مقابلات

محدّث: أحاديث المهدي ضعيفة وتواترها غير ثابت

عداب الحمش - عربي21

يُثار موضوع المهدي المنتظر في سياق الحديث عن أشراط الساعة وعلاماتها الكبرى، وحينما تُذكر أحاديث المهدي فإنهم يرفعونها إلى حد التواتر كما ذكر ذلك بعض الأئمة كالحافظ ابن حجر العسقلاني، والسخاوي والسفاريني وابن حجر الهيتمي. قال الشوكاني في الفتح الرباني: "الذي أمكن الوقوف عليه من الأحاديث الواردة في المهدي المنتظر خمسون حديثا وثمانية وعشرون أثرا، ثم سردها مع الكلام عليها، ثم قال: وجميع ما سقناه بالغ حد التواتر كما لا يخفى على من له فضل اطلاع". 

لكن الدكتور الشريف عداب محمود الحمش، المتخصص في الحديث النبوي وعلومه، بعد إخضاعه أحاديث المهدي للنقد والدراسة والتمحيص، لم يرتض تلك الأحكام ولم يوافق عليها، وإنما توصل إلى نتيجة مفادها أن أحاديث المهدي ضعيفة، لم يسلم منها حديث واحد يصلح للاحتجاج به، وأن دعوى التواتر لا دليل عليها البتة، وإنما تناقلها المتأخرون عن بعض المتقدمين بمحض الثقة المطلقة بهم، من غير دراسة مدققة وفاحصة. 

في كتابه الموسوم بـ"المهدي المنتظر في روايات أهل السنة والشيعة الإمامية دراسة حديثية نقدية" درس الدكتور الحمش روايات المهدي عند السنة والشيعة الإمامية، وخلص إلى تضعيف سائر تلك المرويات، فكيف أقدم على مخالفة ما استقر في أوساط أهل السنة من ثبوت تلك الأحاديث والحكم بصحتها؟ وكيف تجرأ على مخالفة أئمة السنة في حكمهم على أحاديث المهدي بالمتواترة، وعلى ماذا أقام نقضه لحكمهم ذاك؟ وما هي منهجية الدكتور الحمش في النقد الحديثي: هل هي ذات المنهجية المعتمدة عند أئمة الحديث ونقاده أم أن له منهجية خاصة به، حتى يخالفهم في أحكامهم كما في أحاديث المهدي؟ وهل يمكن إعادة النظر في مسائل وقضايا قيل عن أحاديثها أنها متواترة (كنزول عيسى عليه السلام، والدجال وما إلى ذلك؟)، وهل أحاديث خبر الآحاد تثبت بها العقائد؟ للوقوف على تفاصيل ذلك كله كان لـ "عربي 21" هذا الحوار معه، فإلى نص الحوار وتفاصيله:


** ما الذي دفعك إلى دراسة أحاديث المهديّ، مع ما هو راسخ في أوساط سنية واسعة وعريضة من ثبوت تلك الأحاديث وتصحيحها عند جمهور محدثي أهل السنة؟

 من منهجي العلمي أنني لا أكتب في موضوع كُتب فيه، إلا إذا كان المكتوب لم يف بالمطلوب، أو كتب في الموضوع كتابات متعارضة. وقد شهدتُ حادثة جهيمان عام (1400) وعاصرت تجاذب علماء السلطان في إثبات فكرة المهدي أو نفيها. كما كنت قبل ذلك سمعت من مشايخنا كلاماً يضرب بعضه وجوه بعض، من اسم المهدي إلى صفاته، إلى أعماله الخارقة، فكنت لا أرتاح لكل ما أسمع. وعندما طردت من السعودية عام (1411) وأقمت في عمان التقيت غير واحدٍ ممن يدعي المهدوية، وحين حاورتهم؛ وجدتهم أحطّ من جهّال. وفي العراق سمعت بستة من مدّعي المهدوية في آن واحد، منهم شيعي واحد، والباقون من أهل السنة! التقيت عدداً منهم، وبحضور بعض الإخوة الأكارم؛ فلم يكن واحدٌ منهم من حملة الشريعة الإسلامية، ولم أجد لدى واحدٍ منهم فهما شرعيّا.

