كتاب عربي 21

المقاومة بين ضمير الشعوب وأحكام القضاء

1300x600
هناك قاعدة إعلامية شهيرة تقول إن "كلبا عض رجلا" ليست خبرا، وإنما الخبر هو أن "رجلا عض كلبا". والخبر اليوم ليس أن كتائب القسام جماعة إرهابية، وإنما أن محكمة مصرية هي التي قضت بذلك، وليس محكمة إسرائيلية.

1)  فحين تقضي محكمة القاهرة للأمور المستعجلة في 31 يناير 2015 بأن كتائب القسام هي جماعة إرهابية، فهي تسجل سابقة لم تحدث من قبل في تاريخ المحاكم المصرية والعربية منذ بداية المشروع الصهيوني منذ ما يزيد عن قرن من الزمان، حتى في أشد لحظات التوتر بين الأنظمة المصرية وبين الفلسطينيين. فمحاكم السادات لم تفعلها في عز اتفاقيات كامب ديفيد.

2)  كما أن صدور حكم قضائي مصري بهذا الشكل في تماهٍ كامل مع مواقف وادعاءات وحملات العدو الصهيوني ضد الأخ والصديق الفلسطيني، يحمل إساءة بالغة لمصر كلها وليس لقضائها فقط.

3)  وهو حكم متناقض مع تاريخ قضاء مجلس الدولة المشرف في قضايا الصراع العربي الصهيوني، الذي أصدر عددا من الأحكام لصالح القضية الفلسطينية وضد إسرائيل وضد العلاقات المصرية الإسرائيلية، مثل حكمه في قضية تصدير الغاز لإسرائيل، وحكمه الأخير بإلغاء مولد أبو حصيرة، وحكمه في 2009 بحق قوافل الإغاثة المصرية في الذهاب إلى رفح ومناصرة الشعب الفلسطيني في مواجهة الحصار.

4)  وهو حكم متناقض أيضا مع الثوابت الوطنية المصرية والعربية، التي لا تزال تعتبر أن إسرائيل هي العدو الرئيس لمصر وللأمة العربية، وترفض الاعتراف بمشروعيتها، وترفض المعاهدات التي وقعتها بعض الأنظمة العربية معها في كامب ديفيد وأوسلو ووادي عربة. وتصر على تحرير كامل التراب الفلسطيني.

وبأنه واجب على كل الشعوب العربية، وأن المقاومة هي رأس حربة، تقف وحدها في الصفوف الأمامية لمواجهة آلة الحرب العسكرية الإسرائيلية للدفاع عن الأمة كلها وليس عن فلسطين فقط. وأن دعمها بكل السبل والإمكانيات هو واجب على الجميع. وأن الملاحم البطولية التي سطرتها المقاومة على مر العقود هي وسام شرف على صدر كل الشعوب العربية، ودليل على أننا أمة حية لم تمت ولن تستسلم.

5)  وهو حكم معكوس، يصدر ضد أهلنا وإخوتنا في فلسطين. وكان الأولى أن تصدر عشرات الأحكام القضائية المماثلة ضد مذابح إسرائيل وإرهابها، ضد كل هذه الاعتداءات الإجرامية التي شنتها على فلسطين ولبنان في السنوات الماضية وآخرها عدوان الجرف الصامد، الذي أودى بحياة أكثر من 2000 شهيد فلسطيني ربعهم من الأطفال .

6)  وهو حكم متجاوز حدود الاختصاص، حيث درج مجلس الدولة على الحكم بعدم الاختصاص في كل ما يتعلق بأعمال السيادة، وهو ما حدث بالفعل في عدد من الدعاوى التي طالبت بإلغاء معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية، والتي حكم برفضها من حيث أنها من الأعمال السيادية التي ليس لمجلس الدولة حق التعقيب عليها.

7)  وهو حكم متجاوز أيضا من حيث عدم توفر شرط الاستعجال في نظر مثل هذه الدعوى أمام القضاء المستعجل، ولقد سبق بالفعل منذ بضعة أيام أن قضت محكمة القاهرة للأمور المستعجلة برفض دعوى مماثلة بسبب عدم الاختصاص.

