مقالات مختارة

اليمن لم يسقط.. بل تم تسليمه!

1300x600
أغلب الدول العربية، هشة، لاتحتمل كارثة طبيعية، ولا حربا أهلية، هشاشة، تثبت أن أغلب هذه الدول لم تتأسس بنيويا بشكل صحيح، وإلا ماتفسير هذه الانكسارات؟!.

سقوط اليمن بيد الحوثيين، ليس مدعاة، لشتم الحوثيين، بل لقراءة أصل القصة، فالبلد العربي الفقير، الذي تم تركه للفقر والتجهيل وللصراعات طوال سنوات، كان مؤهلا بقوة لهذا السقوط، خصوصا، أن لا فكرة يدافع عنها الناس.

الوطن حين يعني الرئيس فقط، يصير الدفاع عنه مستحيلا، لان لا أحد مستعد للموت، من أجل رئيس سابق أو حالي، فيما الأوطان الفقيرة التي لاتطعم خبزا، ولاتقدم أمناً، ينفض عنها أبناؤها، ساعة المحن، وما أسوأ غربة الإنسان في وطنه؟!.

سقوط اليمن بيد الحوثيين، تعبير عن هشاشة الإقليم، فهذا الإقليم الضعيف بنيويا، والمهدورة موارده على كل شيء، ترك اليمن لهذا المصير، بغباء نادر يقول إن محاربة الإخوان المسلمين، توجب الاستعانة بجماعات أخرى، والنتيجة أن اليمن الكلية، باتت مقسمة اليوم، بين الحوثيين والقاعدة والاخوان المسلمين والقبلية ونزعات الجنوبيين الانفصالية، التي ستتجلى أكثر وأكثر.

كيف يمكن أن نصدق كل الكلام العدائي ضد إيران، على سبيل المثال، وأغلب الدول العربية تركت امن اليمن، على ناصية الصراعات، وهذه الصراعات لم تستفحل، لولا المظالم والجوع وغياب العدالة والسلطة القوية، وكأننا نقول هنا، إن اليمن تم تسليمها بدم بارد الى الحوثيين، وخاصرة الجزيرة العربية الجنوبية، ضعيفة، فوق باب المندب، الذي بات بيد قوية، تتضامن مع متطلبات تلك اليد القريبة من مضيق هرمز.

هشاشة الإقليم، تزداد حدتها، وحتى في الأنموذج العراقي، نقرأ ذات المشهد، فإسقاط النظام السابق تم بتوافق عربي، والنتيجة تسليم العراق لحسابات إقليمية جديدة، فلماذا يراد لنا ان نصدق اليوم، كل التباكي على العراق، ووحدة العراق، وسنة العراق، من ذات الذين لعبوا دوراً اساسيا في اعادة صياغة مستقبل العراق، بحسبة لحظية، لاتتجاوز انوف المحللين، ولا تمتد مترا إلى المستقبل؟!.

هذا السقوط المتوالي، لم يأتِ من فراغ، هو تعبير عن هشاشة الإقليم، وهو أيضا، تعبير عن أن الباب مفتوح لتغيرات أخرى، لأن الإرادة العربية غائبة، والكل يتفرج على إعادة صياغة المنطقة، بل إن ترك دول كثيرة لهشاشتها وأمراضها البنيوية، دون مساندة مالية وعسكرية، يعني التوطئة لتسليم هذه الكيانات وشعوبها إلى مستقبل جديد، يبدأ قوسه بالفوضى، وينتهي بالتقسيم وإعادة الصياغة.
علينا إذن أن نعترف: الكيانات والشعوب لاتسقط في فخ الحسابات الجديدة، وإنما يتم تسليمها الواحد تلو الآخر بكل هدوء، ورضى، وبلاهة أيضاً.



(نقلا عن صحيفة الدستور الأردنية)