مقالات مختارة

سيطرة القاعدة على الجولان تجعل إسرائيل تحن للأسد

1300x600
كتب أندرو تابلار: مرتفعات الجولان - بينما يركز العالم أنظاره على التقدم الذي يحققه في كل من سوريا والعراق "تنظيم الدولة"، اتسعت دائرة الحرب السورية لتشمل مرتفعات الجولان التي تحتلها إسرائيل. ففي28 آب/ أغسطس استولت جماعات الثوار السوريين بقيادة جبهة النصرة المرتبطة بالقاعدة على مدينة القنيطرية الحدودية القديمة وانتزعتها من الجيش السوري وقوات الدفاع الوطني المدعومة من قبل إيران. في تلك الأثناء أسرت جبهة النصرة 45 عنصراً فيجياً من عناصر حفظ السلام التابعين للأمم المتحدة واحتجزتهم رهائن، ثم هاجمت بعد ذلك موقعين للأمم المتحدة، وأمكن صد الهجوم فقط حينما تجاهل آمر القوة الفلبيني أوامر بالاستسلام أصدرتها له الأمم المتحدة. وتم حل أزمة الرهائن فقط يوم الخميس، الحادي عشر من سبتمبر، حينما أفرج عن جميع عناصر حفظ السلام دون أن يمسهم سوء بعد وساطة قطرية فيما يبدو.
 
ولكن رغم انتهاء الأزمة الأخيرة على جبهة الجولان، إلا أن التهديدات الأكبر التي تواجه إسرائيل لم تبرح مكانها. فعلى الجانب الآخر من الحدود تستمر رايات الجهاديين السوداء ترفرف وتزداد كثافة يوماً بعد يوم، وذلك على مسافة لا تبعد سوى أقدام معدودة عن المواقع التي ترفرف عليها رايات نجمة داود. في نفس الوقت بادرت قوات الرئيس السوري بشار الأسد وجماعات المقاومة المتأثرة بحزب الله والتي تستمر في العمل تحت مظلة النظام بشن هجمات على المناطق التي تسيطر عليها إسرائيل داخل الجولان. ولقد أدى هذا الوضع الفوضوي إلى خلق حالة من عدم الارتياح والقلق الشديد ضمن دوائر صناعة القرار في القدس، بما يؤذن بأن يقلب رأساً على عقب الاستراتيجية التي اعتمدتها إسرائيل لعقود في التعامل مع سوريا.
 
مضى ما يقرب من عام على تواجد الثوار السوريين، بما في ذلك جبهة النصرة، على جبهة الجولان، والتواجد الأكبر لهم يقع في وسط "منطقة الفصل" بين القوات الإسرائيلية والقوات السورية، والتي تشرف عليها عناصر حفظ السلام التابعة لقوة مراقبة فك الاشتباك التابعة للأمم المتحدة منذ عام 1974 بالقرب من القرى الحدودية بير عجم والرويحينة والبريكة. إلا أن جبهة النصرة ومعها خمس جماعات سورية معارضة أخرى شنت على مدار الأسبوعين الماضيين هجوماً في المنطقة أدى إلى دحر النظام والإخلال بالوضع الذي ظل قائماً على طول الحدود على مدى أربعة عقود.
 
ويقول المسؤولون الإسرائيليون إن الهجوم الأخير أدخل إلى جبهة سوريا الجنوبية أمرين جديدين يمكن أن يغيرا من قواعد اللعبة. أما الأول، فيتمثل في أن جبهة النصرة وسعت بشكل كبير نطاق عملياتها من المدينة السورية الجنوبية درعا إلى المناطق المحاذية لجبهة الجولان. تتباين النظريات تجاه دوافع هذه الجماعة الجهادية، وتقول بعض المصادر الإسرائيلية بأن الدولة الإسلامية طردت النصرة من المناطق الشرقية لسوريا مما دفعها إلى نقل رجالها وعتادها جنوباً لتستخدمهم ضد نظام الأسد.
 
