كتاب عربي 21

نتائج وأبعاد قبول انضمام فلسطين لاتفاقيات جنيف

1300x600
أعلن المجلس الفدرالي السويسري، الجهة الوديعة لاتفاقيات جنيف الأربع وبروتوكولاتها، عن قبول فلسطين طرفًا ساميًا في اتفاقيات جنيف الأربع وبروتوكولها الإضافي الأول، بتاريخ 11/4/2014، وذلك بناء على الطلب الذي تقدمت به فلسطين مؤخرًا بعد توقيع الرئيس محمود عباس على طلبات بالانضمام إلى 15 اتفاقية دولية، كرد فعل على عدم إفراج إسرائيل عن الدفعة الرابعة المتفق عليها من السجناء الفلسطينيين، ما أدى إلى تعثر المفاوضات.

ماذا يعني قبول فلسطين طرفاً في اتفاقيات جنيف؟

لعل مما تجدر الإشارة إليه ابتداء؛ أن منظمة التحرير الفلسطينية كانت قد تقدمت بطلب سابق (عام 1989) لانضمام فلسطين لاتفاقيات جنيف، ولكن الحكومة السويسرية قالت حينها "إنها في موقع لا يسمح لها بتقييم قبول أو عدم قبول هذا الانضمام، كون أنه ليس من الواضح ما إذا كانت فلسطين تعد دولة". وبذلك بقي الأمر عالقا حينها. وبالتالي فإن قبول الطلب الآن، والذي يأتي بعد أن تمت ترقية فلسطين في الأمم المتحدة إلى "دولة مراقب غير عضو"، يعني أنه أصبح من الواضح أن "فلسطين تعد دولة"، وأن العالم يتعامل معها الآن على هذا الأساس، وأن العائق الرئيس الذي كان أمامها للانضمام للاتفاقيات الدولية لم يعد موجوداً.

الانضمام لمحكمة الجنايات الدولية

الجديد أيضاً في أمر قبول فلسطين دولة طرف في اتفاقيات جنيف، أنها كانت قد تقدمت في العام 2009 بطلب انضمام لميثاق روما الناظم لمحكمة الجنايات الدولية، وذلك لكي تحقق المحكمة في جرائم حرب قامت إسرائيل بارتكابها أثناء حربها على غزة نهاية عام 2008. وحينها؛ رفض المدعي العام للمحكمة هذا الطلب، وقال إن اختصاص المحكمة يقتصر فقط على الدول، وإن الوضع الممنوح لفلسطين في الأمم المتحدة (في ذلك الوقت) هو مركز "مراقب"، وليس "دولة غير عضو". وذكر أن المحكمة يمكن أن تنظر في المستقبل في "مزاعم الجرائم المرتكبة في فلسطين"، وذلك عند تغيّر وضع فلسطين في الأمم المتحدة.

الآن وبعد ترقية فلسطين لدولة مراقب غير عضو، وبعد إعلان سويسرا قبولها عضوا في اتفاقيات جنيف، يمكن القول إن الطريق غدا مفتوحاً تماما لفلسطين من أجل الانضمام إلى ميثاق روما. بل ويمكن القول بناء على كلام المدعي العام المذكور آنفاً؛ إن عليه أن يقوم بالبدء بالتحقيق والاستجابة للطلب السابق الذي تقدمت به فلسطين دون لزوم أن تتقدم بطلب جديد.

أثر الانضمام على المفاوضات و"الاتفاقيات الفلسطينية الإسرائيلية"

