قضايا وآراء

الإخوان المسلمون... وحديث المراجعات

1300x600
ترتفع الأصوات من حين لآخر مطالبة الإخوان بإجراء مراجعات لمواقفهم وأفكارهم، وبصرف النظر عن دوافع من يطلقون هذه الدعوات، فإن مراجعة أي حزب أو جماعة لمواقفها وأفكارها من حين لأخر هو إجراء طبيعي لتصحيح أخطائها، وتعديل مسارها، وترتيب أوضاعها بما يتلاءم مع المتغيرات الداخلية والخارجية التي تحكم مسيرتها، وتزداد الحاجة إلى هذه المراجعات إذا مر الحزب أو الجماعة بأزمة كبيرة تؤثر علي مسيرتها.

وقد رأينا العديد من الأحزاب في الدول الديمقراطية تقوم بإجراء مراجعات لمواقفها وسياساتها، وتغيير قياداتها، نتيجة عدم تحقيقها نتائج جيدة في الانتخابات، وانخفاض شعبيتها بدرجة كبيرة، أو نتيجة فشل سياستها في الحكم في تحقيق النتائج المرجوة، ولا يقتصر الأمر علي الأحزاب الديمقراطية، بل وجدنا بعض القوى والأحزاب في البلاد غير الديمقراطية تقدم علي هذه المراجعات، ولعل من أبرز هذه الأحزاب الحزب الشيوعي الصيني الذي أقدم علي تغييرات كبيرة وجذرية تتعارض مع الأسس الأيديولوجية التي تقوم عليها الشيوعية التي يتبناها الحزب، وكذلك علي تغييرات في قياداته، وهو ما انعكس بالإيجاب علي الوضع في البلاد

ولعل جماعة الإخوان في أمسّ الحاجة إلى إجراء هذه المراجعات، خاصة بعد المحنة التي تعيشها الآن، والتي ربما فاقت كل المحن التي مرت بها من قبل، ولا معني للحديث عن أن الوقت غير مناسب لإجراء مثل هذه المراجعات في ظل الأجواء الصعبة التي تعيشها الجماعة وأفرادها، بل إن ما تعيشه الجماعة من محنة هو أدعى لإجراء مثل هذه المراجعات.

والحقيقة أن الجماعة في حاجة إلى مراجعة تتجاوز مجرد مراجعة سياستها ومواقفها بعد ثورة 25 يناير، كما يدعوها أغلب من ينادونها بإجراء مراجعات، أو مراجعة أفكارها كما يدعوها البعض الآخر، فهي مطالبة بمراجعة شاملة تتمثل في:

-  تصحيح بعض المفاهيم الخاطئة لدي البعض داخل الصف الإخواني نتيجة الفهم غير الصحيح لبعض القيم أوالفهم الخاطئ والخلط بين بعض المفاهيم، فعلي سبيل المثال من الأمور الشائعة لدي قطاعات واسعة من الإخوان التسليم بأقوال من يرون أنهم كبار الإخوان، ومن التعبيرات الشائعة داخل الجماعة "الأخوة فوق قالوا".. فهناك من يتعامل مع هذه الأقوال بأنها من المسلمات، مع أن هذا يتعارض مع منهج الجماعة نفسه، ومع الأصول العشرين للفهم من أن كل إنسان يؤخذ منه ويردّ، وربما جاء هذا الخطأ من زاوية الفهم الخاطئ لمعنى الاحترام، وكذلك الفهم الخاطئ لركن الثقة الذي لا علاقة له بهذا الأمر، ومن الأمور الشائعة الربط بين ما تعرض له أحد الإخوان من محن واعتقالات واعتبار ذلك مؤهل لاختياره أو انتخابه لأحد مواقع المسؤولية داخل الجماعة، مع أنه لا يوجد ربط بين الأمرين، فالمفترض أن العبرة بتوافر عنصر الكفاءة.. هذه مجرد إشارات لبعض الأمور، لأن الغرض من هذا المقال ليس استقصاء هذه الأمور أو تحديد الأخطاء التي تحتاج إلى مراجعة بصفة عامة، بل الهدف هو وضع تصور للإطار الذي تدور حوله المراجعات.

-  تغيير اللوائح التي تحكم عمل الجماعة، لقد تم إصدار القانون الأساسي لجماعة الإخوان عام 1945، وأدخلت عليه تعديلات عام 1948 ثم عام 1951، وربما كانت هذه اللائحة مناسبة للفترة الزمنية التي صدرت فيها، وتعدّ أكثر ديمقراطية وتأكيدا علي إجراء الانتخابات في تنظيماتها الإدارية المختلفة، قياسا بالأحزاب الكبرى في تلك الفترة، والتي كانت ترفع راية الليبرالية، كالوفد والأحرار الدستوريين، وبالرغم من إدخال تعديلات علي اللائحة بداية التسعينات، إلا أن الهيكل الرئيسي للقانون ولائحته هو الذي صدر عام 1945 وتعديلات 1948 و1951 

والواقع أن تغير الظروف وتطور الأحداث لا يتطلب فقط تعديل هذه اللائحة، بل إصدار لائحة جديدة تتلافى ما في هذه اللائحة من بنود تجاوزها الزمن، وبعض البنود التي هي محل نقد.

