كتاب عربي 21

وحدة وطنية فلسطينية تحت سقف الانقسام

1300x600
ليس هنالك من موضوعة أو شعار يحتمل الالتباس والطعن من وراء الظهر وتزوير الوعي أو تشويهه مثل الحديث عن الوحدة الوطنية الفلسطينية

 كل الأطراف في الساحة الفلسطينية تتبنى شعار الوحدة الفلسطينية وتعتبره هدفاً راهناً وأسمى وضرورة حياة ووجود؟ 

 وكل من يتعرّض للموضوع الفلسطيني من الأشقاء العرب أكان مع تحرير فلسطين أم متواطئاً على فلسطين، وأكان من الحريصين على وحدة الشعب الفلسطيني غيرة على النضال الفلسطيني ومستقبل القضية الفلسطينية أم كان متبرماً من فلسطين وشعبها ونضاله ويريد إغلاق الملف بأية شروط يضعها الكيان الصهيوني وأمريكا. 

 كل هؤلاء ومَنْ حولهما يشددون على الوحدة الفلسطينية ويعتبرون الانقسام كارثة على القضية والشعب، وأن الوحدة الفلسطينية هي الطريق، أو الشرط، لتحقيق الأهداف. 

 لندع جانباً من يتخذون من الانقسام الفلسطيني حجة لأخذ موقف سلبي من دعم القضية الفلسطينية والنضال الفلسطيني، أو يُغطون من خلال التهويل بأضرار الانقسام ما يجري من تواطؤ، أو حصار، أو حتى شيطنة الفلسطينيين. 

 ولنركز على الذين تهمهم وحدة الصف الفلسطيني باعتباره الطريق الوحيد لدرء المؤامرات على القضية والشعب والنضال، أو لتحقيق: الأهداف. بل يصل الأمر اعتبار الوحدة الفلسطينية غاية بحد ذاتها، وبغض النظر عن السياسات والأهداف التي تقوم على أساسها. 

وهنا يجب أن يواجَه هؤلاء بجملة من الأسئلة التي تسمح الإجابات عنها بعدم اعتبار الوحدة غاية في حدّ ذاتها، بغض النظر عن الخط السياسي الذي سيقودها، إن كان من الممكن أصلاً أن تحقق وحدة وطنية بلا شرط يتعلق بمضمونها وأهدافها واستراتيجيتها وتكتيكها وخطها السياسي. 

الجواب الأول، ولا سيما إن جاء من طرف نضالي داخل الساحة الفلسطينية أو الساحات العربية والإسلامية والعالمية: كيف يمكن أن تقوم وحدة من دون تحديد المضمون والأهداف والخط السياسي والاستراتيجية والتكتيك؟ وهذا الجواب سيأتي فوراً من مختلف ممثلي الحركات الفلسطينية، وفي مقدمهم الذين يقفون على رأس أطراف الانقسام القائم. 

وبكلمة ليس هنالك من أحد يقبل أن تكون الوحدة غاية بحد ذاتها بغض النظر عن الشروط التي ستقوم على أساسها. ولكن مع ذلك تجد أصواتاً تدعو للوحدة الوطنية الفلسطينية من دون أن تتطرق إلى المضمون والأهداف والاستراتيجية والتكتيك والخط السياسي. وهؤلاء إن لم يقصدوا الهروب من مواجهة الإشكال السياسي الحقيقي الذي ولّد ويوّلد الانقسام، وذلك "لغاية في نفس يعقوب"،  يكونون تبسيطيين لا يدركون أن الانقسام، أمر جدي وجاد وليس بالهزل واللعبة. وليس جهالة وعدم دراية. 

والدليل سيأتي أول ما سيأتي من جانب الرئيس محمود عباس حين أعلن أمام مجلس الجامعة العربية، ولم تكد أيام قليلة تمضي على وقف إطلاق النار في حرب العدوان الصهيوني على قطاع غزة في صيف 2014: أن لا مصالحة إلاّ على أساس وحدة القرار في الحرب والسلم، ووحدة السلاح، ووحدة السلطة. وتكرّر هذا من خلال اشتراط بأن تكون سلطة رام الله شاملة كل المجالات في قطاع غزة. 