8)  ولا يشفع للحكم، صدوره في أجواء سياسية وإعلامية محتقنة ومعبئة ضد الجريمة الإرهابية في العريش، فالقضاء يجب أن ينأى بنفسه عن أي مؤثرات سياسية أو إعلامية.

9)  كما أن حملات التشهير الإعلامية الموجهة ضد كل ما هو فلسطيني، والتي لم تتوقف منذ أكثر من عام هي حملات مضللة، إذ أنها تتهم أطرافا في غزة في الضلوع في الأعمال الإرهابية في سيناء مع تجاهل تام لأي إشارة لأي دور محتمل لإسرائيل فيها. رغم أنه لم يثبت أبدا تورط المقاومة الفلسطينية في أي منها، ورغم أن بوصلة المقاومة الفلسطينية كانت الدوام في مواجهة العدو الصهيوني فقط. ورغم أن الحدود المصرية الغزاوية لا تتعدى 14 كم، بينما حدودنا مع (إسرائيل) تزيد على 200 كم. ورغم أن الأنفاق تم هدمها، ومعبر رفح مغلق معظم الوقت أمام الفلسطينيين، بينما معبر منفذ طابا مفتوح لدخول مئات الإسرائيليين يوميا بدون تأشيرة. 

10)  صحيح أنه أصبح واضحا للجميع الآن، أن النظام المصري الحالي بقيادة السيد عبد الفتاح السيسي، قد قرر أن يبحث عن بوابة الاعتراف الأمريكي الأوروبي والدولي، عبر بوابة إسرائيل، وأنه في سبيل ذلك انتهج سلسلة من المواقف التي لم يجرؤ مبارك ذاته على انتهاجها، بهدم الأنفاق تحت الأرض مع إغلاق المعبر فوق الأرض لإحكام الحصار على غزة، وإزالة مدينة رفح من الوجود لإقامة المنطقة العازلة التي كانت تطلبها إسرائيل منذ سنوات، ورفع درجات التنسيق الأمني معها بشكل غير مسبوق، والتصريحات المستمرة بأن السلام أصبح في وجدان كل المصريين، وبأهمية الدفاع عن الأمن المصري الإسرائيلي المشترك والتصدي للعدو المشترك...الخ 

كل هذا صحيح، ولكن لا يجوز بأي حال من الأحوال أن يتورط القضاء بصفته سلطة مستقلة، في أي توجهات وسياسات، للسلطة التنفيذية. 

ولكن للأسف هناك من يصر على تسييس القضاء المصري وأحكامه، ليس فقط في ملف فلسطين، وإنما في عديد من الملفات والقضايا الداخلية الأخرى.

11)  وأخيرا وليس آخرا، فإنه يجب التأكيد على أن تقييم حركات التحرير والمقاومة لا يتم في ساحات القضاء المصرية أو الإقليمية أو المحاكم الجنائية الدولية، وإنما يتم في وعي وضمائر الشعوب وفي ساحات المعارك والفداء والاستشهاد وسجون الاحتلال وقبور الشهداء.

***
وفي الختام، أقول لأهلنا في فلسطين، لا تحزنوا، فهذا الحكم لا يعبر عن الشعب المصري، بل لقد وقع علينا جميعا كالصاعقة. ونصيحتي إليكم أن تتجاهلوه قدر الإمكان، فلقد صدر من محكمة غير مختصة، حكمها غير نهائي، وسيتم وتصحيحه بإذن الله في درجات التقاضي الأعلى. 

ورغم كل حملات التحريض الإعلامية الموجهة، إلا أنه لم يصدر أي اتهام رسمي ضد أي من فصائل المقاومة الفلسطينية من الجهات المعنية بهذا الملف في مصر. وليس لنا أي مصلحة في زيادة درجة التوتر القائمة الآن بين مصر وفلسطين، فصبرا جميلا.

*****