وما بين (1992- 1996) كنت مشغولاً جداً في الدعوة والسياسة، فلما تركت السياسة ومُنعت من الخطابة والإمامة (التطوّعية) وجدت لديّ بعضاً من الوقت للبحث العلمي. وفي عام (1998) فكّرت في إعداد أبحاث درجة (أستاذ) فاخترت أن يكون أحد هذه الأبحاث بعنوان: (الأحاديث الواردة في ولادة المهدي المنتظر في كافي الكليني) بينما كان البحث الثاني (الأحاديث التي صححها علماء أهل السنة في ظهور المهدي).

وحين كتبت البحث الأول كنت مستيقناً أنّ الله تعالى لم يخلق المهدي بعد! أما حين شرعت في كتابة البحث الثاني؛ فكنت معتقداً بعقيدة ظهور المهدي، وكنت أصحح ثلاثة أحاديث، وظننت أنني أضيف حديثاً أو أكثر لتصبح دعوى التواتر أكثر قبولاً في العقل.. هذه هي الدوافع الكبرى لكتابة كتابي عن المهديّ.  

** لا يخفى عليكم ما قيل عن أحاديث المهدي بأنها متواترة، كما قال ذلك الشوكاني وغيره، كيف تكونت تلك الدعوى واشتهرت وانتشرت بين المسلمين وتناقلوها جيلا عن الجيل؟

 عندما كتبت بحثي (القراءات القرآنية بين الأحرف السبعة ومصحف عثمان) وجدت عدداً من العلماء نصّ على تواتر حديث الأحرف السبعة، لكني لم أجد أحداً قام بدراسة جدية لأحاديث الأحرف السبعة، وإنما وجدت أكثرهم يتابعون أبا عبيد في ذلك. وحين خرجت حديث (من كذب علي متعمداً) وجدت الأمر كذلك، ثم وقفت على نص للحافظ ابن حجر يشير إلى أن المتأخر يثق بما لدى المتقدم من غير تحرير.
وحين جئت إلى تواتر حديث المهدي؛ وجدت الأحاديث فيه مروية عن عدد كبير من الصحابة، لكنها ضعيفة في جملتها، فكيف قالوا بالتواتر؟ هناك سببان لهذه الدعوى:

الأول: أنّ بعض الأصوليين قال: (إذا جاء الحديث مجيء التواتر؛ فلا يُسأل عن إسناده) وهي قاعدة فاسدة، فندها المحققون من الأصوليين قديما وحديثاً.

والسبب الثاني: أنّ جميع من ادّعى التواتر؛ تابع أبا الحسن الآبريّ السجزيّ، تلميذ الحافظ ابن حبان رحمهما الله تعالى، من دون أن يبرزوا لنا دليلاً على صحة تلك الدعوى. 

** إذا لم تثبت دعوى تواتر أحاديث المهدي لديكم خلافا لجماهير العلماء والمحدثين، فبماذا نقضتم دعوى التواتر تلك؟

 أما الدعوى الأصولية (إذا جاء الحديث مجيء التواتر؛ فلا يُسأل عن إسناده) فقد نقضتها عقلاً ونقلاً، أما نقلاً؛ فقد ذكرت أسماء كبار الأصوليين المحققين وأولهم الشافعيّ على أنّ كل حديث أو أثر أو رواية، لا يصح إسنادها؛ فهي وما لم يُرْوَ سيان.

 وأما عقلاً: فكيف نثبت تواتراً ولم نستطع أن نثبت صحة، والتواتر مرتبة أعلى من الصحة. وجميع من يقولون بوجود المتواتر؛ يشترطون توافره في جميع الطبقات، وإذا كنا نعتمد على تواتره بناءً على الروايات، فإذا توافر عندنا في الطبقة الخامسة -طبقة المصنفين- التواتر، ثم وجدنا في أحد أسانيد الطبقة الرابعة -شيوخ المصنفين- رجلاً واحداً ضعيفاً؛ فهذا يعني أن ثبوت هذا النص عن الطبقة الثالثة نقص عن حيّز التواتر، فانخرمت القاعدة المزعومة.

