بورتريه

بورتريه: ظلال إيران.. وثلاثة وجوه لولاية الفقيه في صنعاء

عبد الملك الحوثي هو تلميذ والده الذي كان مسكونا بتكرار النموذج الإيراني في اليمن - عربي21
تتهمهم أطراف سياسية يمنية رئيسة مثل الحكومة وحزب التجمع اليمني للإصلاح (الإخوان المسلمين) ودول الجوار، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأمريكية، بتلقي الدعم من إيران، رغم أنهم ينفون ذلك ويصفون الاتهامات بـ"البروباغندا".

لم يشكلوا في السابق تحدياً طائفياً للحكومة اليمنية ولا مظهرا من مظاهر" الهلال الشيعي" العابر للقوميات، رغم أن طهران تتحدث عن عاصمة عربية جديدة تسقط في أيديهم بعد سيطرة "الحوثيين" على صنعاء.

الحكومة اليمنية فشلت في قمعهم عسكرياً لأسباب عديدة، منها أسلوب إدارة الصراع نفسه وطبيعة نظام علي عبد الله صالح ذاته، وعدم معالجة الأسباب الرئيسة التي أدت إلى ظهورهم.

الشواهد تؤكد تأثرهم بالثورة الإيرانية بعد أن سافر بدر الدين الحوثي والد مؤسس جماعة " أنصار الله"،  أحد كبار المرجعيات الدينية الزيدية، إلى طهران وأقام بها عدة سنوات وتأثر بالمذهب الشيعي الاثني عشري والإمام الخميني، واعتقد بإمكانية تطبيق النموذج الإيراني على اليمن من خلال "ولاية الفقيه". 

يقول عدد من فقهاء الزيدية بأن "الحوثيين خرجوا عن المدرسة الزيدية واقتربوا من الاثني عشرية"، أو أنهم "زيدية متطرفون"، وهو اتهام تشاركهم فيه المذاهب السنية أيضا.

 اتهمهم محمد بن عبد العظيم الحوثي بأنهم "مارقون وملاحدة وليسوا من الزيدية في شيء" وحكم عليهم بـ"الردة والخروج عن مذهب آل البيت".

ويرد الحوثيون على هذه الاتهامات بأن الفقهاء "الزيدية" المعارضين لتوجهاتهم علماء سلطة، وتقول إحصائيات غير دقيقة إن "الزيدية" الذين هم أقرب إلى "السنة" يشكلون 25% من السكان، بينما يشكل "السنة" 75% من السكان، ويشكل الحوثيون 2% من سكان اليمن البالغ عددهم 19 مليون نسمة.

ومنذ أن دخلوا على المشهد اليمني عام 1992 قتل "الحوثيون" نحو 60 ألف جندي وعنصر من القبائل اليمنية وفقا لأرقام محمد البخيتي الناطق باسم "الحوثيين".

ومنذ عام 1992 دخلت ثلاثة أسماء "حوثية" على المشهد اليمني  بدرجات متفاوتة. 

أولها المؤسس حسين بدر الدين الحوثي، المولود في عام 1956 في مدينة الرويس بني بحر في محافظة صعدة، الذي رحل مع والده إلى إيران ولبنان، وحصل على الماجستير في العلوم الشرعية من السودان.

وأسهم مع شخصيات "زيدية" بتأسيس "حزب الحق" في عام 1990، وبعدها بنحو ثلاث سنوات فاز في انتخابات عام 1993 بمقعد في البرلمان اليمني عن محافظة صعدة. 

تلقى دعم "الحزب الاشتراكي" اليمني الذين كان حليفا له  في الأزمة السياسية التي سبقت حرب صيف 1994، واتهم على أثرها بمساندة الانفصال ومناصرة قوات "الاشتراكي" في الحرب.

 ترك حسين "حزب الحق" ولم يرشح نفسه في الانتخابات البرلمانية عام 1997 وترشح بدلا منه شقيقه يحيى الحوثي وفاز بالمقعد عن "حزب المؤتمر الشعبي العام"، ليتفرغ لحركة "الشباب المؤمن" وتكوين نواتها ونشر "فكر الثقافة القرآنية" حسب اجتهاداته وتأسيس مدارسه في صعدة.

في عام 2004 وبعد ترديده الشعار المعادي لأمريكا و"إسرائيل" و"اللعنة على اليهود" ونتيجة لقتال مسلح وقع مع الجهات الأمنية بمحافظة صعدة، بدأ الصراع يشتعل ويتمدد ودخلته أطراف داخلية وخارجية وعدد من القبائل اليمنية بالإضافة إلى "الحوثيين".

