سياسة عربية

الأردن يتبنى نهجا حاسما في التصدي للجهاديين المحليين

الأردن يتبنى نهجا حاسما في التصدي للجهاديين المحليين - أرشيفية
في محكمة أمن الدولة الأردنية وقف أعضاء تنظيم الدولة مرتدين ملابس عسكرية خضراء في قفص حديدي أسود اللون، وقد أرخوا لحاهم منتظرين صدور حكم.

وكان القفص شبيها جدا بذلك الذي وضع فيه رفاقهم في سوريا الطيار الأردني معاذ الكساسبة وأحرقوه حيا. وهو ما أشعل حالة من الغضب في المملكة التي دخلت في تحالف غير سهل مع الغرب ضد تنظيم الدولة.

ولم يرمش جفن للمتهمين حينما أصدر القاضي العسكري أحكامه التي تراوحت بين السجن ثلاثة أعوام و15 عاما مع الأشغال الشاقة.

وكانت التهم شاملة "تجنيد عناصر وتهريب أسلحة ورجال للقتال في صفوف الجماعات المتشددة في سوريا والترويج لفكر جماعة إرهابية من خلال فيديوهات على وسائل التواصل الاجتماعي، ومبايعة أبو بكر البغدادي الذي أعلن نفسه خليفة للدولة الإسلامية ودعوة الآخرين لمبايعته".

ولم يكن لهؤلاء أي علاقة مباشرة بإعدام الكساسبة ولكن حكمت الرواشدة وهو أحد المحامين في محكمة أمن الدولة قال إن العقوبة القاسية متأثرة بذلك.

وأضاف أن "أعدادا متزايدة من المتهمين أحيلت للمحاكم العسكرية منذ أن قام تنظيم الدولة الإسلامية بإعدام الطيار الأردني الذي تحطمت طائرته على أرض يسيطر عليها المتشددون في ديسمبر/ كانون الأول".

ويرفض المسؤولون المزاعم بوجود ظلم، ويقولون إن كثيرا من المحالين للمحاكمات اعترفوا بمشاركتهم في القتال في سوريا. ويقول هؤلاء إنهم عادوا للأردن بعدما نفروا من كثرة الإعدامات وشدة العنف والدمار. ولكن الحكومة تخشى أن يكونوا جزءا من خلايا نائمة تعتزم شن عمليات إرهابية.

وهنا تكمن الإشكالية بالنسبة للأردن.

فجيشه وأجهزة أمنه التي تتوخى اليقظة الشديدة تعتبر على نطاق واسع قادرة على التصدي لأي عمل تقوم به الدولة بغرض توسيع رقعة الأراضي التي تسيطر عليها في العراق وسوريا، لتشمل أراضي في المملكة. وتنظيم الدولة منبثق عن تنظيم القاعدة.

ومشكلة أجهزة الأمن الأردنية هي التعامل مع المتعاطفين مع الجهاديين والموجودين بالفعل داخل الأردن. وهي أيضا منشغلة جهة الغرب بالصراع المتأجج بين إسرائيل والفلسطينيين. وفي الشمال والشرق ظهر تنظيم الدولة شاهرا دعوة للجهاد على المستوى الإقليمي.

اللاجئون

والعشائر الأردنية في الضفة الشرقية هي الدعامة التي يقوم عليها تأييد العاهل الأردني الملك عبد الله ونظام حكمه الملكي الهاشمي. وهي أيضا الدعامة التي يقوم عليها الجيش. ولكن هؤلاء يشكلون أقلية في سكان استوعبوا موجات من اللاجئين الفلسطينيين من الحروب العربية الإسرائيلية عامي 1948 و1967. واستوعب الأردن أيضا مئات الآلاف من العراق بعد الغزو الذي قادته الولايات المتحدة عام 2003. واستوعب أيضا 1.5 مليون سوري نزحوا جراء الحرب الأهلية في بلادهم.

ويكثر وجود الجهاديين المحليين في العشائر الفقيرة والطبقة العاملة بين سكان المدن من الأردنيين والفلسطينيين مثل معان والزرقاء.

لذلك لم يتوان الملك ولا أجهزة أمنه في هذا المجال.

وقال محمد المومني المتحدث باسم الحكومة إنه "بعد قتل الكساسبة والضربات الجوية التي شنها الأردن انتقاما من ذلك على أهداف تابعة للدولة الإسلامية جرت مطاردة واعتقال 90 جهاديا محليا دفاعا عن الأمن الوطني".

وأضاف أن "تنظيم الدولة الإسلامية تهديد وشيك لنا وللمنطقة. وإذا تركنا التنظيم ينمو فسيتوسع ليصل إلى حدودنا.. هذا سرطان ينبغي استئصاله... لن ننتظر حتى يصل الحريق إلى منزلنا".

