كتاب عربي 21

التوظيف الانتقائي لنظرية المؤامرة

1300x600
بعيدا عن حيثيات (نظرية المؤامرة) وعُقَدها وكلام الباحثين حولها وبعيدا عن النافين والمبالغين والمعتدلين فيها.

 إلا أن التاريخ والواقع يذكر مؤامرة إبليس ضد آدم وحواء.

ومؤامرة أخوة يوسف. 

ومؤامرة اليهود لقتل المسيح.

 ومؤامرات قريش واليهود في التخلص من دعوة الإسلام والتصفية الجسدية للنبي عليه الصلاة والسلام.

 ومؤامرة ابن العلقم وإسقاط الخلافة العثمانية.

 واحتلال فلسطين ونهب النفط الخليجي. 

وإجهاض الربيع العربي وتدمير "الإسلام الجهادي".

كل هذا لا يمكن تفسيره بمعزل عن مفهوم "نظرية المؤامرة".

نحن نرحّب بنظرية المؤامرة إذا كانت مبنية على فهم سليم ودقيق للحوادث بأدلة تدعم هذا الاعتقاد، لكن نرفضها اذا كانت مبنية على هواجس وهلوسات و أوهام وأضغاث أحلام وأمراض عقلية ونفسية أو اتخاذها وسيلة لتبرير حالة الفشل والعجر والتقاعس.. .فالتعاطي مع حالة محددة ومعينة ومحاولة فهمها في ضوء هذه النظرية بأدوات علمية ومنطقية هو أمر يجب أن نقبل به للوصول للحقيقة لمعرفة العدو و إيجاد الحلّ.

التطرف في توظيف هذه النظرية في سياقات حياتنا يصوّرنا وكأننا لا حول لنا ولا قوة أو كما في فكر "الجبرية" بكوننا ريشة في مهب الريح يحركنا "القدر" الماسوني الغربي فنحن كشعوب لنا إرادتنا القوية التي إذا بنيناها فسوف نتمكن من دحر المؤامرات ومن يقف وراءها ممن يعادون خيارات الشعوب وتوجهاتها. 

 *الذهنية العربية تستحضر دائماً الصهيونية عند الحديث عن نظرية المؤامرة ويستدلون بكتاب "برتوكولات حكماء صهيون" لإثبات هذه المؤامرة رغم أن هناك من يشكك في حقيقة هذا الكتاب كعبد الوهاب المسيري وأن دور اليهود مبالغ به لترهيب المسلمين.

بغض النظر عن هذا كله فالذي لا نشك به أن إسرائيل تحتل فلسطين بتواطؤ غربي وعربي ولولا هذه المؤامرة العالمية المحكمة ما كان لها لتبقى وتستمر. 

 شعار محاربة "المؤامرة الصهيونية" هي أصلاً مؤامرة على الشعوب تقوم برفعه الأنظمة العربية كالنظام السوري لشرعنه وجودها والتحكم بالشعوب العربية بنغمة المقاومة والممانعة وفي الحقيقة هي جزء من المؤامرة الصهيونية ولمّا ثار الشعب السوري اتهموه بانه يتحرك في مخطط المؤامرة الكونية.. لتظهر "الدولة الإسلامية" فتُتهم بأنها ابنة المؤامرة الكونية وبنفس الوقت -سبحان الله- تقوم قوى المؤامرة الكونية بالتآمر على الدولة الإسلامية.. وقليل من ينتبه لهذه التناقضات.

 "الربيع العربي" في ظل نظرية المؤامرة اخرج لنا موقفاً مضحكاً وهو أن هذا الربيع الذي أسقط بعض الطغاة هو مؤامرة صهيو-أمريكية وكأنهم لم يكونوا يدورون في فلكها في حين أن الانقلاب على هذا الربيع ومحاولة إعادة أنظمة الفساد هو خيار "شعبي حقيقي".

الليبراليون والعلمانيون هم أكثر من يُكذّب نظرية المؤامرة على اعتبار أن الغرب هو قدوة للتقدم والتحضر و أن الدين هو الذي يتآمر على الشعوب، وهؤلاء هم أول من وقف في صف أنظمة الفساد في مصر وتونس وكانوا أبواقا للعسكر والمنقلبين على ثمار الربيع العربي، يعادون البديل الإسلامي وهم في أحضان البديل العسكري الانقلابي، هنا تتألق الانتقائيّة في توظيف نظرية المؤامرة.

 في السياق الإيراني يظهر مثال آخر للانتقائية بشعار "الموت لأمريكا" وإظهار إيران "الإسلامية" المعادية للغرب والصهيونية في حين إيران كانت الخادمة المطيعة لأمريكا في أفغانستان والعراق ونعلم ملايين الدولارات التي أُنفقت لشراء فتاوي رموز الشيعة لتحريم قتال الأمريكان ولا ننسى المشروع الحوثي –الإيراني الذي يعمل تحت غطاء أمريكي.

الأمثلة كثيرة لحالة الانتقائية في توظيف "نظرية المؤامرة".

أردنا فقط أن نلفت النظر إلى أن هناك من يلجأ إليها للدفاع عن مواقفه وشرعنتها وهناك من يحاربها وينفيها اذا كانت تدينه وتكشف سوءاته.