تلك إذن هي الآثار العامة التي يمكن الحديث عنها لوصف ما يعنيه قبول الطلب الفلسطيني بالانضمام إلى اتفاقيات جنيف. أما عن الأثر المباشر لهذا الانضمام على مستوى الصراع العربي الإسرائيلي، فيمكننا القول إن من أهم تلك الآثار التي يمكن طرحها الآن ضرورة دراسة الاتفاقيات الموقعة بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، وتصويب أوضاعها بما يتلاءم مع حقوق الفلسطينيين بمقتضى اتفاقيات جنيف، والتي تعطي الفلسطينيين حقوقاً تفوق تلك التي تم الاتفاق عليها في الاتفاقيات الموقعة بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي. ذلك أن اتفاقية جنيف الرابعة تنص على أي اتفاق بين الدول يجب أن لا يؤثر تأثيراً ضاراً على الأشخاص المدنيين، ولا يجوز التنازل بأي حال عن الحقوق الممنوحة لهم بمقتضى الاتفاقية، وهذا أيضاً ما نصت عليه اتفاقية جنيف الثالثة بالنسبة لأسرى الحرب.

وهنا؛ ينبغي التأكيد على أهمية أن تضع القيادة الفلسطينية هذه النقطة في حسبانها، بحيث تكون الحقوق المنصوص عليها في اتفاقيات جنيف أساساً تنطلق المفاوضات -في حال استمرت- لبحث آليات تطبيقه، لا أن يتم التفاوض على الحقوق ذاتها من حيث منحها أو عدم منحها للفلسطينيين؛ كما كان حاصلاً سابقاً. ويمكن القول إن هكذا موقف فلسطيني -إذا ما اتُّخذ-، سيكون مسنوداً بغطاء دولي واسع، ذلك أنه ينطلق من أساس قانوني قوي ومتفق عليه عالمياً.

بطلان الأوامر العسكرية التعسفية

تنص اتفاقية جنيف الرابعة على أن من واجب دولة الاحتلال المحافظة على الحالة القانونية القائمة في أي منطقة عند احتلالها، وهذا يعني بطلان القوانين والأوامر العسكرية التي تصدرها إسرائيل وتتعارض مع القانون الدولي والقوانين الفلسطينية المحلية، ومن ذلك مثلا تجريم العمل السياسي والانتماء للفصائل الفلسطينية.

الوضع القانوني للسجناء الفلسطينيين

وعند الحديث عن تأثير انضمام فلسطين لاتفاقيات جنيف على وضع السجناء الفلسطينيين، ينبغي أن نشير ابتداء إلى أنه وبموجب اتفاقية جنيف الثالثة، سيكون من حق أفراد ما يمكن أن نسميه "بالجيش الفلسطيني" التابع لدولة فلسطين، وأفراد المقاومة المعترف بها من قبل الدولة، الدفاع عن الأرض الفلسطينية وحماية الفلسطينيين ضد أي عدوان إسرائيلي باعتباره اعتداء من دولة على دولة أخرى. وهنا إذا قامت إسرائيل بسجن أي من أفراد الأمن أو المقاومة الفلسطينية فإنها يجب أن تعامله "كأسير حرب"، وبالتالي لا يجوز أن تحاكمه على ما قام به من أفعال في سياق قيامه بواجبه ودفاعه عن أرضه، حتى لو شمل ذلك القتل أو الجرح، طالما كان ذلك ضمن الضوابط المنصوص عليها في القانون الدولي.

كما أن البروتوكول الأول الملحق باتفاقيات جنيف، اعتبر مقاومة حركات التحرر للاحتلال الأجنبي نزاعاً مسلحا دولياً، ونص على أن أسرى حركات المقاومة ـ ضمن شروط معينة ـ يعدّون أسرى حرب، ويجب معاملتهم على هذا الأساس. وهو بالطبع ما لا تلتزم به إسرائيل.

أما اتفاقية جنيف الرابعة فنصت على حقوق المعتقلين من المدنيين، أي أولئك الأشخاص الذين لم يشاركوا مباشرة في الأعمال القتالية، وتنتهك إسرائيل هذه الاتفاقية ولا تعترف بإلزامية تطبيقها في ما يتعلق بالمعتقلين الفلسطينيين.