ويقول دبلوماسيون غربيون ومحللون أردنيون إنه قبل مقتل الكساسبة كانت هناك حالة من الغضب تعتمل جراء دور الأردن في التحالف الذي حشدته الولايات المتحدة ضد الدولة. 

وكانت هناك انتقادات أيضا لمشاركة الملك عبد الله والملكة رانيا في حشد تضامني في باريس بعد الهجوم على صحيفة شارلي إبدو ومتجر يبيع طعاما يهوديا في يناير/ كانون الثاني.

وقال دبلوماسي كبير "كانت هناك تغريدات تقول أشياء من قبيل: إذا انتقدت النبي فهذه حرية تعبير ولكن إذا انتقدت الملك فهذا معناه محكمة أمن الدولة.. الناس يشعرون أن الأردن في حالة حرب ولكن يقولون إنها ليست حربنا".

ولكن بمجرد ظهور الفيديو العنيف الخاص بإعدام الكساسبة قام الأردنيون بمن فيهم عشائر بارزة بضم الصفوف وراء الملك. وأضاف الدبلوماسي: "هذه الخطوة أزاحت على الأقل في الوقت الراهن مسألة انضمام الأردن للتحالف.. ولكن القضايا المعلقة ما زالت موجودة... وبين هذه القضايا الإصلاحات السياسية والاقتصادية ومحاربة الفساد ومحاربة الفقر وكذا تأثير هذه الأزمات الخارجية على الأردن".

فساد

يمتلك الأردن بعضا من الموارد ولديه مشاكل مزمنة خاصة بالطاقة والمياه. ولديه ديون مرتفعة ونظام تعليمي مضعضع. وفيه اعتقاد سائد بوجود فساد. ولم تعد الحكومة المثقلة بالديون والمعتمدة على الدعم الخارجي قادرة على أن تحل المشاكل من خلال زيادة أجور موظفي الدولة.

وتدفع حالة الغضب والسخط الشبان العاطلين عن العمل إلى الانضمام إلى صفوف الدولة. وكثيرا ما يكون ذلك لأسباب هي مزيج مما هو فكري وما هو مالي.

ويقدر دبلوماسيون ومحللون أن ما بين 1500 و2000 أردني قاتلوا في سوريا، وأن هناك ما بين 6000 و7000 متعاطف مع الجهاديين داخل الأردن.

وقال دبلوماسي: "توجد مشكلة قائمة مع العشائر في شرق البلاد وهي التي كانت حجر الأساس في دعم الهاشميين.. فقد كان الاتفاق القائم هو: نمنحك الولاء وتعطينا وظائف في الحكومة، ولكن القدرة على تنفيذ ذلك لم تعد موجودة".

ويقول محللون وساسة إن المشاكل القائمة مبعثها امتناع النخبة عن بناء دولة متماسكة حديثة تشمل جميع أطياف الشعب وتقدم فرصا للشبان.

واتسعت الفجوة بين المناطق الغنية في العاصمة الأردنية مثل عبدون حيث يعيش الصفوة الأغنياء الليبراليون المتأثرون بالثقافة الغربية من جهة وشرق عمان المتداعي غير النظيف، حيث يزدهر اليأس والفقر ويخلقان بيئة خصبة لمن يريدون تجنيد عناصر لتنظيم الدولة  من جهة أخرى.

وقال دبلوماسي أردني طلب عدم الإفصاح عن اسمه:"إخفاق الحكم الرشيد صب في مصلحة المعسكر المتشدد".

وعلى الرغم من حرص الملك على تغذية الروابط مع العشائر الأردنية إلا أن الأردنيين ميسوري الحال يعيشون أيضا في عالم منعزل عن القطاعات الدينية والمحافظة التي تعادي القيم التي يؤمنون بها.

وأمارة وجود هذه الفجوة جلية في الجامعة الأردنية، حيث كشفت عينة من الطلبة عن آراء شديدة التضاد بين من يدرسون الشريعة وغيرهم.

فقالت سارة ماجد (21 سنة) التي تدرس إدارة الأعمال "أنا مع مشاركة الأردن في الحرب ضد داعش، ومع محاربة الإرهاب الذي يمثله داعش. إنهم يقتلون أناسا ليس لهم ذنب. الفيديو كان مريعا. هؤلاء مجردون من الإنسانية.. مرضى نفسيون بحاجة إلى علاج في مستشفى المجانين".

