مقالات مختارة

هل يعود أوباما عن "لا عسكر على الأرض"؟

1300x600
كتب سركيس نعوم: الأجندة الفعلية للرئيس الأميركي باراك أوباما كانت دائماً محلية. أي كانت القضايا البارزة عليها داخلية، مثل تحسين الوضع الاقتصادي وإنقاذ الولايات المتحدة من الأزمة الاقتصادية – المالية التي وقعت فيها أواخر الولاية الثانية لسلفه الرئيس جورج بوش الابن، ومثل حلّ قضية الهجرة غير الشرعية إلى أميركا، ومثل توسيع الضمان الصحي بحيث يشمل فئات أميركية كبيرة كانت محرومة منه. طبعاً كانت على الأجندة قضيتان أخريان هما سحب القوات العسكرية الأميركية من العراق (وقد تم ذلك عام 2011) وسحبها من أفغانستان، وكان يفترض أن يتم ذلك خلال السنة الجارية.

ورغم الطابع الخارجي لهاتين القضيتين فإنهما في جوهرهما محليتان. ذلك أنهما كانتا نتيجة قرار بالانسحاب اتخذه عند ترشحه للرئاسة، وبعد وصوله إليها ثم بعد فوزه بولاية ثانية، استجابة لاقتناعه بضرورة الاهتمام بالداخل، واستجابة أيضاً لقرابة 72 في المئة من الشعب الأميركي رفضوا كلهم، في استطلاعات الرأي، التورط العسكري لجيشهم بل لبلادهم خارج أراضيها، وطالبوا باعادة "المتورطين" إلى الداخل حفاظاً على الأرواح وحماية للاقتصاد الوطني. ولهذا السبب يقول متابعون أميركيون من واشنطن إن السياسة الخارجية لم تكن أساسية في اهتمامات أوباما. وهذا أمر لم ينتبه إليه، إلاّ مؤخراً وربما الكثيرون في العالم العربي وحتى في العالم الأوسع. وهم يبرِّرون إهتمامه بالتفاوض مع إيران حول ملفها النووي مباشرة وعبر المجموعة الدولية 5+1 بالتشديد على القول إنّه لا يعبِّر عن تعديل في أجندته وعن اهتمام مستجدّ بالسياسة الخارجية، بل عن حرصه على إنجاز تسوية قد تكون تاريخية أو على إقفال ملف شائك جداً ويشكِّل خطراً على الشرق الأوسط، ولكن فقط من أجل تكريس بصمته في الرئاسة الأميركية هو الذي يعتقد ومعه كثيرون أن إنجازاته الخارجية صغيرة أو سلبية، وأن إنجازاته الداخلية مهمة لكنه لم يعرف كيف يسوّقها أو يدافع عنها. وباستثناء هذا الملف الخارجي لا يتوقّع هؤلاء تحرّكاً خارجياً إستثنائياً من أوباما.

هل يستطيع الرئيس الأميركي الذي لا تزال له سنتان في البيت الأبيض تجاهل القضايا الخارجية الشائكة، والأزمات الإقليمية الصعبة رغم تفاعلها وتطورها واتساع نطاق خطرها على العالم، مثل الحروب في سوريا واليمن وليبيا والعراق وعدم الاستقرار الكبير في لبنان، وعدم تركُّز الوضع في مصر؟ يجيب باحثون أميركيون مطلعون على ذلك بالآتي:

1 – هناك إيحاءات وتلميحات في الصحف ووسائل الإعلام كما في اجتماعات مغلقة عدة أن أوباما يدرس إنجاز تغيير حقيقي في سياساته حيال سوريا وتحديداً رئيسها بشار الأسد ونظامه. صحيح أنه لم يوافق على طلب تركيا إقامة منطقة حظر طيران، لكنه ترك الباب مفتوحاً أمام الاتفاق على شيء قريب من ذلك. كما أن هناك تلميحات أن الأسد وجماعته قد يستهدفان. طبعاً يجب عدم اعتبار ذلك مسلّمات أو تجاهله.

2 – في الملف الإيراني، ولا سيما الجانب النووي منه، لا تزال أميركا في وضع انتظاري. ورئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو يعرف أنه يستطيع الاعتماد على الكونغرس الجمهوري لمنع أوباما من الاتفاق مع إيران على "تسوية نووية سيئة" أي مؤذية لها في نظرها. لذلك فانه لا يرى داعياً لكي يتحرك بنفسه وبقوة على هذا الصعيد. لكن أيضاً هنا تتكاثر الإيحاءات والتلميحات إلى اتفاق محتمل أو ممكن في الأشهر المقبلة.

3 – في العراق الحالة كارثية، القوات النظامية صارت "نكتة" عند الأميركيين وغيرهم. والنظام هناك يعتمد الآن على ميليشياته. ويفاقم ذلك من المشكلات مع الأقلية أي العشائر السنّية، فالتي منها تعارض المتطرفين (داعش) تريد ميليشيات خاصة بها لمحاربتهم، والأخرى متذبذبة جراء خوفها من الميليشيات الشيعية.

إلا أن ما يقلق الباحثين أنفسهم أكثر من أي شيء آخر هو طلب القيادات العسكرية الأميركية إلى الجنود – المستشارين – المدربين في العراق عدم استخدامهم الإنترنت وارتداء اللباس المدني خارج الخدمة. وإذا تعرّض هؤلاء لاعتداء جسيم وخطير فإن أوباما قد يضطر إلى إعادة النظر في شعاره "لا عسكر على الأرض" (No boots on the ground). وإذا حصل ذلك فالاستراتيجيا ستتحوّل من احتواء المتطرفين ومنعهم من احتلال مزيد من الجغرافيا إلى الانخراط مباشرة في الصراع. وقد يشمل ذلك الأرض السورية أيضاً.



(صحيفة النهار اللبنانية)