كتاب عربي 21

اتحدوا أو انسوا!

1300x600
وأقبل بعضهم على بعض يتلاومون. الكل تحسس مسدسه لكن بعدما استقرت الرصاصة في جسده. ذلك أن فرقاء الثورة المصرية الذين يحاولون لملمة شتاتها وشتاتهم الآن، هم الطرف الثالث والأول والثاني والوحيد الذي يحمل وزر وصول مصر وشعبها وثورتها إلى هذا المآل. 

من العبث أن ألوم الطرف الآخر، وهو الجيش والشرطة وفلول نظام مبارك وشبكة فساده أنهم نجحوا حين فشل الآخرون. ومن السفه اتهام الدولة العميقة بإفشال الثورة فهي لم تخف يوما أنها ضدها ولا تريد أن تسمع سيرتها. ولا لوم على الطبقة المتغلبة في مصر أنها تمقت باقي الطبقات وتترفع أن يحكمها الفقراء والفلاحون لإن شركاء الثورة من أبناء هذه الطبقة لم يكونوا أقل ترفعا ولا أكثر تواضعا.

ولا لوم على الشعب الذي اتهم بالجهل في كل خياراته. حين اختار الثورة في يناير وصفه أزلام مبارك بأنه غير جاهز للديموقراطية كما لو أنه فتاة في خدرها يخشى عليها أبوها الباشا من أن يلعب بعقلها الصبيان. وحين اختار الإسلاميين في خمس انتخابات ظنا منه أنهم بتوع ربنا وسيطهرون البلد من ظلم مبارك وفساده، اتهم بانه شعب طفس يبيع صوته من أجل سكر الإخوان وزيتهم، وحين ثار على الإخوان بعدما فشِلوا أو أُفشلوا اتُّهم بأنه شعب من عبيد البيادة يقبل أيدي جلاديه.

وهذا لا يعني بالضرورة أن الشعب كان يتحرك ككتلة واحدة متجانسة في المرات الثلاث. فقد كان الكثيرون يرون ثورة يناير مصيبة على الغلابة، لكنهم أعطوها فرصة علها تأتي بالخلاص، كما أن هناك كثيرين مع السيسي وكثيرين ضده الآن. لكن خيار الشعب في كل الحالات كان يجد من يحقره.

ثوار يناير يحاولون التجمع من جديد الآن، وقد جرت في مصر دماء غزيرة  وفي العالم مياه كثيرة.. فمؤسسات الدولة كانت خائفة من الثوار وغير واثقة في قدرتها على احتواء الثورة، واضطرت لتقديم التنازل بعد الآخر حتى تخلت عن كرسي الفرعون لفلاح من الشرقية ينتمي إلى قوم كانوا ليلة بزوغ الثورة في غياهب السجون، وهو أمر لو تعلمون عظيم. هذه هي نفسها المؤسسات التي تزهو الآن بالإنتصار على الحالة الثورية الجامعة في مصر؛ ولم يكن انقلاب الثالث من يوليو إلا نتيجة هذا التقدير للموقف الذي وصلت إليه هذه المؤسسات. وتلحظ ذلك جليا من أحاديث مرشح الدولة العميقة عبد الفتاح السيسي ومن فريقه الانتخابي وإعلامييه الجدد. فهو لن يسمح بالتظاهر وسيقضي على الإخوان ويحل حزب النور؛ أي سيكسر العمود الفقري لأي ثورة قادمة. وتلحظه من أفعال إدارة الإنقلاب التي حلت حركة 6 إبريل وقبلها الإخوان وحبست وقتلت الثوار إسلامييهم وغير إسلامييهم. 

ومن المشاهد التي أثارت الانتباه في بدايات الانقلاب، ما قاله اللواء محافظ بورسعيد لأئمة المساجد، ليس لأنه هددهم بالصفع إن لم يلتزموا بتعليماته، ولكن الأخطر هي الجملة التالية التي مرت مرور الكرام: "خلاص بقى انتهينا".. فأنتم يا ثوار يناير أمام دولة لا تخشاكم بعدما كفر بكم ظهيركم الشعبي لقلة وعي بعضكم وأنانية بعضكم وانتهازية بعضكم. 

أما في الخارج فإن العالم الذي أبدى انبهارا بالثورة، وخرج أوباما ليقول إنها ألهمت العالم، وكاميرون ليقول أنها ينبغي أن تدرس في المدارس، هو صامت الآن لأنه يعرف أنكم في أشد حالات انكساركم. والعالم لا يتحالف مع المنكسرين. أجهزة الدولة العميقة نجحت هذه المرة بمعاونة حلفائها الأثرياء المؤثرين في السياسة الغربية أن تقنع صناع القرار على جانبي الأطلسي بأن يتركوا لهم التعامل هذه المرة بعدما اضطروا جميعا للإنحناء للموجة الأولى من الثورة فأفرزت رئيساً كان يصف اليهود بأحفاد القردة والخنازير وهو معارض، ولم ينطق كلمة اسرائيل ولو لمرة وهو في الحكم ولم يقابل مسئولا إسرائيليا وكان يتحدث حديثاً (سابقا لأوانه) عن استقلال مصر بتنويع مصادر السلاح والغذاء والدواء. أي الخروج التدريجي من التبعية. فعاد الغرب إلى مقولة قديمة لوزير الخارجية البريطاني الأسبق دوجلاس هيرد وهي أن الديموقراطية قي الشرق الأوسط لا تخدم المصالح الغربية.

أمامكم إذن مرتقى صعب يا ثوار يناير، إذا توحدتم فما بالكم وأنتم متفرقون. صحيح أن هناك بوادر استفاقة لكن ليست أمامكم فرص أخرى تضيعونها. 

والذي لا شك فيه أن الثورة ستنتصر لأنه من غير الطبيعي ألا تنتصر ولهذا تفصيل ولكن ليس محله الآن.

اتحدوا أو انسوا