قضايا وآراء

السلطانية جزاء كل جشع

1300x600
إن الإنسان هو الإنسان، وإن تغيرت الأقنعة والأهواء والاتجاهات والاعتقادات فهو يسبح أو يحبو أو يمشي أو يسير أو يجري في سباق الزمن اللامحدود حسب مخيلته إلى أجله المحتوم، فنجده في صراع مع عنصري الحياة وهما الخير والشر فيجتذبانه ناحية اليمين واليسار ومرة تلو الأخرى وأما أن يكون نصيبه بين هذا أو ذاك أو الاثنين معاً أو له أن يختار بينهما إلى أن يلقى مصيره الذى أراده .

وقال عز من قائل: ( وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ ) وقال تعالى: (وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى) وهنا نلحظ تكرار التجربة البشرية للإنسان، وهي ذاتها الخبرات البشرية التي فيها نجاته أو هلاكه، التي بها يلقى مصيره أو حتفه وعبر الحقب الزمنية نجد القصص ذاتها وبكل تفاصيلها، ولكن بأشخاص مختلفين في الهيئة والمكان والزمان، ولكن علمتنا الحياة أن آفة الإنسان هي النسيان، ومع ذلك نجده يخوض التجربة ذاتها بكل مرارتها مرة تلو الأخرى، وينسى العبرة والتاريخ، ويعيش الصراع بأوجاعه، وإن كانت حتى القصة ذاتها ماثلة نصب عينيه، فنجده يتعامى أو يبتلى بالغشاوة جراء الغرو، فيأبى إلا أن يعيش المأساة بكل حذافيرها ويتجاهل الدروس عبر التاريخ!

إن ملخص الصراع البشرى كائن في دائرة (متاع الدنيا)، وذلك المتاع ما هو إلا الجزاء الذى يحصُل عليه الإنسان من أجل الاستمرار في إعمار الأرض وليس خرابها، إذن السعي في الأرض، ومن ورائه يحصد المصلحة، فهو أمرُ مباح طالما كان في إطار السبل والوسائل المشروعة، لأن رغد العيش هو من أهم مقاصد الحياة الدنيا وكما أن جنة الخلد هي مطمح المؤمنين وكذلك طمعهم في كرم وعطاء الخالق سبحانه تعالى، والسؤال هنا أين تكمن المشكلة؟! إنما تكمن في تعدى حبه للمصلحة من تلك الحدود المشروعة إلى اللا مشروعة والتي بها يُعتدى على حقوق الغي،ر وما إذا حدث ذلك التجاوز حينها يُوصف الفعل بالجشع أي (الطمع) الذي يصطحبة الغلو والتطرف والاعتداء ومعه تشتعل الحروب، ومن هنا تختبئ الوجوه الحقيقية وراء الأقنعة والتي يتخفى خلفها الجشع ويُزين الاعتداء برداء الغش والخداع، ومن ثم يُروج تحت مسميات غير حقيقية، ويبدو لظاهر العيان وكأنها براءة الأطفال بينما هي أقنعة تتبدل حسب الاحتياج من أجل الاستيلاء والسطو والنهب والسلب وبسط النفوذ باستخدام كل أنواع الأسلحة المدمرة والدعاية المضللة، بحجة أنهم في الأوضاع الاستثنائية التي تخّول لهم دهس جميع القوانين والأعراف والقيم تحت عجلة الحجج الواهية لمواجهة الأحوال القهرية، وإن هذه الأقنعة في الغالب ما يكون غطاؤها هو الكذب والخداع والاستدراج، وفي باطنها الأيديولوجيات والعقائد المختلفة، وهذا هو حالنا مع كل محتل ومغتصب قديماً وحديثاً، وسمها ما شئت من أسماء (صليبية – صهيونية – علمانية – ليبرالية – شيوعية – قومية – بوذية – غربية – شرقية) وكل تلك المسميات ما هي إلا بهدف الحشد والاصطفاف لنيل المراد وتحقيق الأهداف، بحيث تصبح كل طائفة ضد الأخرى، فجميعهم يخفون أغراضهم الحقيقية خلف الشعارات، وهم ليسوا أكثر من كونهم في حمى الأقنعة كمن هم في السيرك الليلي، وإن كانت تلك الدعاوى في ظاهرها تحمل من القيم و المُثل العليا، وكثيراً ما يكون بينهما قواسم مشتركة كالجاني والضحية، فكلاهما يرجو في خصمه غايته الخفية، وهكذا نجد البشر يتمترسون خلف كل شعار يناسب هواهم ومصالحهم، وفي نهاية الأمر نجد الجميع يسعى وراء تلك العناوين من أجل جلب المصلحة، وجميعها وسائل لا تخرج عن نطاق تحقيق المكاسب المبتغاة من متاع الدنيا وصولجان السلطان، وبهدف بسط النفوذ على الأرض من أقصاها إلى أقصاها، فلا يستثنى أحد من هذا الجشع الجامح وواقعه المرير الذى يعيشه بني البشر، فهم في هذا الشأن سواءً إن كانوا بالله يؤمنون أو بالله يجحدون، فعندما يحاجكم أدعياء العلمانية أو الليبرالية بأن الإسلاميين هم من يريدون الخلافة للسيطرة على الأرض، فنحن نسألهم .. إلى ماذا أنتم تطمحون إذن سوى بسط نفوذكم؟ فهل أنتم زاهدون في الدنيا وكارهون للسلطة؟!

