريحاته مطمئنة، هي تصريحات متأخرة، بعد الحادثة بيومين، ولكنها (كله تمام يا أفندم)، يقول الوزير: "عنصر الفوسفات لا يشكل أي خطورة على المياه، وجميع المصريين يستطيعون شرب مياه النيل بلا أضرار، ومادة الفوسفات فى دول أخرى وخصوصا دول أمريكا اللاتينية تلقى فى المياه لزيادة إثراء المياه لو ناقصها عنصر الفوسفات، وليس هناك مدعاة للقلق".

الحمد لله على الحادث.. نحن الآن مطالبون بشكر الدولة على إهمالها!

من يعترض على إلقاء الفوسفات في النيل لا بد أن يحرم من الماء.. تماما مثلما حرمنا من لا يعجبه اختراع عبدالعاطي من العلاج بالكفتة!

موتوا بفيروساتكم يا أعداء الجيش والشرطة!

المطلوب من الدولة أن تعطينا بعض المعلومات لكي نستطيع تقييم حجم المخاطر، ولكن ذلك مستحيل، وإذا طالبت به، أو أبديت تذمرك من ذلك فسوف تصنف على أنك عضو في جماعة الإخوان المسلمين (الإرهابية جدا)، هذا ما نشرته صحيفة المخابرات إياها (الإخوان تنشر شائعات تلوث مياه النيل باليورانيوم بعد غرق 500 طن فوسفات)، والحقيقة أن إدخال التحيز السياسي في هذا الأمر هو عين التنطع الوطني، بل هو محاولة مخابراتية رخيصة لخلط الأوراق.

لو كانت هناك دولة لعرفنا ما هو نوع الفوسفات الذي سقط (حجري أم غير ذلك)، ولعرفنا ما هي مكونات ما سقط (الفوسفات أنواع كثيرة وضررها يختلف)، ولعرفنا متى وأين ولماذا وكيف تم ذلك، ولتابعنا عبر سائر الشاشات الإجراءات العملية لانتشال ما سقط، ولكن هيهات أن تظفر بهذا الحق في دولة يحكمها سفاحون.

لو كانت هناك دولة لعرفنا من المسؤول، ولحاسبناه، ولو ثبت تقصيره لعاقبناه، ولو تواطأ معه أي أحد فسوف يكون مصيره مثله.

لو كانت هناك دولة لما سمح لأي أحد بأن ينقل حمولة خطيرة مثل تلك الحمولة في مجرى النهر أصلا.
لو قارنت أداء الإعلام مع كل كارثة (كالقطارات مثلا) في عهد الرئيس مرسي، وبين التغطية (المخنثة) التي تمت مع هذه الكارثة.. لعرفت أننا أمام مؤسسات لا يمكن اعتبارها مؤسسات إعلامية، إنها كيانات لجمع المال، وتحريض الناس على القتل، وتزييف الحقائق من أجل إطالة عمر دولة الاستبداد.. هؤلاء لا علاقة لهم بالإعلام، إنهم مجرد رجال شرطة سرية، ولكن لهم زيهم الخاص (لزوم الشغل).

إذا أردنا أن نحافظ على الدولة فلننقذ هذه الدولة من هذه العصابة التي تحكمها.

يا شعب مصر العظيم.. آن الأوان !

عاشت مصر للمصريين وبالمصريين..