هذا كله، لو كان في أي طبقة من الطبقات تواترٌ أصلاً، إنما هي دعوى ادّعاها هذا الآبريّ، واستهوت الناس المقهورين؛ فتابعوه عليها.

** ما هي المعايير التي يُعملها المحدثون للحكم على الأحاديث بأنها متواترة؟ وهل لذلك حد متفق عليه عندهم أما أنها اجتهادات متفاوتة في التأصيل والتطبيق؟

 من وراء دراساتي لأحاديث عديدة زعموا أنها متواترة؛ لم أجد على الإطلاق أيّ معايير في ذلك، وحتى الذين كتبوا أجزاء حديثية في جمع وتخريج طرق حديث (من كذب عليّ) مثلاً؛ فهم خرجوا هذه الطرق وحكم بعضهم على بعضها، لكنهم لم يضعوا قواعد، ولم يستخلصوا بعد عملهم معايير، وإنما هي المتابعة فقط. فالتأصيل النظري مفقود بحسب اطّلاعي، والتطبيق العمليّ؛ لا يوحي إطلاقا بأكثر من قولهم: له طرق كثيرة يستبعد المطالع لها إلا الجزم بصحة الحديث، أو بالقطع بها.

وعليه، فليس ثمة تأصيل معياريّ، ولا تطبيق مطّرد، ولا حتى اجتهادات متفاوتة، وإنما متابعة المتأخّر للمتقدم صاحب الدعوى، ومحاولة تسويغ دعواه بتكثير الطرق.

** ذكر بعض العلماء (ومنهم ابن تيمية) أن خبر الواحد لا يفيد العلم بذاته ما لم يكن محفوفا بالقرائن، فما هي تلك القرائن التي يعتدون بها؟ وهل لها حد تنضبط به وهي موضع اتفاق عندهم جميعا؟ 

 كتب الدكتور صهيب السقار رسالته للحصول على درجة الماجستير في جامعة صدام للعلوم الإسلامية تحت إشراف الفقيه الدكتور عبدالملك السعديّ، وكان يراجعني باستمرار، ويعرض عليّ ما كتبه. والذي توصل إليه الباحث أنّ خبر الواحد لا يفيد العلم بذاته، ولا بالقرائن التي يزعمون أنّ منها:

إذا كان الحديث في الصحيحين، أو كان رواة الحديث فقهاء، أو كان مداره على الصحابيّ، أو على تابعيّ فقيه عالم، أو لم تكن ألفاظه متعددة متباعدة، أو وجد له شواهد صحيحة، أو حسنة، أو ضعيفة لكنها كثيرة، متباينة المخارج....إلخ.

 والذي أذهب إليه أن خبر الواحد لو كان مداره على أبي بكر أو عمر أو عليّ؛ فلا يفيد إلا الظنّ، مالم يثبت عن ثلاثة من الصحابة العلماء الذين لا يروي بعضهم عن بعض، أما إن ورد عن خمسة من الصحابة الصغار من أمثال ابن عباس، وأبي سعيد الخدري، وأبي هريرة في اللقيّ، وورد عن صحابيّ كبير واحد؛ فهذه الأحاديث كلها حديث واحدٌ عندي.

اللهم إلا أن يثبت ثبوتاً علمياً ليس للرواة فيه تصرّف أن واحداً من أولئك الصحابة الصغار رضي الله عنهم قال: حدثني، أو سمعت، أو رأيت رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم.

** قياسا على ما توصلت إليه من أن دعوى التواتر في أحاديث المهدي ليست كذلك، هل يمكن للباحثين المتخصصين أن يقعوا على عقائد أخرى قيل عنها: إنها عقائد صحيحة بناء على أحاديث وردت فيها وصفوها بالتواتر؟.

