مقالات مختارة

الخطر أبعد من الجامعات

1300x600
كتب فهمي هويدي: انتظرت تكذيبا أو تصويبا للخبر الفاجع، فتلقيت ما يؤكد صحته. 
ذلك أن قارئ هذه الزاوية ربما لاحظ أنني عبرت أمس (الأربعاء 24/9) عن الدهشة والانزعاج إزاء نشر خبر في جريدة «الشروق» تحدث عن الاستعانة في الجامعات المصرية بطلاب «وطنيين» لمراقبة زملائهم والإبلاغ عن المشاغبين منهم. ولأنني لم أكن متأكدا من الخبر، وربما لأنني تمنيت ألا يكون صحيحا، فقد تعاملت معه بحذر، وذكرت أنه لم ينسب إلى مصدر رسمي أو مسؤول، وإنما نسب إلى «مصادر جامعية»، الأمر الذي يفتح الباب لاحتمال ألا يكون الخبر دقيقا. إلا أن ما نشرته «الشروق» أمس أثبت أن حذري لم يكن في محله، وإنما كان إسرافا من جانبي في حسن الظن، لأن التفاصيل أيدت صحة الخبر، وفصلت فيه على نحو يضاعف من منسوب الفزع.

خبر «الشروق» أمس ذكر ما يلي: إن مصدرا مسؤولا بوزارة التعليم العالي والمجلس الأعلى للجامعات قال إنه لم يتم وضع اللمسات النهائية فيما يتعلق بمهام الطلاب الذين سيساعدون أفراد الأمن الإداري في الكشف عن زملائهم المشاغبين.

* إن اجتماعا سيعقد مع بداية العام الدراسي الجديد بين نائب رئيس كل جامعة لشؤون التعليم والطلاب وعمداء الكليات مع طلاب الاتحادات بالكليات وطلاب الأسر ذات الحس الوطني والتي لها رؤية وطنية وبعض الطلاب المتميزين بمختلف الفرق الدراسية وبعض الطلاب العاديين، لتحديد النقاط التي سيكلفون بها.

* هؤلاء الطلاب سيكونون حلقة الوصل بين إدارة الجامعة والطلاب (زملائهم)، فضلا عن مساعدة أفراد الأمن في الكشف عن الطلاب المشاغبين، والذين يحملون أسلحة وألعابا نارية، بهدف إثارة الشغب داخل الحرم الجامعي.

* سيكلف هؤلاء الطلاب أيضا بتقديم النصيحة لزملائهم لنبذ العنف وعدم النطق بالألفاظ المسيئة والنابية وعدم الكتابة على جدران وأسوار الجامعات التي هي ملك للطلاب وللشعب. وسيكون لأولئك الطلاب دور آخر، هو مساعدة جموع الطلاب وحل مشاكلهم وتوصيلها إلى الجامعة.

* الطلاب الذين يمارسون نشاطا حزبيا ويقومون بتوزيع منشورات أو تنظيم المظاهرات داخل الحرم الجامعي، سيناقش أمرهم مع بداية العام الدراسي الجديد.

الفقرات أعلاه ليست سوى نصوص أوردتها الجريدة، منسوبة إلى مصدر مسؤول بوزارة التعليم العالي، وإلى جانب أنها تعكس الاهتمام بالجانب الأمني في الجامعات ولا تتضمن أي إشارة إلى العملية التعليمية، فإنها بمثابة انعطافة خطرة في مسيرة الجامعات، التي تعرف جيدا أن الأمن لم يغب عنها يوما ما، وإنما كان له وجوده بين صفوف الطلاب والطالبات من خلال الأعين المجندة لهذا الغرض من بين الطلاب أنفسهم. 

وقد اشتهر في الأوساط الجامعية مصطلح الطالب «العصفورة»، الذي كانت مهمته تنحصر في التنصت على زملائه والمسارعة إلى نقل ما يسمعه إلى مكتب الأمن أو من يمثله، كما أن الأمن كان له وجوده في «الحرس» الواقف بكل باب في كل كلية وجامعة. لكن هذا الوضع جرى تطويره في ظل التوجهات سابقة الذكر، إذ دخلت على الخط أسر جامعية مؤيدة للنظام، ولم يعد الأمر مقصورا على «العصفورة». وليس معروفا ما إذا كانت تلك المهام سيقوم بها الطلاب على سبيل التطوع أم أنه سيكون لها مقابلها المادي أو الأدبي والمعنوي. لكن الأخطر من ذلك أن وصف تلك الأسر بأنها «وطنية» سيعني على الفور تشكيكا في وطنية الآخرين. هذا إذا لم يكن ذلك مقدمة لاتهامهم بعدم الوطنية إن لم يكن بالخيانة، ولك أن تتصور الأثر السياسي والتربوي الذي يترتب على إشاعة الانطباع بأن الوطنية في المفهوم الجامعي الجديدة أصبحت ترتبط بأمرين: تأييد السلطة، وإرشاد الأجهزة الأمنية إلى معارضيها.

على صعيد آخر، فإن وصف أسر جامعية معينة بأنها وطنية وتحظى برعاية السلطة ورضاها، من شأنه أن يلوث المحيط الطلابي، من ناحية لأنه قد يكون عنصر جذب لأعداد من الراغبين في الانتفاع بذلك الانتماء، باعتبار أن رعاية السلطة لها مردودها ولن تكون مجانية في كل الأحوال. ومن ناحية ثانية لأنه سيفتح أبواب الفتنة وربما الاشتباك والتخاصم بين الموالين والمعارضين، الأمر الذي قد يحول الكليات الجامعية إلى ساحات للعراك والتجاذب، ليس فقط بين الإخوان الذين هم قلة في الجامعات ومعارضيهم، ولكن بين شباب 25 يناير ومن ينسبون أنفسهم إلى 30 يونيو.

إن أثر هذه السياسة الأمنية على العملية التعليمية، وعلى البيئة الجامعية، وعلى سمعة الجامعات المصرية أفدح وأبعد كثيرا مما يتصوره كثيرون. 

حتى أزعم أنها تسهم في تدمير الجامعات وتخريبها من الداخل، وهي التي كانت منارة أضاءت وجه مصر وغمر إشعاعها العالم العربي كله لعدة عقود خلت.

حين يتم تحويل بعض طلاب الجامعة وأساتذتها إلى مرشدين للأجهزة الأمنية، فإن ذلك يدخل البلد في نفق مظلم يتعذر الخروج منه بأمان في الأجل المنظور، لأنه يذكرنا بصفحات كئيبة من التاريخ كانت الفاشية والنازية من عناوينها. 

وفي هذه الحالة فلن نكون بإزاء جامعات تعرضت للانهيار، ولكننا سنكون بصدد وطن في خطر.