كتاب عربي 21

السيسي عندما تحول إلى "عنترة بن شداد"!

1300x600
على طريقة الطبيب في الأفلام "الأبيض والأسود" يقدمون عبد الفتاح السيسي!.

يأتي لبطلة الفيلم "طلق الولادة" فيحملونها للمستشفى، وبعد ساعات من القلق والتوتر، أمام باب "غرفة العمليات" يخرج الطبيب واثقاً من نفسه، في لحظة انتصار، وكأنه اكتشف بالفعل أن الإنسان أصله قرد، أو اكتشف للتو طريق رأس الرجاء الصالح، لتتعلق بفمه أعين كل الحاضرين، ويهتفون في نفس واحد: "خير يا دكتور"؟!.. فيجيب الدكتور في ثبات العالم: تخلصت من الجنين من أجل راحة الأم.. "هيا اشكروني". فاته أنه كان من الأفضل للبشرية أن يتخلص من الجنين وأمه، من أجل راحة الأب!.
السيسي الذي أقدم علي جريمة الرفع الجزئي لدعم الطاقة، وجد من بين أنصاره من النخبة الفاسدة، من يزين له سوء عمله ليراه حسناً، وباعتبار أن قراره يمثل شجاعة منقطعة النظير. فإن كان قراره قد نال من الفقراء ليزدادوا فقراً، فإنه بما فعل، أثبت أن شجاع، فقد أفقر الشعب من أجل مصلحة هذا الشعب نفسه، والتي من المؤكد أنه لا يعرفها. وقد عام السيسي نفسه على "عومهم"، وتصرف علي طريقة الطبيب في لحظة الخروج من "غرفة العمليات"، ليعلن إنجازه التاريخي في التخلص من الجنين، ثم ينتظر شكراً من الحاضرين على هذا الجهد الجبار، لا يبخلون به في العادة.

فالسيسي تصرف وكأنه "عنترة بن شداد"، وهو يعلن بأن قراره برفع الدعم عن الطاقة، يعد أول قرار جاد، "جفلت" الحكومات على مدي نصف قرن على أن تتخذه، أو أن تتخذ قراراً مثله في جديته وشجاعته. وهو أمر يتمشي مع ما قاله من قبل في اجتماع الحكومة عندما كان وزيراً للدفاع في مواجهة وزير التموين باسم عودة، ودفع باسم ثمن إعلانه لما قاله السيسي؛ اعتقالاً وحكماً بالإعدام ومصادرة للأموال. فقد قال السيسي: إن الشعب المصري " إدلع كثيرا وآن الأوان لفطامه". ولأنه لم يتمكن من هذا وهو مجرد وزير للدفاع فجاء ليفطم الشعب المصري، ويضع حداً لعملية تدليله بعد انقلابه على من كان ينحاز للشعب.

السيسي، الذي لم يخض حرباً في حياته، برغم حصوله على رتبة "المشير"، وعلاقته بالحروب هو ما شاهده في الأفلام "الأبيض والأسود، عن حرب الباسوس، جاء ليعلن أن مصر في حالة حرب، وأنه مستعد للموت من أجل أن تحيا مصر!.

الحروب عادة تقوم بين جيوش، وقد رأيت جيشاً يتقدمه "المشير" عبد الفتاح السيسي، ومعه سلطة انقلاب متحللة من قيم الحروب، وتقاليد الجيوش المنتصرة. وفي المقابل ليس هناك إلا مواطنين بسطاء، أرهقتهم الحياة بالغلاء الفاحش، وسائقين يعملون علي سيارات، قاموا بشرائها بالتقسيط وبفوائد باهظة، ليجدوا أنفسهم في معارك يومية أمام محطات البنزين، بسبب أزمة المحروقات، وقد يبددون نصف اليوم من أجل الفوز بصفيحة بنزين أو سولار.

كما يقف على الجبهة الأخرى أيضا مواطن بسيط، عامل، أو موظف، يجد نفسه مضطراً لأن يدفع أجرة ذهابه لعمله وعودته منه وقد تضاعفت، ويجد نفسه كذلك مطالباً بتوفير ضرورات الحياة، وقد تضاعف ثمنها، ثم أنه فوق هذا مطلوب منه أن يدفع فاتورة الكهرباء والغاز في كل شهر بأسعارها الجديدة. حتى وإن كانت الكهرباء تقطع يومياً بالست ساعات!.

وهؤلاء وهؤلاء عندما يتظاهرون ضد هذه القرارات المجنونة لسلطة الانقلاب، فإنهم يجدون في مواجهتهم مدرعات، وأسلحة حديثه، وقوات من الشرطة والجيش، في حالة استعداد للضرب "في المليان"، فهي في حالة حرب وكأنها ترابط على الحدود في مواجهة أعداء الوطن!.

وتقدرون فتضحك الأقدار، فمعظم شعبية السيسي كانت من بين هؤلاء البسطاء، الذين لا يستطيعون ضرباً في الأرض، وهم من أكثر الناس عجزاً عن مواجهة سلطة تملك المدفع والدبابة، وتملك القضاء والزنازين. وهم الذين نظروا للسيسي على أنه "الدكر" الذي تحتاجه مصر، وأنه هو من سينقذ البلد من الخراب، الذي تسبب فيه الإخوان، بسبب تأثير الدعاية الإعلامية عليهم، وعدم امتلاكهم الوعي الكافي ليميزوا الغث في الكلام من الثمين.