ومن شأن هذا الهجوم أن يصعب على النظام استخدام أسلحته المفضلة، بما في ذلك المدفعية الثقيلة، ضد مواقع المعارضة دون أن يخاطر بضرب المناطق الواقعة تحت السيطرة الإسرائيلية مما يعني التعرض لرد قوات الدفاع الإسرائيلية على نيرانه. فعلى سبيل المثال، في 27 آب/  أغسطس سقطت قذيفتا هاون أطلقتهما قوات النظام، فيما يبدو ضد قوات الثوار في القنيطرة في كرم داخل القرية التعاونية الحدودية المعروفة باسم كيبوتس عين زيفان، مما جلب بعد ساعات هجمات إسرائيلية مضادة على موقع قيادة تابع للحكومة السورية. يبدو أن الهدف الإجمالي للثوار هو تخفيف الضغط عن عدد من مواقع الثوار المحاصرة من قبل النظام في جنوب غرب دمشق بما في ذلك بيت جن وخان الشيخ والمناطق الواقعة غرب الكسوة.
 
وأما الأمر الآخر الذي يمكن أن يساهم في تغيير قواعد اللعبة فهو تقهقر تواجد قوة مراقبة فك الاشتباك التابعة للأمم المتحدة في الجولان. صحيح أن أخذ الرهائن ليس شيئاً جديداً في الحرب السورية، إلا أن محاولة جبهة النصرة الحصول على فدية مقابل تحرير العناصر الفيجيين الخمسة والأربعين من عناصر حفظ السلام الدوليين أقلقت إسرائيل والمجتمع الدولي على حد سواء. فقبل أن تتراجع يوم الخميس، كانت المجموعة قد أعلنت عن ثلاثة مطالب تبين بما لا لبس فيه مقدار انفصام الجهاديين عن الواقع الدبلوماسي وعن الواقع العسكري، إذ طالبت أولاً برفع جبهة النصرة من قائمة الإرهاب التابعة للأمم المتحدة، ثم بإيصال المساعدات الإنسانية إلى المناطق المحاصرة في دمشق، وأخيراً بدفع تعويضات عن ثلاثة عناصر من عناصر النصرة لقوا حتفهم أثناء عمليات خاضوها ضد قوات مراقبة فك الاشتباك التابعة للأمم المتحدة.
 
ويقال بأن قطر، التي توسطت مؤخراً لإطلاق سراح رهينة أمريكي كان محتجزاً لدى جبهة النصرة والتي يعتقد بأن لديها بعض الاتصالات مع المجموعة، لعبت دوراً في المفاوضات التي أفضت إلى حل الأزمة.

 وكان بيان صادر عن مجلس الأمن الدولي قد دعا في إشارة غير مباشرة إلى الدوحة "البلدان ذات النفوذ بأن تباشر بالإلحاح على الجهات المسؤولة حتى تقوم فوراً بإطلاق سراح عناصر حفظ السلام".
 
وكان يمكن بسهولة أن تتمخض أزمة الرهائن عن وضع أسوأ بكثير وذلك حينما حاولت جبهة النصرة الاستيلاء على موقعين تابعين لقوة فض الاشتباك التابعة للأمم المتحدة تديرهما عناص حفظ سلام فليبينية في الثلاثين والحادي والثلاثين من آب/ أغسطس. فبعد عصيان أوامر مباشرة تلقوها من قائد قوة فض الاشتباك الهندي أمرهم فيها بالاستسلام للمهاجمين، رد الجنود الفليبينيون بإطلاق النار على شاحنة تابعة لجبهة النصرة حاولت اقتحام موقعهم. في الساعات التالية تمكنت عناصر حفظ السلام الفلبينية من الإفلات والوصول إلى منطقة آمنة بفضل تدخل كتيبة إيرلندية تابعة لقوات فك الاشتباك وكذلك بفضل مساعدة من القوات الإسرائيلية ومن قذائف هاون أطلقتها قوات نظام الأسد.

 بينما ذهب القائد الهندي يقرع زملاءه الفليبينيين لأنهم خاطروا بحياة العناصر الفيجية وحياة غيرها من عناصر قوة فك الاشتباك إلا أن ما قاموا به حاز في مانيلا، عاصمة بلادهم، على صفة "الهروب الأعظم".
 
ويقول المسؤولون في القدس إن تقدم جبهة النصرة وتأكل واضمحلال مظلة قوة فك الاشتباك الدولية يتسببان في نقلة تكتيكية في التفكير الإسرائيلي، فإسرائيل لم تعتمد أبداً في يوم من الأيام على حماية قوة فك الاشتباك لها من الهجمات التي قد تشن عليها عبر الحدود، إلا أن وجود هذه القوات يرمز إلى الشرعية الدولية لجبهة الجولان، وتقليص عدد قوات حفظ السلام الدولية إلى ثلاث أو أربع قواعد إنما يعكس زيادة عدم الاستقرار على امتداد الحدود.
 
