ملفات وتقارير

قتل كلب ومحام تعذيبا.. إعلاميو السيسي: الكلب أهم!

المحامي كريم حمدي محمد بين ابنتيه
الحادثتان مضمونهما واحد، وتوقيتهما متزامن.. تعذيب أفضى إلى الموت، لكن الإعلامين المصريين المساندين للرئيس عبدالفتاح السيسي، والمتصدرين للفضائيات، تداعوا متباكين في الحالة الأولى التي تخص "كلبا"، دون أن يلقوا بالا، أو يأبهوا بالحالة الثانية، التي تخص "محاميا".

في حالة "الكلب" تحدثت كل الأذرع الإعلامية المؤيدة للسيسي بإشفاق بالغ عن الكلب، وامتلأت برامجهم الحوارية، والصحف المصرية، بالقصة الإنسانية للكلب المذبوح، حتى خصص المحرض الأول على القتل بمصر، أحمد موسى، حلقة الأربعاء من برنامجه "على مسؤوليتي" كي يدين ذبح كلب شبرا  "غير الإنساني"، على حد تعبيره.

في المقابل لم تجد حادثة وفاة المحامي كريم حمدي محمد، داخل ديوان عام قسم شرطة المطرية جراء التعذيب، أي اهتمام من موسى، ولا من إعلاميي الفضائيات، فيما اكتفت الصحف بنشر خبر مقتضب صباح الخميس.

وفي الحالتين كانت الرافعة الإعلامية الأثقل للحادثتين معا هي مواقع التواصل الاجتماعي، وتحديدا: "فيسبوك"، و"تويتر"، ما وضع هذه المواقع في مقدمة الإعلام المصري المؤثر الآن، أكثر من الفضائيات، ومن الصحف بالطبع.

غياب الإنسانية عن ذبح الكلب

تبارى الإعلاميون المساندون للانقلاب في الحديث عن الكلب المذبوح، وأمعنوا في الدفاع عن حقه في الحياة.

فقال الإعلامي أحمد موسي، إن حادث ذبح كلب شارع الهرم تم بلا إنسانية أو رحمة، موضحا أن المشاجرة كانت بين جزارين في شبرا الخيمة، وأسفرت عن تعذيب الكلب حتى الموت.

وأضاف -خلال برنامجه "على مسؤوليتي" على قناة "صدى البلد" الأربعاء- أن المواطن المصري معروف عنه أنه كاره للدماء حتى لو كان دم الحيوان، لكن ما حدث جاء من أشخاص ليس لديهم أي نوع من الإنسانية، على حد قوله.

الإعلامي يوسف الحسيني القريب من السيسي، والذي سماه مدير مكتبه عباس كامل في التسريب "الواد يوسف"، قال معلقا على الفيديو إنه يعبر عن مجموعة من الهمج والضواري البشرية.
 
وأضاف خلال برنامجه "السادة المحترمون"، على فضائية أون تي في، الأربعاء: "أعتقد أن أطباء علم النفس المفروض الفترة اللي جاية هيبقى ليهم دور مهم، أنا أول واحد رايح أتعالج عند هشام حتاتة صاحبي، أنا ها روح أتعالج.. أنا جايلك يا هشام، كل واحد فينا جواه مصيبة".

وأضاف: "الكلب ده مخلوق ضعيف، وظل ينبح متألما في انتظار تعاطف الإنسان معه، ومافيش حد كان بيتدخل".

ومن جهته أجرى وائل الإبراشي -عبر برنامجه "العاشرة مساء"، على فضائية "دريم 2"- مداخلة هاتفية مع رئيسة جمعية الرحمة بالحيوان، قالت فيها إنها ستتقدم ببلاغ رسمي لضبط المتهمين بتعذيب الكلب الخميس، مشيرة إلى أن قانون حماية حقوق الحيوان ليس رادعًا، وأنه سيتم اعتبارها جنحة.

ودان الإعلامي (الداعم للانقلاب) عمرو عبد الحميد، حادثة تعذيب الكلب.

وقال –في برنامجه "الحياة اليوم" عبر فضائية "الحياة" الأربعاء- إن أحد المواطنين كان في مشاجرة، وأطلق "كلبا" على المتشاجرين معهم ليصيب عددا منهم بجروح، فقاموا برفع دعوى قضائية على صاحب الكلب، وعند التصالح اشترط المتضررون للتصالح، تسليمهم الكلب لهم كفدية، للتنازل عن القضية.

وعلّق عبد الحميد، قائلا: "للأسف.. الكلب كان وفيا، وصاحبه ما كانش وفي".

وقال الإعلامي مظهر شاهين، عبر صفحته الشخصية على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" الأربعاء: "الكلب حينما يكون أرجل من صاحبه.. أحيانا يكون الكلب أرقى خلقا وشهامة من صاحبه.. قلما تجد كلبا يخون صاحبه في حين أن كثيرا من الرجال خانوا كلابهم".

وقال الفنان حسن يوسف (الداعم للانقلاب): "قلوبنا مليئة بالأوجاع حزنا بسبب الواقعة القذرة التي تمثلت في ذبح إخواننا الأقباط في ليبيا.. ناقصين كمان قلوبنا تتوجع على الحيوانات".

