مقالات مختارة

اللعب على المكشوف!

1300x600
كتب محمد أبو رمان: لم يعد نظام الرئيس عبد الفتاح السيسي (في مصر) بحاجة إلى الالتفاف والدوران حول حقيقة مواقفه وخياراته السياسية، عبر التأكيد أنّه امتداد لثورة 25 يناير، التي أطاحت بنظام حسني مبارك، إذ إنّ أحكام القضاء بالأمس في تبرئة حسني مبارك ومعاونيه في قضية قتل المتظاهرين، هي بمنزلة الانتقال لمرحلة جديدة عنوانها "اللعب على المكشوف"!

 أصبحت القضية واضحة تماماً أمام أعين الجميع، إدانة الثورة المصرية نفسها وتجريمها، وصولاً إلى تبرئة مبارك والتنكيل بالإخوان المسلمين والقيادات الشبابية الليبرالية واليسارية المستقلة، التي قامت بدور فاعل في تلك الثورة، كما قال أحد المحللين المصريين، الذي انجرّ بدوره إلى التطبيل للانقلاب "لقد كان الرأي العام المصري مهيّأً لحكم البراءة في حسني مبارك"!

اليوم الأجندة لم تعد خافية على أحد، لا على الصعيد المصري، ولا حتى العربي، فالدعاية السياسية والإعلامية الهائلة خلال الشهور الماضية عملت بصورة منظّمة ومكثّفة على "غسل دماغ" الرأي العام العربي، عبر إدانة الربيع العربي بأسره، وتحطيم أي أمل أو حلم بالديمقراطية والعدالة الاجتماعية والخروج من المأزق التاريخي السياسي الراهن، وطرح إعلاميو الاستبداد وزبائنه السؤال المقلوب: ماذا قدّم لنا هذا الربيع العربي غير الدماء والأشلاء والفوضى وداعش والمتطرفين، وصولاً إلى تفتيت الدول العربية القائمة!

هكذا ببساطة، وبكل سذاجة وسطحية واستخفاف بأبسط حقوق الإنسان عمل السياسيون والإعلاميون المصريون وأصدقاؤهم أصحاب النظرية نفسها على تدشين لحظة الإدانة للربيع، الذي حمل حلم الناس بالديمقراطية وتكسير هذه الأنظمة الدكتاتورية، وكأنّ هذا الحلم الطبيعي جريمة في العالم العربي وغير مشروع، لأنّنا باختصار شعوب لا تستحق الديمقراطية، وما الربيع العربي إلاّ "زوبعة في فنجان"، والحل يكون بالعودة إلى النظام السلطوي؛ "المباركية"، حتى ولو من دون حسني مبارك!

لاحظوا كيف سيستغني الإعلاميون المصريون والعرب عن الديباجة المملة، التي اضطروا إليها في المرحلة السابقة، بعد أحكام الأمس، فليسوا بحاجة بعد اليوم إلى أن يبدؤوا بتأكيد أهمية ثورة يناير وأهمية تصحيح مسار الربيع العربي، ولا أنّ القضية تتمثّل فقط في مواجهة محاولات الإخوان "حرف المسار الديمقراطي" والسيطرة على مقاليد السلطة، لن يحتاجوا إلى "هذه اللعبة" الممجوجة بعد اليوم، فكما هي العبارة المشهورة (بين عبد المنعم مدبولي وأحمد بدير) في مسرحية ريا وسكينة "كلّ شيٍّ انكشفٍن وبان"!

 حتى في تونس التي كانت تعتبر استثناء في المسار الديمقراطي، وفي تجنّب الإسلاميين هناك للألغام التي وضعت في طريقهم، إلاّ أنّ التصريحات المنسوبة للمرشّح للرئاسة الباجي قايد السبسي بأنّ أنصار المرشّح الآخر المنصف المرزوقي "إسلاميون متشددون وجهاديون" تضع علامات جديدة على هوية وأجندة التيار الذي ينافس النهضة اليوم، بانتظار الجولة الثانية، لكن من الواضح أنّ هنالك إصراراً من الأنظمة العربية المحافظة التي تدعم السبسي، على إعادة تونس إلى حظيرة "السلطوية العربية".
 
أؤمن فعلاً باستحالة نجاح الثورة المضادة على المدى البعيد، لأنّها باختصار لا تقدّم لنا بديلاً مقنعاً للمستقبل، بقدر ما تحاول وقف عقارب الساعة، وإذا نجحت في شيء، فلن يكون بلجم الطموح الشعبي في التغيير، بل في تفجير المجتمعات والدول وإشاعة الفوضى والحروب الداخلية وتعزيز المناخ المواتي لداعش وأخواتها للصعود والانتشار.

مع ذلك دعونا نطرح الأسئلة الصعبة، اليوم، ونعود لقراءة وتفسير الربيع العربي؟ هل فعلاً فاتت لحظته وتلاشت شروطه؟ بعد أن أصبح اللعب على المكشوف؛ هل هو الاستسلام لليأس والإحباط، أم الانتحار الاجتماعي والسياسي؛ ما هي الخطوة التالية؟!

(عن صحيفة 1 كانون الأول/ ديسمبر 2014)