اتهمت الحكومة اليمنية حسن الحوثي بأنه "عميل لحزب الله" اللبناني، وهو ما نفاه أكثر من مرة. 

 أعلن الجيش اليمني عن قتل حسين الحوثي في عام 2004، إلا أن جثته لم تسلم لذويه إلا في عام 2013، بعدها قامت 5 حروب أخرى قاد فيها "الحوثيين" أخوه الأصغر عبد الملك الحوثي، بينما قدم الأخ الثالث يحيى طلب اللجوء السياسي في ألمانيا، وقبل أن يقتل سلم حسين القيادة لشقيقه عبد الملك.

عبد الملك الحوثي، المولود عام 1979 في مدينة ضحيان الواقعة في صعدة، هو الشخصية الثانية في "الجماعة" والأكثر أهمية بعد أن تسلم زعامة حركة "أنصار الله" عام 2006.

عرف عبدالملك الترحال منذ صغره وكان يتنقل مع والده في وسط أرياف وقرى محافظة صعدة، لتدريس العلوم الفقهية ولحل قضايا النزاعات بين الناس.

ولم يدرس عبد الملك الدراسة النظامية، أو يحصل على أي شهادة علمية نظراً لعيشه في مناطق ريفية قد لا يتوفر فيها التعليم الحكومي، لكنه درس على يد والده، فبدأ والده بتحفيظه القرآن الكريم وتعليمه القراءة والكتابة.

والتحق حسين الحوثي بحلقات التدريس التي كان يقيمها والده في مسجد القرية فدرس الأحاديث النبوية والتفسير ودرس متن "الأجرومية" والشعر وعلم الكلام والفقه والمواريث وغيرها من الفروض العلمية وفق المذهب الزيدي، وقيل إن والده خصص له منهجاً تدريسياً خاصاً عندما بلغ الثالثة عشرة، فكان والده يقول عنه إنه "طارقة" (أي علامة).

في منتصف التسعينيات انتقل عبد الملك الحوثي من صعدة إلى العاصمة صنعاء للعيش مع أخيه الأكبر حسين مؤسس جماعة "الشباب المؤمن" (التي عُرِفت فيما بعد بجماعة أنصار الله) وهناك اقترب منه فتأثر به كثيراً حتى صار فيما بعد بمثابة الأب الروحي له، وعمل كحارس شخصي لأخيه حسين الذي كان آنذاك عضواً في البرلمان اليمني عن "حزب الحق" .

رغم وجود عدة إخوة لحسين الحوثي إلا أنّه قرب أخاه الأصغر عبد الملك، فكان أحد القادة الميدانيين البارزين أثناء الحرب الدائرة بينهم مع الحكومة اليمنية، وكان حينها لا يزال في العشرينيات من عمره.

 كانت آخر معركة خاضها عبد الملك في تلك المرحلة هي عندما كان يحاول مع مجموعة من المقاتلين في قرية "الجمعة" في صعدة فك الحصار عن أخيه الذي كان متحصناً هو ومجموعة من مناصريه في داخل كهف يسمى "جرف سلمان"، لكن محاولتهم في فك الحصار باءت بالفشل وقتل حسين في  أيلول/ سبتمبر عام 2004 داخل "جرف سلمان"، وانسحب عبد الملك من موقعه هو ومن معه من المقاتلين.

وبحسب رواية صحفية معروفة، فإن وصية أخيه حسين كانت تطلب منه الاستعداد والتهيؤ لمرحلة جديدة، وطلب منه الهروب وإخفاء نفسه وعدم الكشف عن هويته مطلقاً، والتزم عبد الملك بوصية أخيه واختبأ داخل تجاويف صخرية في منطقة "نقعة".

في عام 2005 اشتعلت الحرب الثانية بين الجيش و"الحوثيين" واستمرت حوالي 25 يوماً وبعدها توقفت.
 ووسط تكتم شديد بدأ مناصرو عبد الملك بالانتقال والفرار من مناطقهم والتجمع في "نقعة" حيث يختبئ عبد الملك، وبدأوا ببناء مساكن في أعماق التجاويف الصخرية وشيئاً فشيئاً كبر البنيان والمساكن في تلك البقعة، وتكاثر أتباعه ومناصروه حتى أصبحت تلك المنطقة نقطة انطلاق جديدة للحركة والقائد الجديد.