 لقد ثار الجدل حول تفسير لائحة الجماعة عقب إعلان المرشد السابق محمد مهدي عاكف عام 2009 الاكتفاء بفترة واحدة حول من يشغل الموقع حتى إتمام الانتخابات وموعدها، وترتب علي ذلك خروج د. محمد حبيب من الجماعة، والذي كان يري أن اللائحة تعطيه هذا الحق، بينما رأي الآخرون غير ذلك، وبصرف النظر حول حقيقة هذا الخلاف ونصوص اللائحة، فقد أدى هذا الأمر إلى تسليط الضوء على اللائحة التي قام الإخوان بنشرها على موقعهم، وارتفعت الأصوات مطالبة بتعديلها وبدأ ت الجماعة مناقشات حولها.

 ومع قيام الثورة التي طال تأثيرها الجميع بما فيها الإخوان خاصة الشباب تسارعت الوتيرة، وأعلن عن تلقي اقتراحات لتعديل اللائحة وتطوير الجماعة، وتولى هذا الملف خيرت الشاطر، ولكن لم يتم هذا الأمر، ولم يعلن عن سبب محدد لذلك.. هل كان ذلك لانشغال الجماعة في التطورات السياسية التي أعقبت الثورة أم هناك أسباب أخرى؟

-  الموقف من التنظيم الدولي للإخوان، والحقيقة أن لي موقفا سابقا من وجود هذا التنظيم، وقد كتبت مقالا بعنوان" الإخوان المسلمون... وتحديات ما بعد ثورة 25 يناير" بتاريخ 4/3/2011، أي بعد أقل من شهر من تنحي مبارك، جاء فيه فيما يتعلق بالتنظيم الدولي: " ومن التحديات التي تواجه الجماعة الموقف فيما يعرف بالتنظيم الدولي والذى أعتقد أنه غير موجود من الناحية العملية بالمعنى الدقيق لكلمة تنظيم وما تحمله من معان ودلالات، والأدلة على ذلك كثيرة، مثل المواقف المتناقضة للإخوان في البلدان الأخرى مع موقف الجماعة الأم في مصر، مثل مشاركة إخوان العراق في مجلس الحكم بعد الاحتلال الأمريكي للعراق، على خلاف موقف الإخوان في مصر، وكذلك موقف الإخوان في الأردن من الغزو العراقي للكويت المخالف لموقف الإخوان في مصر، وكذلك عدم قدرة الجماعة على إنهاء النزاعات الداخلية مثلما حدث في الجزائر وغيرها من البلدان الأخرى، إلا أنه وبالرغم من ذلك يبقى أن هناك من الناحية الرسمية تنظيما دوليا للإخوان ولائحة تحدد مهامه وتشكيله، كما أنه يجوز طبقا للائحة أن يكون المرشد العام من خارج مصر، بالرغم أن العرف جرى أن يكون المرشد من مصر وهذا الأمر يتطلب اتخاذ موقف محدد من هذا التنظيم، إما بإلغائه وأن يكون للإخوان في كل بلد تنظيمهم الخاص بهم وفق الناحية الفكرية التي قامت عليها الجماعة في مصر، أما الخيار الثاني وأعتقد أنه الخيار الأفضل للحفاظ على التواصل بين الإخوان في أنحاء العالم بصورة علنية، دون إثارة القلق والخوف من جانب الحكومات والتيارات السياسية الأخرى، هو تشكيل منتدى أو مؤتمر دولي للإخوان في العالم على غرار مؤتمر الاشتراكية الدولية والليبرالية الدولية، وهى مؤتمرات تعقد بصورة علنية لمناقشة بعض المسائل التي تهم أعضاءها "

