كتاب عربي 21

عتاب سوداني على عربي 21

1300x600
كلفني بعض القراء السودانيين بالاحتجاج لدى هيئة تحرير "عربي 21"، لأنهم لاحظوا أن كُتّابها غير معنيين بالشؤون السودانية، في حين أن بعضهم اتهمني بحشر أنفي في ما لا يخصني وتجاهل ما يخصني: مالك أنت والمالكي ودير الزور وداعش ومرسي؟ و90% من المقالات في الصحيفة خلال الأسابيع الأخيرة عن ضحايا العدوان الإسرائيلي على غزة ولم يفتح الله عليك بكلمة عن الضحايا السودانيين خلال الأسبوعين الماضيين؟

فسألتهم في رسائل إلكترونية وعبر فيسبوك: هل هاجمت إسرائيل أي جزء من السودان خلال الفترة المذكورة ولم يعطني أحد "خبرا" عن ذلك؟ صاحوا في صوت واحد: تعرض السودان لهجمات جوية متكررة ولكن ليس من قِبَل إسرائيل، وحصد عزرائيل عشرات الأرواح. قلت لهم: يا جماعة عيب أن تتحدثوا عن عزرائيل عليه السلام وكأنه عدو يستهدف السودانيين دون غيرهم، و... قاطعوني: هل أصبحت تكفيريا وتقوِّلنا ما لم نقله؟ نحن نقصد ميكائيل و.. قاطعتهم بدوري: يا مثبت العقول يا رب. كيف جعلتم الملك الطاهر ميكائيل الموكل إليه أمر المطر وما يترتب عليه من خير، مسؤولا عن سقوط ضحايا في بلادكم؟

المهم أنه وبعد جدل طويل شرحوا لي مقصدهم: أغدق الله علينا بواسطة ميكائيل المطر العميم، ولكن التعامل الرسمي العقيم، مع هبة الرحمن الرحيم، حوّل النعمة إلى نقمة، وفي الخرطوم وحدها دمرت السيول والأمطار من البيوت لما لم تدمره الغارات الإسرائيلية على غزة في أسبوعين
هنا أدركت أن أولئك القراء معهم بعض الحق، فبما أن السودان عضو في جامعة الدول "العبربية"، (باعتبار ما هو كائن ولكن غير معلن) فقد كان من اللائق أن يجبر الكتاب الصحفيون والقادة العرب خاطر السودانيين، ببعض الفاليوم اللفظي الذي يختزنونه في أسنمتهم: نستنكر أمطار السودان وفيضان نهر النيل.. السودان الشقيق (وإن شئت المشقوق) يتعرض لمؤامرة إثيوبية برفع مناسيب المياه في النيل الأزرق بإيعاز من قوى صهيونية – أمريكية.

والشاهد يا أعزائي هو أن حكومة السودان صارت تتعامل مع الأمطار باعتبارها كارثة، بل يقال إنها تتهم الشيوعيين بأداء صلاة الاستسقاء حتى تهطل الأمطار بغزارة وتحرجها أمام المواطنين، بكشف عجزها حتى عن شق مصارف المياه، وإعادة تأهيل المصارف الموجودة منذ عهد الحكم الاستعماري (دعت مثقفة سودانية لإنشاء حزب ينادي بعودة الاستعمار البريطاني إلى السودان، نظير رسم سنوي متفق عليه، للسير به خارج نفق "انتخابات-انقلاب، و، و، فتم حبسها في مصحة للأمراض العقلية، وحاورتها وسائل إعلام، ولم تجد في كلامها ما يوحي حتى باضطراب هضمي، مما عزز الشكوك بأنها عوملت كمجنونة لأنها تعتبر أن المواطن السوداني لم يعان من الذل والفقر إلا في ظل ما يسمى ب"الحكم الوطني").

ومن ثم فإن السودانيين معهم الحق في اتهام الإعلام العربي بأنه يتعمد تجاهلهم بالتركيز على غزة وداعش وبراقش (نوري المالكي)، ومنهم من يقول إنه كان من الإنصاف أن تخصص نصف مواد الإغاثة التي تم ويجري إرسالها لغزة، للسودان، وأجدني متفقا إلى حد كبير مع وجهة النظر هذه، بل لا أفهم لماذا تنعقد اجتماعات ومظاهرات دعما لغزة، مع أنه لو تم تكليف السودانيين وحدهم بتحرير كامل فلسطين، لأنجزوا تلك المهمة دون توريط حكومتهم في مواجهة مع إسرائيل، فنحن بدون فخر في طليعة الدول المنتجة لحركات "التحرير"، ولدينا نحو عشرين تنظيم ل"تحرير السودان"، (بينما الفلسطينيون لا يملكون سوى نحو أربع منظمات تزعم أنها "تحريرية"، بينما هي في واقع الأمر شفهية)، ولو أوكلت مهمة تحرير فلسطين لنحو عشر من حركات التحرير السودانية بنظام المقاولة، لما وقع القادة العرب في حرج، بسبب اضطرارهم لممارسة اللغو وتكبد عناء السفر لعقد اجتماعات كلما حلت بالفلسطينيين مصيبة جديدة.

والشاهد يا أسرة عربي 21، هو أنه لا يجوز نسيان أن السودان يتعرض لهجمات "جوية" استوائية، ولا يهم ما إذا كانت وراءها داعش أو نتنياهو أو المالكي، بل المهم أنها تسببت في فقدان عشرات الأرواح وتشريد عشرات الآلاف من الأسر، والوضع مأساوي بدرجة أن من السودانيين من يظن أن الشاعر العراقي معروف الرصافي كان يتكلم عنهم عندما كتب قبل نحو ثمانين سنة: من أين يرجى للبلاد تقدمٌ/ وسبيل ممتلكيه غير سبيله. وقوله أيضا: علمٌ ودستورٌ ومجلس أمةٍ / كلٌ عن المعنى الصحيح محرَّفُ/ أسماء ليس لنا سوى ألفاظها / أما معانيها فليست تعرفُ / من يقرأ الدستورَ يعلم أنه /   وفقا لصك "الانقلاب" مصنفُ.