"الدكر"، فاقد الرؤية، لم يجد حلاً لعجز الموازنة، غير أنه يضع يده في جيوب الفقراء، ويجد نخبة فاسدة، وفاشلة، تقدمه على أنه "عنترة"، فيصدق هو أنه كذلك، وربما هو الآن مشغول بالبحث عن "عبلة" لاستكمال الشكل. ولا يفوته أن يعلن في وسط هذه الدعاية أنه مستعد للموت من أجل أن تحيا مصر!.

فها هو السيسي يعود بنا إلى الخطاب العاطفي، الذي مله الناس، وكان التعبير عن أن السكرة قد ذهبت وحلت الفكرة محلها، أن الناس عزفت عن الذهاب إلى صناديق الانتخابات التي نصبوها، فلم يكن هناك من سبيل سوى تزوير نسبة المشاركين فيها!.

وليس معقولاً أن يظل المذكور يواصل حديثه بهذا الشكل الآن، ذلك بأن الحل ليس في أن يموت، أو أن يحيا، فتصوراته عن الحكم كما قلنا سابقاً، هي نفس تصورات مراهق غير مسؤول عن الزواج، وهو تصور لا يتجاوز ما يحدث في "ليلة الدخلة".

الآن وقد مضت هذه الليلة لحالها، فليس أمام العاجز عن إدارة حياته بعد الزواج، وتحمل تبعاته، إلا أن ينهي الموضوع. والبديل لموت السيسي، هو أن يرحل غير مأسوف عليه، وغير مستأنس لحديث، وقد توقف عن تأييده الذين كانوا يؤيدونه باعتباره الأمل والمني، ولم تبق بجانبه سوى نخبة، لا تعيش معاناة عامة الشعب، وليست مشغولة به، وهي لذلك ترى في قراره المستند لبطش السلطة، ولمؤسسات القوة، شجاعة منقطعة النظير.. والبعض شبهه بأنه محمد علي. وهذا تطور مهم فقد هبط لمرحلة البشر، وكانوا من قبل يصفونه بأنه نبي، وهناك من قال أنه موسي، ومسيحية سابقة قالت: إنه المسيح!.

عموماً، فقرار السيسي برفع دعم المحروقات، هو في الواقع لا ينتسب للشجاعة بأي صلة، وهو يندرج تحت عنوان "الجنون"، وبإمكانك بالقياس أن تعتبر أن قرار الحاكم بأمر الله، بتحريم أكل الملوخية، دليل على شجاعته.

الشجاعة تقاس بمواجهة السيسي للأغنياء، الذين هم مراكز قوى في البلاد، والذين سطوا على مقدرات الوطن في عهد المخلوع، ولم نسمع بالمناسبة قولاً للمؤسسة العسكرية، في مواجهة هذا الفساد الذي مارسه نظام مبارك، ولو على سبيل النصيحة.

إن السؤال المضحك هو عندما تواجه بسؤال وماذا لو كنت مكان السيسي؟.. والإجابة: وهل أنا مكانه؟!.. وما الذي يدفع بشخص لا رؤية له أو برنامج أن يقدم على موقع بحجم رئيس جمهورية مصر العربية؟!

وأزمة مصر هي بسبب السيسي وانقلابه على رئيسه المنتخب، وكانت مصر حينها "مستورة"، ورئيسها ولأنه جاء من وسط الناس، وبإرادتهم، يعمل للنهوض بأوضاعها، واضعاً الفقراء في اعتباره، لأنه منهم.

وبالانقلاب انتقلنا من مرحلة الأزمة الاقتصادية، إلى الانهيار الاقتصادي، لتقف المحروسة على حافة الإفلاس. والسيسي يقول لولا قراراته لأفلست مصر!.

الحل أن يرحل السيسي، فهو المشكلة، وليس الحل. وحلوله كلها خارج المعقول والمتصور.

فلا أمل لمصر إلا بنهضة اقتصادية، ولابد من عودة السياحة والاستثمار الأجنبي.. وهذا لن يحدث في بلد يعاني من الاضطرابات السياسية. ولا سبيل لعودة الاستقرار إلا بعودة المسار الديمقراطي ورحيل السيسي.

ولا أمل في تحقيق النهضة، إلا بعودة مقدرات الوطن التي سطا عليها ثلة من "الفهلوية" الذين منحهم مبارك صفة "رجال الأعمال"، وبالحصول على مستحقات الدولة من ضرائب عندهم. وهؤلاء هم في الأصل من ساهموا في إنجاح الانقلاب. وليس بمقدور الانقلاب مواجهتهم لأنهم ركن من أركانه. إذن لابد من سقوط الانقلاب ورحيل السيسي.

والنقطة الأهم هنا، التي لا يتحدث عنها الانقلاب، ولو علي سبيل الخطأ ودغدغة المشاعر، هي عودة الأموال المهربة للخارج، التي قام بها مبارك ونظامه وأزلامه. فالمشكلة أن السيسي يعتبر نفسه جزءاً من هذه الدولة. إذن لابد من الانتصار لثورة يناير، وعودة الأموال المهربة، وهذا لن يتأتي إلا برحيل السيسي!.

فالشجاعة الحقيقية، ليست في أن يختبئ السيسي خلف مؤسسات القوة بالدولة المصرية، ثم يقول أنه مستعد أن يموت من أجل مصر، فيتعامل أنصاره على أنه "عنترة". وأنه كالطبيب في الأفلام القديمة.

فالشجاعة يا سيسي أن ترحل.. لسبب بسيط وهو أن مصر لن تحيا وأنت في السلطة. فنحن نريد أن نتخلص من الابن، لأنه "ابن حرام"، ومن والده لأنه مغتصب، من أجل الحفاظ عى حياة الأم.

مفهوم؟!