في مطلع عام  2006، تولى عبد الملك قيادة جماعة "أنصار الله" رسمياً وتولى قيادة بقية الحروب الأربع التي شاركت فيها الحركة والتي استمرت حتى شباط/ فبراير عام 2010.

ومنذ أن تولى عبد الملك الجماعة، حدث تطور في أداء الحركة عسكريًا وانتهج عبد الملك سياسة جعلته الرجل الأقوى في اليمن والحاكم الفعلي للبلاد، واقترب أكثر من المشروع الإيراني في المنطقة، بحسب ما يراه العديد من المراقبين.

ومع اندلاع الثورة الشعبية في اليمن في شباط/ فبراير عام 2011 والتي أطاحت بنظام الرئيس السابق علي عبد الله صالح سارع عبد الملك الحوثي بالإيعاز إلى جماعته للالتحاق بالثورة وشاركوا مع كل المكونات الثورية، بما فيهم خصومهم التقليديين "التجمع اليمني للإصلاح" في إسقاط نظام صالح.

وعندما طرحت "المبادرة الخليجية" رفض عبد الملك مشاركة جماعته في التوقيع، واعتبرها التفافاً على الثورة، ومنذ ذلك الحين أصبح وجماعته يقودون التيار المعارض لـ"حكومة الوفاق" ورئاسة عبدربه منصور في اليمن.

رفضهم لـ"المبادرة الخليجية" لم يمنعهم من المشاركة في "مؤتمر الحوار الوطني" الذي انعقدت أولى جلساته في آذار/ مارس عام  2013، وحققوا من خلاله العديد من المكاسب السياسية والتي كان من أبرزها انتزاعهم اعتذاراً رسمياً من الحكومة اليمنية عن الحروب التي شُنت عليهم في السابق.

مع مرور الوقت تفاقمت الأمور وأثبتت الحكومة فشلها على كل المستويات واضطرت إلى رفع أسعار المشتقات النفطية، وتسبب ذلك في اشتعال موجه كبيرة من السخط والاحتجاجات في جميع أنحاء اليمن في عام 2014.

وقرر عبد الملك هو جماعته قيادة وتنظيم احتجاجات من آب/ أغسطس عام 2014 حتى أيلول/ سبتمبر  عام 2014، لتأخذ بعد ذلك بعدا تصعيديا خطيرا بحصار العاصمة صنعاء، وبسبب انقسام الجيش وتآمر بعض قياداته سقطت العاصمة صنعاء في يد "أنصار الله" الذين كانوا في وقت سابق قد أحكموا السيطرة على محافظة عمران القريبة من صنعاء.

وسيطر "الحوثيون" على مؤسسات أمنية ومعسكرات ووزارات حكومية ومنشآت هامة في وسط العاصمة دون مقاومة من الأمن والجيش، وحدثت اختلالات وتصرفات وانتهاكات غير مسؤولة من قبلهم، وهو ما أعاد  التساؤل حول طبيعة "أنصار الله"، فهم أشبه باتحاد قبلي كبير يضم أطيافا متعددة تقاتل لغايات مختلفة، وبالكاد يسيطر عبد الملك على "القيادات الميدانية" فالقيادة المركزية ضعيفة وليست هرمية وواضحة.

لم يتجه عبدالملك نحو إقامة أي تحالفات داخلية معلنة وواضحة ورسمية مع أي مكون سياسي أو ديني في اليمن منذ توليه قيادة "الجماعة"، غير أن بعض التقارير والأخبار تقول إنه ومنذ اندلاع الحرب في محافظة عمران بين "أنصار الله" وخصومهم (أبناء الشيخ الأحمر، التجمع اليمني للإصلاح، علي محسن الأحمر) والذين هم في الوقت نفسه خصوم علي عبدالله صالح، نشأ تحالف غير معلن بين صالح وعبد الملك، وهذا التحالف سهل ووفر لـ"الحوثيين" السيطرة على العاصمة والعديد من المحافظات الأُخرى.

هذا التحالف لم يكن فكريا أو مؤسسا على توجهات أو على أساس تحقيق مصالح مشتركة، ولكنه فقط قائم من جهة صالح على نوع من النكاية بخصومه، ومن غير المتوقع أن يسمح عبد الملك وجماعته لصالح بجني مكاسب تتجاوز حد الثأر من خصومهم المشتركين.

بعد قيام "الحوثيين" بالسيطرة على صنعاء وجه بعض المفكرين والإعلاميين اليمنيين له اتهامات بارتكاب جرائم وطالبوا بمحاكمته كمجرم حرب ودعوا إلى إغلاق "قناة المسيرة" الناطقة باسمه، وقالت توكل كرمان القيادية في "التجمع اليمني للإصلاح" والحائزة على جائزة نوبل للسلام إن عبد الملك الحوثي "مجرم حرب".

