ملفات وتقارير

هل تسحب قطر أموالها من لندن بعد حملة "التلغراف"؟

قطر: استثمارات مليارية في بريطانيا تهددها حملات مدفوعة الأجر - عربي21
نشرت جريدة "صنداي تلغراف" البريطانية سلسلة تقارير مؤخراً تتهم فيها دولة قطر بتمويل الارهاب في العالم بما في ذلك تنظيم القاعدة وحركة حماس الفلسطينية وجماعة الاخوان المسلمين، على الرغم من أن الاخوان ليسوا مصنفين كمنظمة ارهابية لا في بريطانيا ولا في دول الاتحاد الأوروبي، إلا أن الصحيفة حاولت الخلط في عدة تقارير بين الاخوان والقاعدة وحتى تنظيم "داعش" في سوريا والعراق، لتنتهي الى تثبيت تهمة تمويل ودعم الارهاب على القطريين.

وجريدة "التلغراف" التي تصدر في عددها اليومي باسم "ديلي تلغراف" وفي عددها الأسبوعي باسم "صنداي تلغراف"، هي واحدة من صحف اليمين في بريطانيا، كما أنها محسوبة على حزب المحافظين الحاكم، ومقربة من رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون وعمدة لندن بوريس جونسون الذي ينشر مقالاته فيها على الدوام.

تقارير عديدة
ورصد موقع "عربي21" المقالات والتقارير التي نشرتها جريدة "التلغراف" بنسختيها اليومية والأسبوعية، والتي تدور حول موضوع واحد وهو إلصاق تهمة الارهاب بدولة قطر، ليتبين أن الصحيفة نشرت سبعة مواد صحفية حول الموضوع ذاته خلال أسبوعين فقط.

وبتحليل مضامين التقارير الصحفية السبعة فانه يتبين بأن المقصود ليس الاخوان المسلمين ومحاولة حظر أنشطتهم داخل بريطانيا، بحسب ما نشرت الصحيفة يوم الأحد 19 تشرين أول/ أكتوبر 2014، وإنما المراد هو الربط بين دولة قطر وبين تمويل الارهاب في العالم، وحتى عندما ورد ذكر الاخوان قالت الصحيفة إن "قطر تدعم الاخوان المسلمين في ليبيا الذين يتعاونون مع ميليشيات مسلحة تشن الهجمات للاطاحة بالعلمانيين من الحكم"!

لكن اللافت من بين المقالات السبعة أن أحدها يحمل العنوان: "المتسوقون من هارودز يشترون من الارهاب"، في اشارة الى متجر "هارودز" الشهير في وسط لندن، وهو أشهر وأفخم وأغلى المتاجر في القارة الأوروبية على الاطلاق، كما أنه مملوك لدولة قطر الذي يمثل هذا المتجر الفاره أحد استثماراتها في بريطانيا. 

والغريب في هذا التقرير أنه يمثل ذماً وقدحاً وتشهيراً بعلامة تجارية مهمة، وهي علامة تجارية لمركز تسوق لا علاقة له بالسياسة ولا بالنظام في قطر، وانما هو استثمار عربي خالص في لندن.

وركز تقرير "التلغراف" على وقفة محدودة لنشطاء مؤيدين لاسرائيل أمام المتجر اتهموه فيها بتمويل الارهاب، وطالبوا بمقاطعته، وهو ما بنت عليه الصحيفة تقريرها.

ويأتي ذلك في الوقت الذي قال فيه الرئيس التنفيذي لجهاز قطر للاستثمار أحمد السيد إن "بريطانيا تظل الوجهة الرئيسية للاستثمارات القطرية، وإنها استثمرت خلال السنوات الأربعة الماضية أكثر من 250 مليون جنيه استرليني اضافية في متجر هارودز، بوسط لندن".



مراسل واحد
وبتحليل مضامين التقارير السبعة التي نشرتها "التلغراف" البريطانية فان المعلومة المهمة التي حصل عليها موقع "عربي21" هي أن كل هذه التقارير والمقالات يقف وراءها شخص واحد، هو كبير المراسلين في "صنداي تلغراف" وهو الصحفي "روبرت ميندك".

وميندك هو كبير المراسلين في جريدة "صنداي تلغراف"، وكان قبل ذلك صحفياً في جريدة "اندبندنت" البريطانية، كما أنه يعمل في الكتابة الصحفية منذ أكثر من عشرين عاماً، إلا أن كون هذه التقارير والمقالات جميعها من إعداده ويتم نشرها من خلاله يرفع من مستوى الشكوك بشأن كونها "حملة منظمة"، وليست مجرد مصادفة.

حملة دولية منظمة
وتأتي هذه الحملة اللافتة التي تطال دولة قطر في جريدة "صنداي تلغراف" بالتزامن مع حملة مشابهة تشهدها الولايات المتحدة، وهي الحملة التي كان من الممكن أن لا ينتبه لها أحد لولا أن موقعاً الكترونياً أمريكياً فضحها، وكشف من يقف خلفها ومن يدفع الرشاوى من أجل تحريكها.