-  مراجعة مسيرة الجماعة منذ نشأتها، وإن كانت مراجعة المواقف السياسية التي اتخذتها الجماعة منذ ثورة 25 يناير وحتى الآن ربما تكون المراجعة الأكثر إلحاحا في الوقت الحاضر، والتي تتطلب شجاعة وصراحة كاملة في تناولها من جانب قادة الجماعة، لتحديد الأخطاء التي ارتكبت طوال تلك الفترة الحاسمة من تاريخ مصر، خاصة الفترة التي قضاها محمد مرسي في الحكم، التي مازال الكثير من خباياها طي الكتمان، والتي لاشك أن أسرارها عند الدائرة التي كانت قريبة منه.. لقد استغرق الحديث عن المؤامرات التي دبرت ضد مرسي، سواء من جانب مؤسسات الدولة والإعلام ورجال الأعمال أو القوي الخارجية، مع أن هذه المؤامرات كانت واضحة، ويتم الحديث عنها جهارا نهارا، ولم تدبر بليل...لذلك فإن السؤال المهم هو ماذا فعلت مؤسسة الرئاسة أو الإخوان لمواجهة هذه المؤامرات التي تحدثوا هم عنها؟ وهل كانت هناك رؤية واضحة لمواجهة هذه المؤامرات وإفشالها وأسباب الإخفاق في ذلك؟

-  مراجعة أفكار الجماعة، وهي المراجعة التي ربما تكون الأصعب، فأي حزب أو جماعة أيديولجية تقوم علي ثوابت ومتغيرات، وتشكل الثوابت القواعد التي بدونها قد يفقد الحزب أو الجماعة الأسس التي قام عليها، على عكس المتغيرات، وغيرها من الأمور القابلة للاجتهاد، التي ربما تكون أقل حدة في التعامل معها، وقد قامت الجماعة بعدة اجتهادات فكرية في هذا الصدد، واتخذت مواقف أكثر تقدما من مواقف حسن البنا مثل الموقف من المرأة وإلزامية الشورى والأحزاب، أما ما يتعلق بأفكارها بصفة عامة فتتميز بالوسطية والاعتدال، وهو ما أقر به الأزهر ذاته، عندما عرضت عليه بعض كتب الإخوان، والملاحظ أنه كان هناك اتهام من جانب بعض الباحثين والمنشقين عن الجماعة بسيطرة التيار القطبي المتشدد علي قيادة الجماعة، وسيطرة فكر سيد قطب، وتراجع فكر حسن البنا، خاصة بعد تولي محمد بديع موقع المرشد العام إلا أن هناك تطورا ملحوظا في الفترة الحالية، بالهجوم علي فكر حسن البنا من جانب بعض من خرج من الجماعة، وليست المشكلة بطبيعة الحال في انتقاد البنا أو أفكاره، فهو بشر في النهاية، يخطئ ويصيب، ولكن المشكلة أن من يهاجمون فكر البنا منهم الآن لم يذكروا أفكارا للبنا تتمسك بها الجماعة حتي الآن، وتحتاج إلى مراجعة.. فمحمد حبيب الذي قضي أكثر من أربعين عاما في الجماعة، وكان نائبا للمرشد، وكاد أن يكون المرشد العام للجماعة، اكتشف أخيرا أن كثيرا من أفكار حسن البنا تحتاج إلى تغيير وتعديل، وأنه لم يكن يؤمن بالتعددية ولا الديمقراطية الكاملة ولا إلزامية الشورى، وأنه يري استخدام القوة وقت اللزوم ، وأن "الإخوان لم تكن لديهم الشجاعة لإعلان اختلافهم مع أراء وأفكار حسن البنا"

والحقيقة ان ما ذكره حبيب يدعو للدهشة، ليس لأن الرجل قضي عقودا داخل الجماعة، ولم يخرج منها اعتراضا على أفكارها أو مواقفها، ولكن لأن ما طرحه الرجل من مواقف للبنا لو سلمنا بها كلها - وبعضها محل نظر واختلاف - فإنها تصب في مصلحة الجماعة، وتنقض أقواله، وتؤكد أن الإخوان أعلنوا اختلافهم مع بعض أفكار البنا عمليا، وقاموا بمراجعتها، فالجماعة تأخذ بالشورى الملزمة، وتعلن إيمانها بالتعددية والديمقراطية، وانخرطت في العمل السياسي مبكرا وكونت حزبا، وأعلنت نبذها للعنف، وتعلن موقفها هذا في كل مناسبة، وآخر اتهام وجه لها باستخدام العنف هو حادث المنشية عام 1954، بصرف النظر عما يثار حول هذا الحادث.

 وهناك بعض من يدعو إلى مراجعة أفكار الجماعة، ولكن ما يطرحونه من آراء لا يتناقض مع أفكار البنا، ولكن المشكلة تأتي من جانب بعض المتحدثين من الإخوان في تحديد الأولويات والأهداف القريبة، والأهداف البعيدة، وتحديد بعض المفاهيم، ولغة الخطاب.

علي كل حال وبعيدا عن التفاصيل، فلا معني للمراجعة إذا لم توضع كل الأمور والأفكار علي بساط البحث، وإذا لم تكن هناك شجاعة في الاشتباك والتعامل مع التحديات التي تواجهها الجماعة.