فالإجابة بالطبع لا، فإن الإمبريالية على مر العصور كانت تسعى دائماً للاستحواذ والاستغلال ونهب البلاد والعباد، وأمامنا التجربة ماثلة في الحملات الصليبية والإمبراطوريات التي احتلت بلاد العالم بالإكراه وحتى في أوطاننا وجدنا أعوان المحتل وأذنابهم من العلمانيين هم من قاموا على حكمها لقرابة مئتي عام وصولاً لعهد حسنى مبارك، فلم يجد شعب مصر في ظل طغيانهم سوى الفقر والقهر وانتشار الجهل، فإن قصة الطمع أي الجشع والسطو على حقوق الغير بالإكراه قصة قديمة جديدة تكرر نفسها، ونحن عليها شاهدون، فإن جميع اعتداءاتهم (الغاصبين والجشعين) كان مآلها الانكسار والهزيمة، كقصة اللص الذى خدع أهل الجزيرة النائية عن الحضر، فخادعهم وسرق ذهبهم في مقابل أنه أهدى ملك الجزيرة سلطانية من النحاس هيئة تاج، وقد فرح بها ملك الجزيرة وأكرمه وأهداه من الجواهر والذهب ما يجعله من أغنى البشر، ولكن جشع اللص اللامحدود جعله يتمادى في الخداع/ لم يكتفِ ويرضى، وإنما مكر وتحايل وعاود الكرة في خداعه لأهل الجزيرة مرة أخرى، ولكن أمر الله غالب في أن يفضح المفسدين حيث قوله تعالى:
{وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِه} فإن القناعة كنز لا يفنى، فأراد هذا اللص المزيد، فكان جزاؤه ضياع الذهب في عرض البحر، وعاد ليسرق بغير حق، فحبسه الملك، وأعاد له السلطانية هديته في سجنه، وهذا هو حال أهل الجشع ممن يستولون على حقوق الغير تحت حجة اللبرالية والعلمانية والشيوعية والأمن القومي، وتحت دعاوى حماية الأوطان أو تحت حجج محاربة الإرهاب، ولكنهم في الواقع أرادوا تحقيق مطامعهم وجشعهم في السطو والسلب والنهب، وفي النهاية نحن نقول لهم ما هي إلا أسماء سميتموها لخداع الناس وخداع رب العالمين، وكما قال رب العزة (إن هي إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس ولقد جاءهم من ربهم الهدى) والرسالة هنا للعامة ولأهل الكتاب خاصة كي يعلمون إن جزاء من يعلم وينكر الحق سيكون أشد العقاب يوم الحساب وقال تعالى ( وإن الذين أوتوا الكتاب ليعلمون أنه الحق من ربهم وما الله بغافل عما يعملون ) صدق الله العظيم. ولذلك نقول للأوروبيين و أذيالهم في بلادنا العربية أنكم أنتم الخاسرون لا ريب، وقال فيكم رب العالمين: بسم الله الرحمن الرحيم (إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون) وهكذا يكون الجزاء من جنس العمل .