وبحسب تقرير نشره موقع "ذي إنترسيبت" الأمريكي فان العداء بين قطر والامارات تمخض عنه "حملة جديدة في الغرب لشيطنة القطريين على أنهم الداعمون الأهم للإرهاب، حيث اختارت الإمارات استراتيجية مستترة وذلك من خلال دفع ملايين الدولارات لمؤسسة ضغط سياسي (لوبي) تتكون من مسؤولين كبار سابقين في الخزانة الأمريكية من الحزبين لتمرير قصص مناهضة لقطر إلى الصحفيين الأمريكيين"، على حد تعبير التقرير.

ويقول التقرير إن "هذا التكتيك الحاذق حقق نجاحاً باهراً، وهو يسلط ضوءاً مهماً على الكيفية التي يمكن من خلالها بسهولة وعبر استخدام المال تسريب الروايات السياسية إلى داخل الخطاب الإعلامي في الولايات المتحدة الأمريكية".

وبحسب المعلومات التي يكشفها الموقع الأمريكي فقد تعاقدت دولة الإمارات مع مؤسسة استشارية أمريكية اسمها "كامستول غروب"، يعمل فيها عدد من المسؤولين السابقين في وزارة الخزانة الأمريكية، من أجل القيام بهذه المهمة، حيث دفعت أموالاً ورشاوى لصحفيين كتبوا لاحقاً مقالات ناقدة لقطر تتهمها بلعب دور في جمع الأموال للإرهابيين.

وتأتي المعلومات التي نشرها موقع "ذي إنترسيبت" لتؤكد ما ورد في مقال بصحيفة نيويورك تايمز بقلم دافيد كيركباتريك، حيث كشف النقاب عن "تحالف مصالح غير متوقع بين كل من المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة ومصر وإسرائيل" يسعى لتصوير الدوحة كما لو كانت "عراب الإرهابيين في كل مكان".

الخيارات القطرية
وبينما تنشغل الصحيفة المقربة من حزب المحافظين الحاكم في تسويق فكرة أن قطر هي الداعم والممول للارهاب في العالم، وتنشغل في محاولة الخلط بين جماعة الاخوان المسلمين وبين المنظمات الارهابية مثل "داعش" والقاعدة، فان دخول بريطانيا في أية أزمة مع دولة قطر سيعني في النهاية أن قائمة طويلة من الاستثمارات المليارية، والمصالح الاستراتيجية ستكون مهددة.

وقال محلل بريطاني تحدث بشكل خاص لــ"عربي21" إن الحملة التي تقوم بها "التلغراف" هذه المرة مشبوهة، مضيفاً: "من الواضح انها تحمل بصمات سياسية، وعلى الأغلب أن نفس الأطراف في الولايات المتحدة هم من يقومون بهذه الحملة".

وعند سؤال "عربي21" عن خيارات قطر في التعامل مع هذه الحملة قال المحلل إن قطر يمكن أن تلجأ لحملة مضادة، أو تلجأ الى القضاء، لكنها تملك أيضاً الورقة الاقتصادية، خاصة وأن قطر تعتبر من أكبر وأهم المستثمرين في بريطانيا التي لا زالت بحاجة لاستثمارات خارجية من أجل أن تتعافى من الكبوة المالية، لذلك فان أي تهديد من قطر بسحب الاستثمارات من بريطانيا سيؤخذ على محمل الجد من قبل صناع القرار في لندن". 

يذكر أن اسم قطر يرتبط في أذهان البريطانيين بالغاز الطبيعي، الذي يستخدمونه في تدفئة منازلهم، حيث تمثل قطر مزوداً مهماً لبريطانيا في مجال الغاز، كما أن الاستثمارات القطرية تتوزع على مختلف القطاعات الحيوية في بريطانيا ابتداءاً من أسواق الأسهم والسندات، ومروراً بالعقارات، ووصولاً الى قطاع التجزئة التي تمثل دولة قطر اللاعب الأهم فيه من خلال استثماراتها في كل من "سينزبري" و"هارودز".

ويسود الاعتقاد بين كثير من المراقبين أن الاستثمارات الضخمة لدولة قطر لعبت دوراً كبيراً في إخراج بريطانيا من أزمتها المالية، كما أن سحب هذه الاستثمارات أو تحركها نحو دولة أوروبية أخرى مثل فرنسا أو ألمانيا التي زارها الأمير القطري قبل أسابيع يمكن أن يتسبب بأزمة للاقتصاد البريطاني، إضافة لأزمة سياسية للحزب الحاكم الذي يستعد للمنافسة في انتخابات تاريخية هامة في أيار/ مايو المقبل.

وكانت شركة "سينتريكا" قد أبرمت اتفاقاً مع "قطر غاز" في شهر نوفمبر الماضي بقيمة 7 مليارات دولار (4.4 مليار جنيه إسترليني) تقوم بموجبه دولة قطر بتزويد المملكة المتحدة بثلاثة ملايين طن من الغاز الطبيعي المسال سنوياً. 

وتمثل الكمية التي تم الاتفاق على توريدها من قطر الى بريطانيا 13% من حاجة السكان للغاز، تضاف الى إمدادات قطرية متفق عليها سلفاً من الغاز المسال تمثل نحو 15% من حاجة بريطانيا من الغاز.

وتملك دولة قطر واحداً من أكبر صناديق الاستثمارات السيادية في العالم، حيث يدير صندوقها أصولاً تتراوح قيمتها بين 100 و200 مليار دولار، بحسب ما أوردت وكالة الصحافة الفرنسية في تقرير لها مؤخراً.