مقالات مختارة

كلام إيراني في غير محله

1300x600
كتب غازي العريضي: لم يكن تصريح السيد علي يونسي مستشار الرئيس الإيراني حسن روحاني في مكانه، بل كان تصريحاً استفزازياً للعراق بكل مكوناته، وللمكوّن السني، ولكل المنطقة العربية وخصوصاً الجزء الخليجي منها.

ولا أدري ما هو مبرر هذا الكلام في هذا التوقيت بالذات الذي تميزت فيه المواقف الإيرانية المعلنة بالحرص على أفضل العلاقات مع دول الجوار، وعلى وأد الفتنة المذهبية ومواجهة الحملة الإسرائيلية ضد الاتفاق النووي المرتقب بين إيران ومجموعة الـ 5+1!

فالحديث عن امبراطورية إيرانية عاصمتها بغداد تأكيد للمطامع الإيرانية التي تحدث كثيرون عنها وإسقاط لعروبة العراق وانتمائه، وتهديد لوحدته، في وقت تشن فيه بقايا القوات العراقية النظامية، و«جيش» الميليشيات الشعبية حملة لتحرير تكريت في شكل يستفز كل الذين يقفون ضد «داعش»؛ نظراً للممارسات التي رافقت العملية وما سبقها من عمليات ضد السُنّة في العراق.

وقد نبّه إلى خطر ذلك المرجع آية الله السيستاني. واللافت أن الرئيس روحاني الذي ردّ على نتنياهو وحملته بالقول إن إيران لا تريد تدمير إسرائيل، وذكّره بأنها حمت اليهود وأنقذتهم أكثر من مرة في التاريخ، يتطلع إلى مستشاره يقول مثل هذا الكلام عن العراق العربي وعاصمة الخلافة فيه!
ويتزامن هذا الموقف مع ما قاله علي شمخاني أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، بأن إيران «منعت سقوط بغداد ودمشق وأربيل، وأنها باتت على ضفاف المتوسط وباب المندب»، بما يذكر بما قاله أيضاً ممثل خامنئي في «الحرس الثوري» منذ أيام «إن ثمة جيشاً ضخماً من القوات الشعبية يتكون في المنطقة، وهي حركة لا يمكن هزيمتها»! إضافة إلى تصريحات أخرى تعلن الإمساك بباب المندب ومضيق هرمز وأبواب قناة السويس.

إن الاستعراضات والمناورات التي أجرتها القوات الإيرانية في أكثر من مكان، في وجه التهديدات الاسرائيلية وبعض المواقف الأمريكية التي تحدثت عن دراسة إمكانية اللجوء إلى الخيار العسكري ضدها، وإعلان المشاركة في القتال في سوريا والعراق رسمياً، مواقف يمكن فهمها في سياق لعبة عض الأصابع، وفي الربع الساعة الأخير المتبقي من الوقت المحدد للوصول إلى اتفاق مع مجموعة الـ 5+1.

لكن أحداً لا يمكن أن يقبل المواقف الأخيرة عن الامبراطورية الإيرانية، وعاصمتها بغداد، وإنْ كان البعض يتحدث عن وقوع المنطقة بين مشروعين لامبراطوريتين يستعيد أصحاب كل واحد منهما أحلام الماضي البعيد: الامبراطورية الإيرانية، والإمبراطورية العثمانية، إضافة إلى المشروع الإسرائيلي. صحيح أن بلاد العرب ليست في حال جيدة.

صحيح أن العرب ضائعون تائهون غير فاعلين، لكن من الخطورة بمكان التصرف على أساس أن استباحة الأرض بكل ما فيها وما عليها بهذه الطريقة من أي فريق من الفريقين أمر سهل. قد يتحقق الكثير منه واقعياً، لكن المنطقة ستدخل في حرب مذهبية مفتوحة لن يسلم منها أحد، ولا أعتقد أن هذا الأمر في مصلحة أحد. ستحاول إسرائيل الاستفادة أكثر من كل هذه التطورات لتبرير «مخاوفها» المزعومة وتمرير مشاريعها المشبوهة!

لذلك سواء أكانت التصريحات المذكورة تعبّر عن ارتياح للشراكة الأمريكية – الإيرانية الواضحة في أكثر من موقع لاسيما في العراق، وقد عبّر عنه مؤخراً رئيس أركان الجيوش الأمريكية «مارتن ديمبسي» من قلب بغداد، عندما قال: «لا مؤشرات على أن الميليشيات العراقية المدعومة من إيران سوف تنقلب على الولايات المتحدة». أو تأتي في سياق إثبات القوة والمبالغة في ذلك، ففي كلتا الحالتين لسنا بحاجة إلى مزيد من الحقن والشحن والتفتيت.

وإذا كان ثمة من يبرر التصعيد الإيراني الأخير بإبراز وجه ودور وموقف المتشددين في طهران، بالتزامن مع تقدم موقف المتطرفين المتشددين في الكونجرس الأمريكي، فإنه كان من الممكن اللجوء إلى أساليب ومواقف أخرى تحقق الهدف بطريقة أفضل، ولا تؤجج الصراع والفتنة المذهبية في منطقتنا، وهذا ما يفيد إسرائيل وحلفاءها في واشنطن وغيرها!

(عن صحيفة الاتحاد الإماراتية، 14 آذار/ مارس 2015)