كتاب عربي 21

المنظومة الانقلابية وأجهزة الأمن الغبية

1300x600
وفقا لأبجديات الانقلاب فإنه لا يطلب من تابعيه أو أدواته أو مسانديه سوى أن يسلموا عقولهم قبل الدخول إليه أو التعاون معه، نقصد بذلك أنه حينما يقيم استراتيجياته وسياساته على قاعدة من "عقلية القطيع" و"مسيرة التطويع" فإنه لا يطلب من هؤلاء أن يتفهموا موقفه أو يتدبروا سياساته أو ينفذوا إلى أهدافه، ولكن غاية أمرهم أن يسلموا له ويتبعوا أمره ويؤيدوا رغباته بل وأحلامه وأوهامه، إنه التأييد المطلق الذي لا يستند إلى وعي أو فهم أو تدبير، فقط هو يسلم زمامه حتى يُقاد أو يَنقاد. 

 في ضوء هذه الحقيقة التي يعبر عنها المسار الإنقلابي ومنظومة أدواته يمكن تفهم كيف تتصرف الأدوات التي تساعده وكيف تتصرف أو تتعامل من خلال المواقف التي تأتي عليها أويواجهونها، هو فقط -الانقلاب- من أسمعهم أن كل من كانت له شبهة معارضة أو شبهة تحفظ "فاقتلوه، اضربوه، في رأسه أو في قلبه واقنصوه، إطرحوه أرضا واسحلوه، طاردوه واعتقلوه"، الأمر هنا يتعلق بمتلازمة أساسية ألا وهي متلازمة المسار الانقلابي الذي يتبنى بدوره مسارا قمعيا غاشما غشيما ، يقوم بكل عمل يساند فيه الانقلاب وهو في ذلك يحفظ تلك الأوامر وينفذها بغبائه الغامر ولا يتفهم المواقف ولا يتدبر العواقب، يقوم بعمله بغباء شديد وحمق أكيد، فتحدث المعادلة الكبرى: بطش أمني × غباء شديد = قمع غاشم وغشيم. إنها متلازمة مسار انقلابي فاشى غاصب بمسار أمني قمعي غاشم.

تأتينا الشواهد في كل احتجاج لتؤشر على هذه الحقيقة وتكشف غُشم أدوات الانقلاب حينما تقوم
بممارسات عقيمة غشيمة تتسم بالغباء والتغابي والحماقة الأكيدة؛ ها هي سندس ذات السبعة عشر ربيعا في مظاهرة تستهدف بقنص مباشر وكأنه يريد أن يبلغ رسالة إلى الفتيات اللاتي يتصدرن مشاهد الاحتجاج يقول لهن أنتن مستهدفات بقنص وهدفا لرصاص، وأيا كان من قتلها قناص متربص أو ضابط مرور مسلح أو بلطجي مؤجر، فإنه من الغباء أن يجعل أيا من هؤلاء، هذه الفتاة هدفا له في مشهد احتجاجي، هل يمكن أن يتصور أحد أن تكون هذه الفتاة موضع تركيزه أو هدفا له؟ للأسف الشديد الانقلاب يجعل من ذلك سياسة وأدواته الغبية تنفذ ذلك معتقدا أن ذلك يكسر مقاومتهن واحتجاجهن.

وفي ذات الوقت  هل يمكن لذات الأدوات الأمنية التي تشكل أذرعا للمنظومة الانقلابية أن تقتل ناشطة (شيماء الصباغ) ضمن عشرات من الناشطين من تيار يساري يحيون ذكرى ثورة الخاس والعشرين من يناير يحملون فقط من الشعارات، وهي بالذات تحمل إكليلا من الزهور انتوت أن تضعه على نصبهم التذكاري في ميدان التحرير، ولكنهم قنصوها واعتقلوا كثير من هؤلاء وأصابوا البعض وفر البعض محتميا بمبنى هنا أو هناك، ماذا إذا يفعل هؤلاء الحمقى فى الأجهزة الأمنية سوى أن تكون في حقيقة الأمر غبي أو أكثر ارتكب حماقة في غير مقامها ومكانها لأنه فقط يحفظ ولا يفهم، لأنهم قالوا له "اضرب في المليان" ولأنه لا يفهم ويضرب فقط فقد قنصوها بدم بارد، وحينما هاجت الدنيا قدموا تبريرات زائفة لا تقل غباء عن فعلهم، فيصير فعل الغباء مقرونا بخطاب الغباء، ويصير الأمر أننا أمام غباء مركب ترتكبه تلك الأدوات ناتجا عن متلازمة منظومة الانقلاب ومسار أمني غاشم وغشيم.