 بالتأكيد هناك عقائد، أو مسائل أخذت منزلة العقائد، من مثل نزول المسيح، وخروج الدجال، وترتيب أفضلية الصحابة، وأحاديث عذاب القبر، وأحاديث الشفاعة، وسائر أحاديث أشراط الساعة، وأحاديث القيامة، فليس فيها شيء متواتر، وما صححه العلماء من أحاديثها يحتاج إلى فحص جديد، ينظر إلى المتن أكثر من نظرته إلى السند.

** ما هي نتائج دراساتكم النقدية الموسعة لأحاديث المهدي في روايات الشيعة والسنة؟

 من الواجب قوله إنني لم أدرس جميع روايات الشيعة الإمامية في مسألة المهدي، بل ولا في مسألة ولادته خاصة، وإنما استعرضت الروايات الواردة في ولادته في كتاب كافي الكليني فقط، فما صححه المجلسي والمظفّر؛ هو الذي خرّجته، وأخضعته لقواعدهم هم، فلم يصحَّ عندي أو يحسن أيّ رواية في ولادته.

كما لم أخرّج جميع الأحاديث والآثار الواردة في المهدي المنتظر عند أهل السنة، وإنما استعرضت أضخم موسوعة عن أحاديث المهدي للزميل البستويّ، وهي رسالته التي حصل بها على درجة الماجستير من جامعة أم القرى، فما وجدته صححه من الأحاديث والآثار؛ جعلته مجال دراستي، والشيخ البستوي جمع جميع الأحاديث التي صححها علماء أهل السنة قبله. وبعد الدراسة العلمية الفاحصة الناقدة؛ لم يصحّ أو يحسن عندي أيّ حديث في ظهور المهديّ.

لكني قلت في نهاية الكتاب: وعلى مذهب الذين يصححون الحديث الضعيف بشاهده الضعيف؛ تكون الأحاديث الواردة في المهديّ جميعها ضعيفةً، لكنها عند هؤلاء حسنةً لغيرها، وليست صحيحةً، فضلاً عن أن تكون متواترة! والحديث الحسن لغيره؛ لا يثبت به حلال ولا حرام، وإنما يُستأنس به في المندوبات والمكروهات.

** قرأت في بعض الردود الناقدة لدراستكم حول أحاديث المهدي أنكم اخترعتم بعض القواعد والأصول التي لم يسبقكم إليها أحد من أهل الحديث، فهل منهجكم في النقد الحديثي متقيد بمنهجيات النقد المتعارف عليها عند المحدثين أم تتبعون منهجا خاصا بكم في هذا الشأن؟

 إذا توصلت إلى أمرٍ خالفت فيه المتقدمين من الصحابة فمن بعدهم إلى يومنا هذا؛ فلا أجد في نفسي غضاضة أبداً أن أقول: لقد توصلت إلى ما لم يتوصل إليه الأوائل؛ لأنني لا أعتقد بالإجماع أصلاً! كما لا أعتقد أن الصحابة كلهم أعلم ممن بعدهم، كما لا أعتقد أنه إذا نُقل عن الصحابة قولان في مسألة؛ فلا يجوز إحداث قول ثالث.. فهذا كله عندي كلام لا قوائم له! لكني في قواعد المصطلح؛ وجدت البخاري ومسلماً أتقنَ من جميع من خرّج الحديث ونقده، وأكثرهم اضطراداً في التطبيق.

وكلام العلماء في الراوي: ثقة حافظ، وثقة ثبت، وحجة، وغير ذلك؛ ليست ملزمة لي في شيء، إنما هي أمارات أستأنس بها في طريق النقد. بل حتى الرواة الذين يوثقهم البخاريّ؛ لا أحكم على أحاديثهم بالصحة، وإنما أنظر إلى كيفية تخريجه لكلّ واحدٍ منهم في صحيحه.

