مقالات مختارة

إيران.. خطاب التهديد من جديد!

1300x600
تفاءل كثيرون عندما فاز الرئيس الإيراني «الإصلاحي» حسن روحاني ضد منافسيه المتشددين ليخلف أحمدي نجاد الذي نجح، خلال ثمانية أعوام، في عزل بلاده وزاد من مشكلاتها بفعل المزيد من الحصار والعقوبات الدولية وخاصة الأمريكية والأوروبية، وكذلك فشلت مفاوضات (5+1) في تحقيق اختراق في أزمة برنامج إيران النووي. ومع ذهابه توقع البعض تحقيق اختراقات في ملفات معقدة أخرى ذات صلة بسياسات إيران في الخليج والعراق وسوريا واليمن والمنطقة بصفة عامة؛ ولذلك كانت الآمال كبيرة في تحسن العلاقات بين طهران وجيرانها خلال رئاسة روحاني، حيث نادى بـ«الارتباط الإيجابي» لإعادة دمج إيران في المجتمع الدولي، وإعطاء أولوية للعلاقات مع دول الخليج العربية.

ولكننا أصبنا بخيبة أمل.. فقد تخلى الرئيس روحاني عن لغة الدبلوماسية وأطلق تهديداً صادماً محذراً متوعداً «الدول التي خططت لخفض أسعار النفط بالندم.. وإذا تضررت إيران فإن منتجين آخرين سيتضررون بما في ذلك السعودية والكويت» اللتين ستفوق معاناتهما معاناة إيران!

وللأسف هذا التهديد المستفز، وخلط الأوراق، لا يساعدان في استقرار المنطقة. وتحميل «الدول التي خططت لخفض أسعار النفط»! وبالأخص الكويت والسعودية دون غيرهما، مسؤولية الانخفاض يغفل عمداً العوامل والأسباب العديدة التي تقف وراء تراجع أسعار النفط بشكل حاد إلى أدنى مستوى له في 6 سنوات، حيث وصل سعر برميل نفط «برنت» إلى 46 دولاراً فقط! كما لم يكن صحيحاً تبرير معاناة السعودية والكويت بذكره أن 80% من ميزانية السعودية تعتمد على عوائد النفط، بينما تعتمد الكويت على النفط بنسبة 95% من ميزانيتها. وفي المقابل تعتمد ميزانية إيران على عوائد النفط بنسبة 33% فقط. وقد تعمد روحاني إغفال حقيقة مرة تعرفها إيران، تتعلق بسعر برميل النفط الموازن لميزانيتها.

وإذا علمنا أن إيران من أكبر المتضررين من انخفاض أسعار النفط، واستوعبنا حجم الألم ونزيف الاقتصاد الإيراني، وانعكاساته السياسية والاقتصادية والاجتماعية، فسنفهم غضب وتهديد رئيس إيران وتوزيعه للاتهامات. وحسب دراسة مؤسسة النقد الدولي و«دويتشه بنك»، فإن إيران هي التي ستعاني أكثر من الكويت والسعودية والدول التي اتهمها روحاني بالتخطيط لخفض أسعار النفط، حيث إن على إيران بيع برميل نفطها بـ131 دولاراً أميركياً للبرميل لتوازن ميزانيتها.

والمتضرر الثاني هو فنزويلا؛ لأنها بحاجة لبيع برميل النفط بـ118 دولاراً لتوازن هي أيضاً ميزانيتها. وثالث أكبر متضرر روسيا وهي بحاجة لبيع برميل النفط بـ105 دولارات. أما السعودية، فهي بحاجة لـسعر 104 دولارات لبرميل النفط لتوازن ميزانيتها. فيما يصل سعر توازن ميزانية العراق 101 دولاراً للبرميل. والإمارات 81 دولاراً. والكويت 78 دولاراً. وقطر 77 دولاراً لبرميل النفط. وواضح من هذه الأرقام أن الأطراف الأكثر تضرراً ومعاناة هي من يتهم الآخرين بالتخطيط لـ«مؤامرة» خفض أسعار النفط.

كما تعمد روحاني أيضاً إغفال وتجاهل العوامل العديدة التي ساهمت في خفض أسعار النفط، ومنها قرار «أوبك» نفسها، وإيران عضو مؤسس فيها، بعدم خفض الإنتاج. والانكماش الاقتصادي عادة ما يخفض الطلب على النفط، وخاصة بتراجع اقتصادات الصين واليابان وأوروبا. وكذلك تراجع حاجة الولايات المتحدة للنفط بسبب ارتفاع إنتاجها من النفط الصخري، مما جعلها الدولة الأولى المنتجة للنفط في العالم. كما أن وجود طفرة نفطية من دول «أوبك»، ومن خارج «أوبك»، خلق وفرة نفطية في السوق العالمية، وذلك كله يحاصر إيران، وروسيا، وفنزويلا، وشركات النفط الصخري في أميركا أيضاً.

وواضح أن إيران تمر بضائقة مالية ووضع اقتصادي صعب مع انخفاض أسعار النفط وتكلفة مغامراتها في الخارج، والمناورات لتنفيذ مشروعها، وذلك كله يزيد من نزيفها وقد يؤجج غضباً شعبياً وسياسياً واجتماعياً.

وقد تفاقم الغضب الإيراني بعد فشل مساعي الرئيس الفنزويلي «مادورو» الذي زار السعودية وإيران وقطر، وفشل في الدفع لعقد اجتماع لمنظمة «أوبك» لخفض إنتاج النفط. وعلى الرغم من الخشية وتوقعات بانخفاض أسعار النفط إلى قاع جديد في فصلي الربيع والصيف القادمين، إلا أن وزراء النفط في السعودية والكويت والإمارات لا يزالون يدافعون عن قرار «أوبك» بعدم خفض الإنتاج. وكان التعليق الوحيد على تهديدات روحاني من علي العمير وزير النفط الكويتي، وبشكل غير مباشر، حيث أكد في مجلس الأمة أن: «دولة الكويت تحتفظ بسياسة نفطية وخارجية تخدم مصالح بلادنا العليا، وليس لدينا عداء مع أحد».

ولكن تهديد روحاني في بعض أبعاده يعيد للأذهان تصريحات صدام حسين في عام 1990 عندما اتهم علناً كلاً من الكويت والإمارات بزيادة إنتاج النفط، محذراً من «قطع الأعناق ولا قطع الأرزاق»! كما يندرج تهديد روحاني أيضاً ضمن تهديدات إيران الدائمة باستهداف دول الخليج، وإغلاق مضيق هرمز، والتمدد لليمن، والحرب الباردة في العراق وسوريا ولبنان!

والراهن أن تهديد الرئيس الإيراني محبطٌ ومؤسف في محتواه وتوقيته، وخاصة أنه يمثل الجناح المعتدل، ويريد بناء جسور مع دول الخليج. وهو موقف لا يساعد على التقارب والتعاون واستقرار منطقة الخليج العربي. وقد فاجأ واستفز التهديد السعودية، خاصة الكويت التي ترتبط بعلاقات مميزة مع إيران. كما عمّق التهديد أيضاً الحرب الباردة الإقليمية وزاد من عدم الثقة بين ضفتي الخليج، وأعاد عقارب الساعة لحقبة أحمدي نجاد وأعاد الشكوك في نوايا إيران!



(نقلاً عن صحيفة الاتحاد الإماراتية)