والعامل الآخر الذي يساهم في مثل هذه النقلة يكمن في نشوء فراغ في المسؤولية على الجانب الذي يخضع للسيطرة السورية من الجولان. بمعنى آخر، لم يعد ثمة وجود لطرف واحد بإمكان إسرائيل أو الأمم المتحدة التواصل معه لحل النزاعات أو لردعه عن القيام بأي هجمات في المستقبل. حتى عهد قريب كان هذا الفراغ يشغله نظام الأسد وحلفاؤه. ثم بعد إعلان الأسد هذا العام بأن "المقاومة" على طول جبهة الجولان ستستمر رغم الحرب، سارع عدد من المجموعات المتأثرة بحزب الله إلى زرع عبوات متفجرة على طول السياج المحدد للجانب السوري من الجبهة، فاستهدفت دوريات إسرائيلية على الجانب الآخر من الحدود. قامت إسرائيل بإبطال مفعول كثير من هذه العبوات ولكنها لا تستطيع العثور عليها جميعاً، ولقد انفجرت اثنتان منها على الأقل حتى الآن. إذا ما أضفنا الخطر الناجم عن هذه العبوات إلى أخطار القذائف المتساقطة من الحرب، فإن الإسرائيليين في حالة قلق متزايد إزاء السبيل لحماية جنود قوة الدفاع الإسرائيلية وحماية السكان المقيمين في الجولان من حرب يبدو أنها متجهة نحو مزيد من التصعيد.
 
وأكثر ما يشغل تفكير الإسرائيليين فيما يتعلق بسوريا هو كيفية ردع جبهة النصرة والجهاديين بشكل عام. تشير تجربة إسرائيل مع القوى المعتدلة في جنوب سوريا أنها أضعف وأقل جودة من الجهاديين كما ظهر مؤخراً حينما أسرت جبهة النصرة أحد الثوار السوريين وأجبرته على البوح في شريط مسجل بث على اليوتيوب بتفاصيل اتصالاته واجتماعاته مع الإسرائيليين. رغم أن مصادر الإنترنيت توفر كماً جيداً من المعلومات حول قادة الجهاديين وتطلعاتهم، إلا أن النزر اليسير فقط هو المتاح حول حساباتهم العسكرية. في المقابل تبدو الجماعات العسكرية المدربة إيرانياً والمنضوية تحت مظلة نظام الأسد أكثر وضوحاً كما أن التنبؤ بتحركاتها واختياراتها أسهل، فهي على الأقل بقايا منظومة دولة، مهما كانت مشلولة، تعاملت معها إسرائيل بشكل غير مباشر على مدى عقود، أو كما يتحسر المسؤولون الإسرائيليون دوماً: "على الأقل كان هناك عنوان".
 
ويدرك المسؤولون الإسرائيليون، مع ذلك، أن التعامل مع إسرائيل في المرحلة القادمة يتطلب أكثر من عنوان ولا يكفي ببساطة عنوان قصر الأسد. ورغم أن بعض الإسرائيليين مازالوا يفضلون التعامل مع قوات الأسد في المواقع المحاذية للجولان، إلا أن تدخل إيران الكثيف في الجهود المبذولة للحفاظ على النظام تعني أن انتصاره في هذه الحرب سيهدي نصراً استراتيجياً لعدو إسرائيل اللدود.
 
وفي الوقت الراهن سيستمر المسؤولون الإسرائيليون في التعامل مع التحديات التي تواجههم كما لو كانوا يتعاملون مع قطرين سوريين، مع دولة الأسد في الغرب ومع تشكيلة من القوى، بما في ذلك جبهة النصرة وتنظيم الدولة الإسلامية، في "سني ستان" في الوسط، وسيستمرون في نفس الوقت في البحث بعناية عن فرص سانحة في المناطق التي يسيطر عليها الأكراد في الشمال الشرقي والتي أعلنت استقلالها الذاتي في وقت مبكر من هذا العام. وكما عبر عن ذلك أحد المسؤولين الإسرائيليين: "علينا أن نراقب كل منطقة قرية قرية ونبقي مستوى توقعاتنا منخفضاً".

 
(فورين بوليسي).. ترجمة وتحرير: عربي21