مقالات مختارة

مذكرة بكركي وثوابت لبنان الوطن

1300x600
كان من الضروري والملحّ ان يرتفع الصوت من بكركي جازماً وحازماً، وعلى كثير من العتب الظاهر والغضب المكنون. فما اصدرته الكنيسة المارونية، لم يكن وثيقة تبقى صرخة في برية السياسة وفرّيسيّيها، الذين يعلقون لبنان على صلبان كثيرة ويطعنون خواصره بحرابهم المسمومة واحترابهم المجنون، بل كان انذاراً واضحاً وصريحاً الى الجميع: "بلغ الوضع مرحلة الازمة المصيرية ومصير الوطن على المحك".

واذا كان في وسع الكثيرين من سياسيي المجون الذي بات يقارب الجنون، ان يتماهوا في التفرد والتعنت والانانية الصفيقة والطمع الاعمى بالسلطة، وهو ما يدفع بلبنان الى الهاوية ويهدد مستقبله ومصير ابنائه، فليس في وسع الكنيسة المارونية ان تقف موقف المتفرج، ولهذا تأتي الوثيقة لا لتعكس روح الارشاد الرسولي من اجل لبنان وتوجيهات المجمع البطريركي الماروني فحسب، بل لتضرب على الطاولة لعلهم يستفيقون، او لتقرع "الابواب" المقفلة على الفوضى والعقول والضمائر المغلقة على الانقسامات لعلهم يدركون ان الوطن على حافة الانهيار الذي سيجرف الجميع. تشكل الوثيقة في شموليتها وصراحتها خريطة طريق لإخراج لبنان من الازمة الراهنة من خلال العودة الى الانتظام النهائي داخل موجبات المصلحة الوطنية العليا، وعبر مشروع الدولة وإعلاء سلطتها فوق اي سلطة داخلياً وعلى كامل الاراضي اللبنانية، وذلك في اطار احترام الدستور بعدما بات ويا للمرارة وجهة نظر المتناحرين على الاوزان وحصصها والمغانم، ومن خلال فصل السلطات واستكمال تطبيق الطائف، والتزام احترام سيادة الدولة وصونها وحصر السلاح في يدها وتقوية المؤسسات العسكرية وحماية استقلال القضاء.

واذا كان من الضروري انهاء الزبائنية السياسية داخلياً بعدما عمّمت الفساد وشرّعت المحسوبيات، فمن الضروري اكثر وقف الزبائنية الداخلية للقوى والمصالح الخارجية المتقاطعة فوق لبنان، وهو ما يفرض بالضرورة تحييده عن صراعات المحاور وعدم السماح باستعماله ممراً او مقراً لهذه المحاور مما يعمّق تورطه في هذه الصراعات، وهذا بالمناسبة ما كان قد نصّ عليه "اعلان بعبدا" الذي وافق عليه الجميع وإن كان البعض قد يتنكر له الآن!

البطريرك بشارة الراعي ركّز كثيراً على جوهر لبنان المتمثل في الوفاق الوطني الصادق وفي العيش المشترك، وحرص على تأكيد نظرة الكنيسة المارونية المفعمة بالواقعية والرجاء حيال المستقبل على رغم تخبط لبنان في أزماته!

تعمّدت الوثيقة التركيز على اهمية تصويب عملية التكليف العام، فحرصت على الدعوة الى احترام الميثاق الوطني في عملية وضع قانون انتخاب يترجم المشاركة الفعّالة في تأمين المناصفة، من خلال الاختيار الحر وتلافي الوصول الى التمثيل النيابي بقوة التكتلات المذهبية... كل هذا يفترض ان لا يبقى صرخة في برية سياسيي المسخرة لأن غرق لبنان سيأخذنا جميعاً الى القاع!