إن ذلك ينبئ عن فشل محقق في سياسة هذا المسار الأمني الذي لا يمتلك عقلا ولا يعرف تدبيرا، إنه في حقيقة الأمر يعبر عن فشل هذا الانقلاب حينما يعتمد ببطشه على أدوات تتسم بالغباء الشديد والحمق الأكيد، ومن نافلة القول أن نؤكد أن هذا المسار في انقلابيته وفي قمعيته لا يمكن أن يحقق نجاحا بل هو إذ يجعل من ذلك سياسة ثابتة يتجرأ فيها هؤلاء على ممارسة بطشهم الغبي حينما تبلغهم رسائل من قادة الانقلاب مفادها أن يضرب غير عابئ وأن يضرب في الرأس والقلب قانصا متربصا بكل معارض أو متحفظ، ومع ذلك فهؤلاء الانقلابيون يضمنون له ألا يقع تحت طائلة حساب أو يجازى بأي عقاب، إنهم من بطشهم وطغيانهم يحفزونه لممارسة مزيد من غبائه ومزيد من إجرامه وبطشه، لا يلقون لذلك بالاَ، ولا يحسبون لذلك مآلاً.

ومن المؤسف حقا أن التصور الذي يتعلق بالدولة والذي ورد على لسان المنقلب الرئيس لاغيا فيه معنى النظام ومبقيا على الدولة ويعدد أركان الدولة في جيش وشرطة وقضاء وإعلام بما يعتبره من أدوات تساند الانقلاب ،فإذا كانت المؤسسة العسكرية هي التي تدفع الشرطة الأمنية إلى صدر مشهد الاحتجاجات لتمارس القتل والاعتقال والبطش تسندها أحيانا بأفرادها وعتادها وعدتها، وإذا بالقضاء يبرأ كل هؤلاء من أي جرم واضح ارتكبوه، يراه كل الناس ولا يراه القضاء، فقط هؤلاء هم أهل البراءة مهما ارتكبوا من جرائم من قتل أو تعذيب أو اغتصاب، إجرامهم واضح وبراءتهم مؤكدة، أليست تلك هي العدالة العمياء؟!.

أما هؤلاء من أهل الإعلام والثقافة فإنهم كذلك يقومون بكل تسويغ تارة ينتحلون الأعذار وتارة أخرى يبررون الأدوار لهذا الغباء الأمني ليتحدثوا عن حق الشرطة في أن تقوم بكل عمل إجرامي، مدعين أن ذلك في دائرة القانون، في حقيقة الأمر أن هذا الإفك الإعلامي الذي يزين لأجهزة الأمن إجرامها ويمجد قتلها واعتقالها على قاعدة الإرهاب المفتعل والمحتمل، فإنه يعبر في الحقيقة عن جهاز آخر يساند المؤسسة العسكرية والقضاء في تدليل هؤلاء الذين ينتمون للأجهزة الأمنية واستمرار إجرامها، وها هم بعض المثقفين من أهل "الليبرالية الفاشية"، من أمثال كاتب يقولون عنه إنه مفكر يتحدث أن "شيماء" كانت المخطئة، وأنه يوجه اللوم للشرطة لأنها لا تستخدم القوة الكافية، ماذا يمكن أن نسمي هؤلاء؟، إلا أن يعتبروا جميعا مشاركين في جريمة قتل رمزية لسندس وشيماء.

ستظل هذه المتلازمة بين مسار الانقلاب العسكري والبطش الأمني والغباء الشرطي أمرا مستمرا، وستتراكم تلك الأخطاء لأن النظام الانقلابي يفتقر لمن يحميه ومن ثم هو يحافظ على أدواته الغبية طالما قامت بما يعتبره حمايته وتأمين كراسيه، لا بأس إذا ببطشهم الغبي وحمقهم الطغياني طالما يقومون بهذا العمل، ولكن هؤلاء ينسون أن هذا البطش الغبي من ناحية أخرى ليس إلا مصانع للغضب من عموم الناس ومن كافة القوى السياسية والفكرية حينما يجدون في كل مكان استهدافا للجميع وبلا تمييز، لأن أهل الغباء لا يستطيعون التمييز، فتكون المعادلة؛ معادلة البطش الشديد والغباء الأكيد، المُولِّد للغضب الشديد وثورة يصطف فيها المزيد، اللهم لا تحرمنا من غبائهم العتيد!!.