وشن يوسف –في اتصال هاتفي مع أحمد موسى- هجوما على الجناة، قائلا: "أين عقلهم أثناء فعل هذه الجريمة البشعة، عليهم التكفير عن جريمتهم، والمصيبة التي نفذوها".

وشدد يوسف على ضرورة محاسبة كل المشاركين في قتل كلب شبرا الخيمة، مضيفا: "هؤلاء لم يسمعوا عن قصة المرأة التي دخلت النار لأنها حبستها، ولم تطعمها".

وكان مقطع فيديو تم تداوله على موقع التواصل الاجتماعي يظهر عددا من الأشخاص يقومون بالاعتداء على كلب بوحشية ثم ذبحه بالأسلحة البيضاء.
 
وأكد الشهود أن الكلب كان قد دافع عن صاحبه في مشاجرة وقام بـــ"عض" شقيقين ما دفعهما لتحرير محضر ضد مالك الكلب، والحصول على حكم بحبسه سنة، وفي سبيل الصلح بينهم اشترط الشقيقان ذبح الكلب، وهو ما استجاب له مالكه.

والأمر هكذا، دشن النشطاء هاشتاج بعنوان "كلب شارع الهرم"، لإعلان تضامنهم مع الكلب الذي تم ربطه، وتعذيبه بالأسلحة البيضاء، حتى قام أحد الشباب بذبحه على طريقة "داعش"، كما قالوا.

تجاهل تعذيب محام حتى الموت

برغم أنه توفي يوم 22 شباط/ فبراير الحالي، إلا أن سائر الفضائيات، ونشرات الأخبار، والإعلاميين المذكورين كافة، فضلا عن الصحف الصادرة الأربعاء والخميس، قد تجاهلوا جميعا تقديم بلاغ يتهم كلا من: مأمور قسم شرطة المطرية، ورئيس وحدة المباحث ومعاونيه، بقتل المحامي الشاب كريم حمدي محمد، داخل ديوان عام القسم، جراء التعذيب. 
 
فقد تقدم وكيل نقابة المحامين في شمال القاهرة، أحمد مهنا، ببلاغٍ للنائب العام بتعذيب المحامي بقسم المطرية حتى الموت، قائلا: "كل يوم بتطلع جثة من قسم المطرية".
 
وأضاف مهنا في تصريحات صحفية، إن "تاريخ الحادث يرجع ليوم 22 شباط/ فبراير 2015، عندما تم القبض على كريم حمدي محمد، محام، من قبل قوات شرطة قسم المطرية، حيث عرض على النيابة العامة يوم 23 فبراير، على ذمة القضية رقم 3763، جنايات المطرية، وصدر قرار من النيابة بعرضه صباح اليوم التالي، لحين ورود تحريات الأمن الوطني".
 
وأضاف مهنا أن عددا من المحامين حاولوا حضور التحقيقات مع زميلهم يوم 24 شباط/ فبراير، إلا أنهم فوجئوا بعدم حضوره، وبعد انصراف جميع المتهمين وحرس القسم من سراي النيابة، واستعلم زملاء كريم حمدي عنه، فعلموا بوفاته داخل قسم المطرية، فتوجهوا فورا إلى مشرحة زينهم.
 
وأوضح أنه تم إبلاغ نقيب المحامين سامح عاشور، الذي كلفهم بالاستمرار في متابعة الإجراءات، واتخاذ ما يلزم تحت إشرافه.
 
وفي المشرحة تبين وجود إصابات عدة في جثمان الفقيد، ووفقًا لتقرير الطب الشرعي الخاص به، تبين وجود إصابات ظاهرة على جثته دون إثباتها في التقرير الطبي.
 
وأشار مهنا إلى أن كريم حمدي الذي يبلغ من العمر 26 عاما، هو محام  ابتدائي، وعندما ألقت القوات القبض عليه، لم يكن يعاني من أي إصابات، مشددا على أن كريم كان متهما بالانضمام إلى جماعة الإخوان المسلمين، وأن قسم شرطة المطرية ذائع السيط في حالات تعذيب المواطنين.
 
وطالب النائب العام باتخاذ الإجراءات القانونية بفتح التحقيق في واقعة وفاة المحامي، وإثبات الإصابات الناتجة عن تعرضه للتعذيب، وتوجيه الاتهام لضباط الشرطة بتعذيب المتوفى.
 
وكان المجني عليه أُلقي القبض عليه في مظاهرات المعارضين للانقلاب في 22 شباط/ فبراير الجاري، بحسب رواية مصدر أمني.
 
ولم تشفع هذه التطورات كلها للمحامي القتيل جراء التعذيب.. كي تهتم الصحف ووسائل الإعلام المصرية بقصته.. كأن دم الكلب أغلى من دم الإنسان.. في ظل حكم السيسي.. طالما أن تهمته أنه ينتسب لجماعة الإخوان المسلمين، أو أنه خرج في مظاهرة ضده.. إذ إنه ليس له حق الحياة، كسائر البشر، فضلا عن سائر الحيوانات، بحسب أولويات الإعلام المؤيد للسيسي.