هذا يعني أن لا وحدة فلسطينية إلاّ على أساس الشروط الثلاثة السابقة. الأمر الذي يتضمن، وبلا جدال، أول ما يتضمن إنـهاء سلاح المقاومة في قطاع غزة، ويعني على الفور أن الوحدة الفلسطينية ستقاد على أساس الخط السياسي الذي يتبعه رئيس السلطة الفلسطينية ومن يؤيده في الساحة الفلسطينية. 

أغلب الفصائل الفلسطينية، أو أغلب الذين يرفضون استراتيجية وتكتيك محمود عباس وخطه السياسي، ولا يقبلون أن يسلم سلاح المقاومة وأنفاقها للسلطة الأمنية الفلسطينية أو حكومة حمد الله، سكتوا (بالتأكيد من غير رضا) عن الشروط الثلاثة التي وضعها ويضعها محمود عباس للوحدة الفلسطينية (وإلاّ الانقسام). وراحوا يشددون على أهمية الوحدة الفلسطينية من دون أن يقولوا ما هي الأسس التي يريدون للوحدة الفلسطينية أن تقوم عليها. 

نحن هنا بالتأكيد أمام منهج النعامة التي تضع رأسها في الرمال عندما لا تستطيع أن تواجه التحدي الذي يلاحقها أو تعبت من الفرار أمامه. 

إن مشكل الوحدة الفلسطينية الآن، وبجوهره، يدور حول قبول الشروط الثلاثة التي وضعها محمود عباس، أو بوضوح لا يقبل التأويل، وجاءت كل ممارساته ومواقفه على أساسها، أو حول مواجهته بشروط للوحدة الفلسطينية تقوم على أساس الحفاظ على المقاومة المسلحة وتعزيزها في قطاع غزة فضلاً عن فك الحصار وصولاً إلى صرف رواتب موظفي النظافة في المستشفيات (يا للفضيحة). 

هذا، ولم نتطرق إلى الإشكال المكمل والمتعلق باختيار استراتيجية الانتفاضة لدحر الاحتلال وتفكيك المستوطنات وتحرير القدس وإطلاق كل الأسرى. فها هنا يقف شعار الوحدة الوطنية الفلسطينية على رأسه إذا لم يحدد الخط السياسي والنضالي والمقاوم للضفة الغربية والقدس والأسرى. 

وخلاصة: كفى تبسيطاً للمناداة بالوحدة الوطنية الفلسطينية مفرغة الشروط التي يجب أن تقوم على أساسها، وإلاّ فليذهب كل في سبيله ولتتشكل جبهتان من دون أن تتصادما: جبهة الانتفاضة والمقاومة وجبهة مسار محمود عباس. 

فسلاح المقاومة وأنفاقها يجب أن يُحميا ويُعززا، وفك الحصار وبكل أبعاده، بما فيها إعادة الإعمار، يجب أن يُحقق. 

وتحرير الضفة الغربية والقدس والأسرى ليس له من استراتيجية غير استراتيجية الانتفاضة الشاملة. 
فجبهة الانتفاضة والمقاومة أمامها العدو الصهيوني. 

وجبهة محمود عباس أمامها هيئة الأمم والبرلمانات الأوروبية.

ومن ثم سيكون سقف الوحدة الوطنية الفلسطينية هنا أن تبحث الجبهتان كيف تتعايشان، وبينهما برزخ لا يبغيان وأمامهما عدو يجب أن تكون له الأولوية، ومن لا يفعل ذلك يأتي بما هو أسوأ من الانقسام. 

وبالمناسبة، هذه ليست لعبة توزيع أدوار وإنما معالجة صحيحة لانقسام حقيقي وجاد. وأصبح لا مفر منه في الساحة الفلسطينية. وذلك ضمن الظروف والمعادلات الراهنة، ولإبقاء البوصلة موجهة ضدّ العدو الصهيوني.