مقالات مختارة

رسالةُ البابا: هاجموا رموز حضارتهم

1300x600

في الحقيقة كنا ننتظرُ رسالةً أكثر قسوة من البابا، لأن العالم الإسلاميّ كلّما دخل في حربٍ أهلية في التاريخ شنّ عليه البابا حرباً صليبية، واليوم يعيشُ العالم الإسلاميّ حرباً غير مرئية منذ 300 سنة، ولذا فإنّ البابا قد أرسل رسالته المعهودة، وقد حدّد الهدف في هذا النداء، وهو تركيا التي تعتبرُ رمز العالم الإسلاميّ، متهماً إياها بالتفرقة العرقية.

لقد تأسّست أوروبا وفق نظامٍ خاص من ثلاثة أعمدة، وهو عبارة عن إرثُ الإمبراطورية الرومانية المقدسة والعقيدة المسيحية والفلسفة اليونانية، واليوم، مهما قلنا، فإن أوروبا لن تحيد عن أسُسها الثلاثة هذه، وروما هي مصدرُ فخر كلّ أوروبا، فقد وضع حجر أساس الاتحاد الأوروبي في عام 1957 في روما، وقد كانوا يحلمون حينها باستعادة الإمبراطورية الرومانية، وقد وقّعوا على دستور الجمهورية الأوروبية عام 2005 في روما أيضاً.

وتمّ نصبُ هيكلٍ للبابا الذي أصدر قرارات شنّ الحروب الصليبية في روما أيضا، فأصبح قادة روما وكأنهم يوقّعون على دستور روما المقدسة أمام تمثال البابا، وقد وقّعت تركيا على هذا الدستور بصفة مراقبٍ فقط، ولكن ذلك الاحتفال الضخم الذي شاركت فيه 37 دولة كان رمزاً لنشر المسيحية بكل معنى الكلمة، فأوروبا تحبّ الحديث عن الرموز. 

أكبر تحدٍ للغرب

الإمبراطورية الرومانية هي الحلم الأوروبيّ الذي لا ينتهي، وجنّة الأرض بالنسبة لهم. لطالما حلموا أن يكونوا مثل روما، ولطالما قلّدوها، ثم انقسمت روما إلى شرقية وغربية، وحين بدأ الجميع بالادعاء بأنه هو الوارث الحقيقيّ للإمبراطورية جاء ضابط ٌفي الثانية عشرة من عمره وفتح إسطنبول وأسقط روما الشرقية، فغيّر مجرى التاريخ.

إن أكبر تحدٍ واجه الغرب هو فتح العثمانيين لإسطنبول، وهدمهم روما الشرقية ومسحها من التاريخ، وقد أرسلت الدولة العثمانية رسالةً أخرى من إسطنبول للغرب: لقد أصبح الوارث الحقيقي لروما هو قائد القسطنطينية السلطان محمد الفاتح.

إسطنبول وارثة روما هي هدفهم جميعا

منذ ذلك اليوم، لم تنسَ أوروبا ذلك التحدي، فإسطنبول كانت ثاني أكثر المدن قداسة في الإمبراطورية الرومانية بعد روما، تخيّلوا أن أكبر معبدٍ في العالم وقع في أيدي المسلمين. فأصبح بإمكان المسلمين العثمانيين تقسيم المسيحيين، وليس هذا وحسب، بل أقام المسلمون حضارتهم على مدينة روما والفلسفة اليونانية والعقيدة المسيحية، أي على أسس الحضارة الغربية، فلم تتمكن أوروبا أبداً من هضم هذه الحملة التي هدّدت وجودها وحياتها، وقد أثبت لهم العثمانيون أنهم على حق في خوفهم حين وصلوا إلى أبواب فينا. 

لم توقف أوروبا حروبها الصليبية أبداً

لو سقطت فيّنّا لخضع كاملُ أوروبا للحكم العثماني، وكان العالم سيتغيّر، وسيُكتب تاريخ أوروبا والمسيحية وروما والفلسفة اليونانية بشكلٍ آخر، وقد عاشت أوروبا هذا الخوف منذ حصار فيّنّا، ولهذا أقسموا على هدم الحضارة الإسلامية.

لقد قاموا بالحروب الصليبية بنيّة إنهاء الحضارة الإسلامية تماماً، فإن تغيّر حجمها وكثافتها لم يتغير هدفها أبداً، ولن تقف أبداً حتى تنتهي حضارتنا، اليوم هؤلاء الأوروبيون الذين وقفوا أمام تمثال البابا، وأنشأوا الاتحاد الأوروبي، مستعدون لعمل أيّ شيء في هذه الفترة التي يملأ فيها الإرهاب والحروب العالم الإسلامي. 

الجمهورية العثمانية هي كابوس حلم الإمبراطورية العثمانية

كما هي العادة، تركيا التي تحمل أكبر رايات العالم الإسلامي، والتي قامت بأكبر تحدٍ للعالم الغربيّ، هي أهمُ خصمٍ للغرب، فكلما زادت قوّة تركيا تحوّل حلم الإمبراطورية الرومانية إلى كابوس، فقد كادت الدولة العثمانية أن تمحيهم من التاريخ، واليوم لن يُعطوا هذه الفرصة مجدداً أبداً، على العكس، يريدون مسح الإسلام والشرق الأوسط من التاريخ عن طريق إخضاع تركيا لسيطرتهم.

نحن نتحدث عن حربٍ بين الحضارات. نعم، نتحدّث عن الحروب الصليبية التي تسعى لنشر الفوضى بيننا وإراقة دمائنا، فلا تستخّفوا برسالة البابا التي استهدفت تركيا الآن، فهذه الرسالة التي وجّه فيها التهمة لتركيا للتفرقة بين الأرمنيين تزيد من قوّة أوروبا التي ترغب بالانتقام، فعلى تركيا بمقابل هذا أن تؤمّن السلام الداخلي وتقوي صفوفها، وإلا ستهلكُ حضارتُنا.