في تشرين الثاني/ نوفمبر عام 2014، فرض مجلس الأمن الدولي عقوبات على الرئيس السابق صالح واثنين من كبار القادة العسكريين لجماعة "الحوثيين"، هما عبد الخالق الحوثي (أخ غير شقيق لعبد الملك) وعبد الله يحيى الحكيم المعروف بـ"أبي علي الحاكم" لاتهامهم بتهديد السلام والاستقرار في اليمن.

وكشفت سيطرة "الحوثيين" على السلطة عن الشخصية الثالثة في "الجماعة"، وهو محمد علي عبد الكريم أمير الدين الحوثي، الحاكم الأعلى لليمن، منذ إصدار جماعة "أنصار الله" لإعلانها الدستوري ومنح "اللجنة الثورية" التي يرأسها محمد الحوثي سلطات عليا على "المجلس الوطني" و"مجلس الرئاسة". ولا أحد يعرف من هم أعضاؤها ما يؤسس -وفقا لمراقبين- لـ"سلطة خفية" ستحكم من وراء ستار.

وبدأ الرجل المجهول في الشارع اليمني بممارسة صلاحياته، حيث إنه أصدر قرارا بتشكيل "اللجنة الأمنية العليا" أرفع سلطة أمنية للبلاد، برئاسة وزير الدفاع في حكومة خالد بحاح المستقيلة اللواء محمود الصبيحي، وعضوية 14 شخصا، سبعة منهم قادة ميدانيون لـ"مليشيا الحوثي" في المحافظات، ولا يحملون رتبا عسكرية.

وأصدر محمد علي الحوثي قرارا ثانيا بتكليف اللواء الصبيحي بمهام وزير الدفاع، ومثله للواء جلال الرويشان المقرب من الجماعة للقيام بمهام وزير الداخلية.

ولا يمتلك الحاكم الجديد لليمن، سيرة ذاتية بالنسبة لليمنيين سوى أنه ابن شقيقة عبد الملك الحوثي.

وتقول مصادر إن الرجل كان معتقلا في سجون المخابرات في عهد صالح لسنوات، وأفرج عنه بعد انتهاء الحرب السادسة التي شنها النظام السابق ضد "الحوثيين"، وأنه التحق بالحرس الثوري الإيراني، وتدرب هناك قبل أن يعود لليمن. وعرف اسم محمد علي الحوثي للمرة الأولى منذ اجتياح "الحوثيين" للعاصمة صنعاء في أيلول/ سبتمبر الماضي، حيث أسندت له مهمة رئاسة ما يسمى بـ"اللجنة الثورية" التي منحت ذاتها مهام محاربة الفساد في المؤسسات والدوائر الحكومية تحت مبرر "الحد من الفساد".

وتداول ناشطون يمنيون صورا سابقة له، وهو في مكاتب عدد من الوزراء في حكومة محمد سالم باسندوة، عندما كان ينفذ بمعية أنصاره حملات اقتحامات للوزارات، وعمل فيما بعدها بتشكيل "لجان ثورية" في جميع المؤسسات الحكومية والوزارات والمحافظات التي يسيطر"الحوثيون" عليها، كانت بمثابة السلطة العليا في تلك الدوائر ولا تمر أي قرارات فيها دون رضاهم.

ويرى مراقبون أن "اللجنة الثورية" التي جرت "شرعنتها" في "الإعلان الرئاسي الحوثي"، ما زالت كيانا غامضا، ولا أحد يعرف من هم أعضاؤها، الذين سيكونون أعوانا لمحمد الحوثي في إدارة شؤون البلاد.

وفتحت سيطرة "الحوثيين" على السلطة في البلاد عيون السعودية على اتساعها، فحلفاء إيران يسيطرون على الحديقة الخلفية لهم، وتأكد للجميع أن إقصاء "التجمع اليمني للإصلاح- الإخوان" كان إقصاء للنفوذ الخليجي والعربي في اليمن.

عبدالملك الحوثي هو تلميذ والده الذي كان مسكونا بتكرار النموذج الإيراني في اليمن، وتبدو البلاد تحت سيطرة "الحوثيين" وكأنها جائزة مجانية جاءت على طبق من فضة لطهران التي تتمدد في الوطن العربي كما لو أن الدول العربية كانت جزرا معزولة!