فإذا أخرج البخاري لراوٍ احتجاجاً في الأحكام؛ احتججتُ به في الأحكام، ما لم يقم عندي دليل يرجح غير ذلك، وهذا نادر (ومعروف لديكم أنني خرجت البخاري كاملاً، ومسلماً كاملاً). وإذا خرّج له في الرقاق أو في التفسير، وله حديث في الأحكام لا ينوب عنه غيره، ولم يخرجه البخاريّ له؛ فلا أحتجّ به كما لم يحتجّ به البخاريّ.

وفي عصر البخاري ومسلم؛ كانت روايات المهدي قد ملأت المصنفات: مصنف عبدالرزاق، ومصنف ابن أبي شيبة ومسند الطيالسيّ ومسند أحمد وغيرها فالموضوع مطروق ومحتاج إليه، فلو وجد الشيخان حديثاً يصلح أن يحتجا به، أو يصلح حتى في أبواب الرقاق؛ لزرعاه في أبواب أشراط الساعة، كما زرعا العديد من الأحاديث التي لا نستطيع تحسينها حتى بشقّ الأنفس!

فالذي يقول: إنني اخترعت قواعد أصولية أو حديثية؛ فهو مفترٍ حاقد، أو جاهل بمعنى القاعدة الأصولية والحديثية، ومتطاول على عباد الله بالباطل. نعم الفقير عداب لا يصحح ولا يحسّن بالشواهد الضعيفة، حتى يصحّ حديث أو يحسن لذاته، مع صعوبة التمييز بينهما، عندها أحسّن معنى المتون الواردة بالأسانيد الضعيفة، ومن ينظر إلى صنيع العلماء السابقين يجدهم على ذلك.

أما المتابعات؛ فأنا أصحح وأحسن بالمتابعات الضعيفة، ما لم تحمل لفظاً جديداً، أو تزيد أو تنقص، أو تبدل في الإسناد. ثمّ من هم الذين يجب عليّ موافقتهم من أئمة الحديث؟

إن كان الأئمة المتقدمون؛ فمن النادر أن أخالفهم، وأما المتأخرون؛ فقد خرجت أحاديث الأذكار للنووي؛ فوجدت الحافظ ابن حجر من أكثر المحدثين تناقضاً وتساهلاً، فنفضت يدي من تحسيناته خاصةً، وغير الحافظ ابن حجر جميعهم دونه!  وأما المعاصرون؛ فهم قسمان: قسم يشتغل في علوم المصطلح، وهؤلاء مساكين يرهقون أنفسهم فيما لا طائل تحته، والخلاف مع هؤلاء إنما يكون مني أثراً من آثار التخريج التطبيقيّ عندي.

وأما المشتغلون بتخريج الحديث استقلالاً؛ فهم معدودون على أصابع اليد الواحدة، وهؤلاء أستفيد من تقميشهم وفوائدهم، جزاهم الله خيراً، وأسرّ حين يوافقني أحدهم في نتيجة دراستي المستقلّة، فأثني عليه بقولي: وقد أحسن الشيخ الفلاني عندما ضعّف الحديث بفلان مثلاً.

لكنْ سواء خالفتهم أم وافقوني؛ فلا يعنيني هذا الكلام في شيء، ولا يلزمني الله ولا رسوله ولا المجتهدون بأن أتابع أحداً منهم، مثلما لا أرى على أحدٍ أن يتابعني في نقد أو فقه أو فكر. ولولا أن تراكمت أمراضي عليّ؛ فقد كنت عازماً على تتبع جميع الأحاديث التي صححها وحسنها الشيخ الألباني رحمه الله تعالى؛ انتصاراً لدين الله تعالى، ولأن الناس قد فتنوا به فتنةً كبيرةً، ولله في ذلك حكمة لا ندريها!

ومن يدري فلعلّ الله تعالى يعافيني، وأقوم بهذا العمل الضروريّ، فقد بنيت على تحسينات الألباني خاصةً؛ سنن وأخلاق واتّجاهات، هي بعيدة كل البعد عن الصواب في نظري.