اختيار "دولة حامية"

وبموجب اتفاقيات جنيف الأربع، سيكون الآن من حق الفلسطينيين أن يختاروا "دولة حامية"، وهذا المصطلح يعني أن للدولة المحتلة أن تختار دولة محايدة كي تساعد وتشرف على تطبيق نصوص الاتفاقية. فالدولة الحامية تتولى حماية مصالح ضحايا النزاع، وتشرف على مدى وفاء أطراف النزاع بالتزاماتهم بموجب اتفاقيات جنيف، وتستقبل شكاوى المتضررين، وعليها أن تمنع أي انتهاك ضدهم. وفي حال تم أمر كهذا، فإنه بكل تأكيد سيكون عاملاً مهماً في تقليل الانتهاكات الإسرائيلية بحق المدنيين الفلسطينيين بشكل كبير.

تدويل النزاع ومحاكمة مجرمي الحرب

أما على صعيد تدويل النزاع، فيمكن القول إن الانضمام لاتفاقيات جنيف سيفتح المجال أمام تدويل حقوق الفلسطينيين والضغط على الدول الأطراف في الاتفاقيات لعقد مؤتمر لبحث انتهاكات إسرائيل لها، وخصوصا في بعض القضايا كقضية الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين وحقوقهم، وبيان طبيعة الالتزامات القانونية الناشئة على دولة إسرائيل اتجاههم، ودور الدول الأطراف في مواجهة الانتهاكات الإسرائيلية لحقوق هؤلاء الأسرى الفلسطينيين.

الانضمام يعني أيضاً أن المجال غدا متاحاً بشكل أكبر أمام فلسطين من أجل رفع دعاوى قانونية أمام المحاكم الداخلية للدول التي تقبل بفتح ولايتها القضائية لقضايا الانتهاكات الجسيمة لاتفاقيات جنيف بناء على المادة 146 منها. ومن تلك الانتهاكات الجسمية: القتل العمد، الاعتقال التعسفي، التعذيب، تدمير الممتلكات بدون ضرورة حربية، وهي انتهاكات ثبت قيام الجيش الإسرائيلي بها كثيراً.

التزامات على فلسطين

وفي المقابل من ذلك، سيفرض انضمام فلسطين لاتفاقيات جنيف أن يلتزم الفلسطينيون أيضاً بنصوصها؛ ومن ذلك عدم جواز قتل المدنيين الإسرائيليين أو التعرض للمباني والمرافق الإسرائيلية العامة والخاصة التي ليس لها علاقة بالعمليات العسكرية الإسرائيلية، وهو الأمر الذي يمكن أيضاً أن يضع قيوداً أمام حركة التحرر الفلسطينية تكون غير ملائمة مع وضعها حركة تحرر وطني، ومن ذلك وجوب قيام أفراد المقاومة بتمييز أنفسهم عن المدنيين وحمل سلاحهم علناً. وعليه سيكون على فلسطين منع الأعمال المقاوِمة التي تخالف قواعد القانون الدولي، كالهجمات على الأراضي الفلسطينية التي احتلت عام 1948، ولكن هذا -بالطبع- لا يعني عدم جواز المقاومة بشكل مطلق، بل ستبقى مقاومة الاحتلال مشروعة، خصوصاً في الأراضي الفلسطينية التي احتلت عام 1967.

ماذا بعد؟

وفي كل الأحوال، سيحتاج كل ما سبق إلى دراسة عميقة لأبعاده، لأنه قد يعني تجاوز اتفاقيات أوسلو الموقعة بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، وقد يتسبب بمشاكل سياسية للفلسطينيين مع عدد من دول العالم الداعمة لإسرائيل. ولكن الجديد هنا هو أن هناك وسائل يملكها الفلسطينيون أصبح من الممكن الآن أن تكون مدعومة وبقوةِ القانون الدولي، والذي بمقتضاه فإن فلسطين دولة لها أن تدافع عن حدودها ومواطنيها ضد أي اعتداء.

والمهم في كل ما سلف، هو من يستطيع اقتناص الفرص، ومن يطالب بحقوقه بصورة مشروعة وذكية، ومن يفهم اللعبة ويجيدها، ومن يتفوق في جعل تلك الاتفاقيات وسيلةً مساندة له في ممارسته لحقه في الانعتاق وتقرير المصير.