وقالت آيات صليحات (20 عاما) "داعش ليس له أي صلة بالإسلام أنا طالبة تاريخ وأقارن الدولة الإسلامية بالدول الإسلامية عبر التاريخ لا يوجد أي دولة إسلامية عملت مثل داعش ولا يوجد أي نبي آو خليفة آو سلطان عثماني أو مملوكي عمل الذي عملوه داعش من إعدام وقطع رؤوس وحرق الناس أحياء. هؤلاء خوارج".

"أنا الآن أكثر إعجابا بالملك. ردة الفعل كانت سريعة بالنسبة لنا. يهمنا أمن الأردن. رأينا ماذا حصل في سوريا والعراق. بالنسبة لنا بنينا بلدا لا نريد أن نراه مدمرا".

هذا هو العقاب


وشاب الغموض مواقف طلبة الشريعة بشأن حرق الطيار الأردني. فهناك من عزا الوحشية المستخدمة إلى عملاء أجانب يريدون تشويه صورة الإسلام. ولم يرد من أعطوا هذا الرأي إعطاء أسمائهم.

وقالت طالبة شريعة رفضت ذكر اسمها: "داعش تطبق الشريعة الإسلامية. كل العالم تضايق قامت القيامة على حرق الطيار. هذا القصاص موجود في ديننا. هذا اقتصاص لأنه هو قصف وأحرق مدنيين".

وكانت هناك طالبة أخرى مقتنعة بأن الفظائع المنسوبة لتنظيم الدولة هي من عمل أعداء الإسلام مثل إسرائيل والولايات المتحدة.

قالت: "كل ما يصورونه بشأن داعش خطأ ويهدف إلى تشويه صورة الإسلام. ويمكن أن تكون هناك منظمة إسرائيلية أمريكية وراء الدعاية السيئة ضد الدولة الإسلامية بغرض الإضرار بصورة الإسلام".

وأضافت "أنا أسعى أن أعيش في دولة الدولة الإسلامية. الحدود آخر ما يطبق داخل الدولة الإسلامية وأتمنى أن يكون هناك شريعة إسلامية في الأردن ودولة إسلامية لأن الدولة الإسلامية تسعى إلى تأمين احتياجات الشعب".

ويقول أبو محمد المقدسي رجل الدين فلسطيني المولد والذي أطلق سراحه بعد مقتل الطيار الأردني إن جاذبية تنظيم الدولة الإسلامية في تنام ولا سيما بين الشبان الساعين إلى الجهاد.

واعتبر المقدسي معلما روحيا لتنظيم القاعدة. وكان قد ندد بتنظيم الدولة الإسلامية علنا لإعلانها خلافة. وأدى إطلاق سراحه لإطلاق تكهنات بأن الهدف من وراء ذلك تشجيعه على انتقاد الدولة الإسلامية. ودخل المقدسي السجن عدة مرات في الشهور الأخيرة بمعارضته مشاركة الأردن في التحالف. ولكن جرى أيضا استغلاله كمفاوض مع تنظيم الدولة.

وقال: "إن معظم الشبان البسطاء هنا من أتباع تنظيم الدولة الإسلامية. وبعضهم ذهب إلى العراق وبعضهم ذهب إلى سوريا وبعضهم على تواصل مع الدولة الإسلامية من الأردن".

ولكنه أضاف أن "أتباع الدولة الإسلامية في الزرقاء توقفوا عن رفع أعلام الدولة الإسلامية وترديد شعارات مؤيدة للدولة الإسلامية بعد صلاة الجمعة بعد الحملة الأمنية التي نفذت في أعقاب مقتل الطيار الأردني".

"بعد حرق الطيار صار هناك خوف، ولكن هل حرق الطيار غير أفكارهم عن الدولة الإسلامية؟.. كلا".

وقال: "مهمتي أن أعمل وعيا.. نحاول أن نبين أخطاء وانحرافات الدولة هذه أمانة في رقبتنا. كتابنا لا يحكي أن اقتلوا موظفي إغاثة وصحفيين وغير العسكريين. نريد إبعاد شبابنا عن فكر الذبح وقضية الغلو في التكفير".

وعلى الرغم من انتقاده لتنظيم الدولة يقول المقدسي: "إن تجاوزات التنظيم لن تديره وأتباعه إلى معسكر الولايات المتحدة وحلفائها المحليين".

وأضاف: "نحن لا نرضى أن نكون مع التحالف نحن نخالفهم من منطلقات شرعية. نحن لسنا مع التحالف ولكننا نعادي الدولة الإسلامية لأننا نخاف أن يشوهوا الخلافة الإسلامية. هم باسم الخلافة يقومون بممارسات تكره الناس بدولة الخلافة والإسلام. نحن ضدهم ليس طعنا بدولة الخلافة والإسلام التي نحلم بها بل خوفا على الإسلام".