** هل تضعيف جميع أحاديث المهدي يلغي الفكرة من أساسها؟ وهل أنت مطمئن تماما لمثل هذا الحكم أعني إلغاء هذه الفكرة (العقيدة) التي تناقلها جماهير أهل السنة في كتبهم الاعتقادية باعتبارها من قطعيات الدين ومسلماته؟

 يصعب القول: إن فكرة المهدي عند أهل السنة من قطعيات الدين ومسلماته، وفي مبحث (الجذور التاريخية لفكرة المهدي) أوضحت أن فكرة المهدي لم توجد في كتاب اشترط صاحبه الصحة حتى نهاية القرن الثالث الهجري، فكيف تكون عقيدة من القطعيات والمسلمات، وقد مضى ثلاثة قرون من عمر الإسلام، وهي غير مقررة في صحاح كتب السنة؟

وأنا لا أقول إن تضعيفي لأحاديث المهدي؛ سيلغي فكرة المهدي من أساسها، وقد ذكرت هذا في ختام كتابي، بل لا يعنيني أن تلغى هذه الفكرة، أم لا تلغى، وكل الذي يعنيني أن يصبح لدى الباحثين المثقفين مرجعٌ ناقَشَ الأحاديث المصححة من قبل العلماء؛ فلم تصحّ لدى مؤلف ذلك المرجع! فيتبناها كثير من أهل العلم، وقد حصل هذا حتى عند كثيرٍ من المقلدين للشيخ الألباني.

ويعنيني أيضاً أن يخفف مشايخنا الصوفية من المتاجرة باسم المهدي المنتظر، فقد كان في العراق شيخ صوفي أحسبه من الصالحين، كان في كلّ عام من رمضان يقول لنا: في حج هذا العام؛ سنبايع المهديّ على جبل عرفات! أو في موسم الحجّ. فكان الشباب يجمعون له تكاليف الحجّ، فيحجّ ويرجع ويقول لنا: لم يُؤذن له، ماذا نصنع، الأمر كله بيد الله تعالى. فلما طبعت كتابي عن المهدي المنتظر؛ قال لأتباعه: أُمرنا بالسكوت عن ظهور المهدي المنتظر!

ويعنيني أيضاً أن نحاول استئناف الحياة الإسلامية بعيداً عن انتظار الغيب، فمنهج الرسول صلى الله عليه وآله وسلم موجود، وما علينا إلا أن نفهمه ونضحي في سبيل تجسيده.

** ما هي احتمالات تسرب فكرة المهدي إلى مرويات المسلمين من مصادر غير إسلامية؟ هل ثمة ما يؤيد هذه الاحتمالية أو ينفيها من وجهة نظركم؟

 من المعلوم لديكم ولدى الباحثين أن فكرة عودة (الماشيخ) اليهودي [ملك اليهود] هي وليدة اضطهاد وضعف ورغبة في الخلاص والانتقام. ومثلها فكرة عودة المسيح عليه السلام عند النصارى، ولا يخفى عليكم أثر مسلمة الكتاب في عقول المسلمين الأوائل قليلي الثقافة، وقد ذكرت في كتابي بعض الأدلة.

لكنّ التأثّير الأكبر في نظري؛ ينبع من الكوفة.. فبين الكوفة وبين قرى اليهود أميال قليلة، وبلدة (الكِفل) زرتُها أنا الفقير، وزرت قبور أحبار اليهود فيها، وحدثني سكانها من المسلمين أن اليهود كانوا متواجدين هناك منذ السبي البابلي، إلى أن أُجلوا في خمسينات القرن الماضي.

وبما أنّ أحاديث المهديّ كوفيّة المنشأ؛ فمن اليسير القول: إنها تسربت إلى أهل الكوفة مع اضطهاد الأمويين والعباسيين لآل البيت وشيعتهم عن طرق يهود مدينة الكفل وقراها، تنفيساً عن النفوس، وأملاً يخفف من الأحزان والآلام، ويمنح القدرة على الاحتمال والصبر، والله تعالى أعلم.